نفسي أعرف!
كانوا يضربون لنا مثل “عجايز العزايات” لكل من يقوم بنقل خبر أو يتكلم في أمر لا يعرف تفاصيله أو “يمعط” إشاعة لتصبح حقيقة فيما بعد..ويقال ان أحد الزعماء القدماء أمر بوضع العجائز ببئر وإغلاق الباب عليهن حتى يمتحن قدرتهن على التقاط الأخبار..وبعد أيام توفي ملك الصين ففتح الحاجب الباب عليهن ليسألهن ما آخر الأخبار وأثناء رفع الغطاء…بادرنه بأصوات وهمم مختلفة: دريت يا مشحّر؟؟ ملك الصين مات!…فأغلق الباب من جديد وهرب..
المحللون السياسيون الذين يكتبون افتتاحيات الصحف اليومية المحلية مثل “عجائز العزايات”..قبل ان تتم زيارة رأس الدولة لأي مكان في العالم تجده “سمط” افتتاحية أخت أختها ..تبين أهمية هذه الزيارة ، وبعدها السياسي والاستراتيجي والإقليمي، وما ستؤول اليه ، وأثناء الزيارة تجده يعدّل بعض الكلمات المستقبلية الى افعال مضارعة ..”يزور هذه الأيام” ، “يجري” في هذه اللحظات.. “يحبس العالم أنفاسه”..وعند عودة رأس الدولة من الزيارة يكتب افتتاحية “صباحية مباركة”..تحمل على اغلب العنوان التالي : “زيارة ناجحة إلى ….” طبعاً الأخ المحلل..لم يحضر الاجتماعات الثنائية ،ولم يسمع كلمة واحدة من اللقاءات، ولم يشهد جانباً منها، لأنه لم يكن في الأصل مع الوفد المرافق ..بل كان يقف على بسطات صويلح يشتري “برتقال ابو صرّة”..
في زيارة الملك الأخيرة للمكسيك والولايات المتحدة ..كان اجتماع الملك مع أوباما سرّيا وبعيد عن الصحافة والاعلام استمرّ لثلاث ساعات لا أحد يعرف ما هي محاوره ، وماذا جرى نقاشه وعلى ماذا أفضى وهل نجح اللقاء ام لا …ومع ذلك في اليوم التالي كتب المحلل السياسي..في أحلى منطقة في الصفحة الأولى بزاوية تحتل شارعين “وأربع واجهات حجر”…كتب: “زيارة ملكية ناجحة بكل المقاييس”… وفي داخل الافتتاحية لا تجد غير العموميات ، كتعزيز العلاقات الثنائية، وبحث الأوضاع في المنطقة، ودفع عملية السلام، وايجاد حل سياسي في سوريا..وغيره وغيراته…يا اخي كيف عرفت انها زيارة ناجحة في كل المقاييس وانت لم تحضر ولم تسمع ولم تقابل الا “تبعين بردقان ابو صرّة”…
نفسي اعرف من أين يأتون بكل هذا “الجَلــَد” والقدرة على التزويق والتسويق وعصر نفس الجمل ومضغ نفس العبارات “الكلاشيهاتية” كل هذه السنوات…
المشكلة ان ما يجري فوق السطح ليس له علاقة يما يجري في “قاع البئر” بتاتاً!..