صحيفة الكترونية اردنية شاملة

متحف للقردة الثلاثة‎

0

بعد اختطاف 3 مستوطنين في الخليل المحتلة تحولت الصفة الغربية الى ساحة عسكرية حيث انتشر جنود الاحتلال بكامل أسلحتهم في المدن والقرى والشوارع وهم يقومون بعمليات مداهمة واعتقالات طالت العشرات، هذا بينما استهدف قطاع غزة بالغارات الجوية. هدف هذه العملية فرض العقاب الجماعي على الشعب الفلسطيني، واذا كان هذا النوع من العقاب، خاصة من سلطة احتلال يخالف اتفاقيات جنيف والقوانين الدولية فان المجتمع الدولي يقف ساكنا ولا يبالي مثل القردة الثلاثة التي لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم عندما يتعلق الامر بإسرائيل وجرائمها المستمرة.
كل عام وفي هذا العام ايضا، تنشغل وسائل الاعلام الأوروبية والأميركية خلال شهري أيار وحزيران بإحياء ذكرى الانتصار على النازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية، تنشغل محطات التلفزة ببث المسلسلات والأفلام الوثائقية التي تركز على معاناة اليهود اثناء الحكم النازي. وقد شاهدت بعض هذه الأفلام تتحدث عن ملاحقة النازيين لأسرة يهودية او عن تدمير منازل بعضهم وتقديمها بشكل مأساوي تهتز له قلوب البشر. والواقع ان اكثر المتضررين من النازية هم الفلسطينيين، لأن أوروبا والغرب، بما في ذلك روسيا، لم يجدوا تعويضا لليهود على ما تعرضوا له من اضطهاد نازي، إلا بإرسال سفن المستوطنين الى فلسطين لاستعمارها وتشريد شعبها، لهذا يستحق هتلر اللعنة الى يوم الدين، لان جرائمه ضد اليهود استخدمت كذريعة للانتقام من الفلسطينيين الذين لا صلة لهم بها من قريب او بعيد.
تطبيل ووتزمير وسائل الاعلام في الغرب لليهود والتركيز عليهم كضحايا بعد 68 عاما من انتهاء الحرب العالمية قد يكون مفهوما لو ان هذا الاعلام يخرج عن صمته الطويل على جرائم اسرائيل التي لم تتوقف منذ عام 48. هذا الصمت امر لا يحتمل وكأن اليهود بشر اما الفلسطينيين فلا، الشعور بوجود سياسة الكيل بمكيالين عند الغرب مستقرة في أعماق الوعي الجمعي العربي، الذي يرى ان أوروبا وأمريكا مسؤلاتان عن نكبة فلسطين واضطهاد الاحتلال المستمر لشعبها وإنكار حقوقه. فمتى يصحو هذا الغرب الأعمى ويفرك عيونه ليرى حقيقة الجرائم الإسرائيلية التي وجدت منه دائماً غطاء ودعما؟
في الثمانينات زرت براغ عاصمة التشيك ورتب لنا اصحاب الدعوة زيارة خارج العاصمة بعدة كيلومترات حيث وجدنا متحفا أقيم في العراء، قيل لنا انه أقيم لتخليد ذكرى مقتل 12 تشيكيا أعدموا بتهمة المقاومة ودمرت منازل قريتهم الصغيرة في هذا المكان على يد قوات الاحتلال النازي، ثم طُلب مني ان اكتب كلمة في السجل، وبعد ان أدنت الجريمة النازية كتبت سطوراً عن شعب آخر واجه ويواجه جرائم من هذا النوع. أشرت الى مذبحة دير ياسين والى مئات القرى الفلسطينية التي مسحت من الخريطة. لم يعجب هذا مديرة المتحف وغطى الغضب وجهها لأعرف من المرافق التشيكي بانها يهودية وان أخاها ضابط في الجيش الاسرائيلي.
تُرى لو أتيح يوما للفلسطينيين ان يقيموا متحفاً في فلسطين لإحياء ذكرى مدن وقرى مسحت ودمرت منازلها وقتل وشرد سكانها فهل سيكون هناك مكان خال من متحف مماثل؟ بالتأكيد لا، واقترح ان يقام بالمستقبل في مكان ما بفلسطين متحف مختلف يلخص جرائم اسرائيل وموقف عواصم الغرب منها (المدعية بالدفاع عن حقوق الانسان) وذلك بتجسيد موقف هذه العواصم على صورة القردة الثلاثة الشهيرة، التي يغطي احدها عينيه والآخر يضع أصابعه في أذنيه فيما الثالث يغلق فمه بيده، أننا نعيش في عالم قردة لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم عندما يتعلق الامر بجرائم اسرائيل.
لقد نجح الإسرائيليون، حتى اليوم، في اغتصاب ارض الفلسطينيين لكنهم نجحوا اكثر في اغتصاب لغة ضحاياهم كما كتب ادوارد سعيد يوماً، لهذا يصمت المجتمع الدولي على مشاهد العقاب الجماعي لثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة والقطاع ويصدق او يتظاهر بالتصديق بان الضحية هم الإسرائيليين وليس الفلسطينيين، وبان الارهاب هو صنو الفلسطيني الذي يعكر صفو وطهارة 3 مستوطنين كل ما يفعلونه في الخليل مصادرة المنازل وإطلاق الرصاص على الخلايلة.
[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.