صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الحصار الأبيض

0

منذ نهاية الأسبوع الماضي أحضرت كل ما يلزم وما لا يلزم من “الكريك” الى “المايوه” الى المروحة إلى الخبز ، إلى القهوة الى المعسّل الى الوقود… وذلك كضيافة متواضعة للعاصفة الثلجية .. وبما ان مراكز الأرصاد الجوية في بلادنا أصبحت مثل “المولات” كثيرة وتتنافس في العروض فيما بينها،فعليك ان تحتاط لكل شيء لأنه قد يحدث لك أي شيء..

هذه الأجواء تناسبني تماماً ، دلف من سطح البيت بسبب فواصل بالبناء ، شراشف واغطية ملقاة على الكنبات وكراسي الجلوس والكمبيوتر ، مدفأة مجتهدة ،عطلة طويلة وموسيقى كلاسيكية ، ثلج يطرق الباب تارة كلما شدّته الريح ، ويتهادى فوق الشبابيك لتصبح مثقلة باللون الأبيض كرموش طحّان ،الناس مختبئون في بيوتهم ، فالحركة الخارجية قليلة .كل ما قد يدعوني للخروج صار عندي منذ مساء الخميس ؛ لدي مخزون من الخبز يكفي وحدة من “البشمركة” ، كما ان المعلبّات سريعة التحضير التي أملكها على أهبة الاستعداد لتقوم بعمليات انتحارية في المقلاة لأجلي ،كما ان لدي ثالث أكبر احتياطي من الكاز في الحارة فلدي ثلاثة “جالونات” تحت الدرج ، ماذا أريد أكثر…فقط عليّ التأمل..

نظرة سريعة من نافذتي الغربية ، شجرة اللوز أمامي تفرد ذراعيها للثلج والعصافير ،ورفوف الحمام مكسوة بالفرح يجمّله هديل ممزوج بالنشوة وهي تدور حول نفسها ،على سطح الجيران قميص منسي على الحبل منذ يومين ، صار قميصاً من ثلج ، شجرة سرو فتحت أغصانها ورفعت اكفها لتُطعم الوقت سُكّر السماء ، في المدى ايضاَ ثمة حمامة برية تائهة بين البيوت فقد ضيّع الثلج خارطة طريقها ، ما زالوا صغارها بالانتظار تحت القرميد ، حتماً ستهتدي اليهم ..فقلب الأم بوصلتها…

يمتطي الخيَالُ “الحصارَ الأبيض” فيصهل بعضا من ذكريات..في “الثلج” كانت تخرج أمي حكاياها الموسمية ،حكايا دافئة وبيضاء تشبه الوقت والمكان ، في الثلج كان ينفض النسيان “غبار العتمة” عن “صاج الخبز” ، تشعل أمي عيدان الحطب فتخبز لنا خبزا رقيقاً موسوماً بالحب والنار..

في الحصار الأبيض..يكون لدينا مخزون من كل شيء، الا الفرح فهو يذوب سريعاً مثل حلوى “شعر البنات”وكما يذوب سكّر السماء على شفاه “النبات”!.

سواليف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.