صحيفة الكترونية اردنية شاملة

هيبة المنصب العام!

0

في السابق كان معظم الوزراء وقيادات الصف الاول في الدولة يأتون الى المناصب العامة بعد تطور في وظائفهم بشكل طبيعي، ولم يكن هناك قفزات ادارية الا في حالات نادرة، اما اليوم فترى الكل يتسابق للحصول على الوظيفة العامة بغض النظر عن مستوياتها الادارية او المالية، فالمهم هو تولي المنصب بغض النظر عن الكفاءة .

هذا كان واضحا للعيان في السنوات الاخيرة، عندما تدفق رجال الاعمال وحلفاؤهم الساسة لتكوين منظومة عمل جديدة هدفها استغلال موارد الدولة المادية وزيادة الثراء بطرق جديدة غريبة .

هذا التحالف لم يكن فقط موجها للسلطة التنفيذية، وإنما تجاوز الى السلطة التشريعية، حيث وجدنا لاول مرة نوابا يمثلون رجال اعمال في البرلمان، ويلعبون دورا خطيرا، ينصب اساسا في احداث تعديلات تشريعية تصب في مصالحهم التجارية وتبعدهم عن المساءلة والمراقبة الشعبية.

الاشكال السابقة من التحالفات بين رجال الاعمال والسياسة، باتت اليوم تشكل خطرا، فتوجهاتهم الاقتصادية المتركزة اساسا على استغلال موارد الدولة، جعلت منهم «حيتان» لا يرون غير مصالحهم، وبتنا نشاهد مظاهر ثراء غير عادية ابدا.

جميع تلك التحالفات شكلت شركات ومؤسسات استشارية حصلت من خلال نفوذ مالكيها على عقود استشارية وغيرها من الاعمال بملايين الدنانير، واستفادوا من حالة الضعف الرقابي السابق على اعمالهم، وتوجهوا ايضا الى المانحين، واخترقوا ادارات الدولة المختلفة، وحصلوا على منح، وأسسوا لمشاريع سوقوها للدول المانحة وسفاراتها بانها ذات قيمة مضافة عالية على الاقتصاد الوطني، وكان لهم رأي مسموع في الخارج بحكم مناصبهم العليا التي يتولونها، والحقيقة انها مشاريع لا تصب الا في صالح جيوبهم فقط.

انعكاسات تلك الاعمال والتحالفات على الخدمة العامة كانت خطيرة وسلبية للغاية، حيت تركت تداعيات وخيمة على مفهوم هيبة المنصب العام الذي هو اساسا للخدمة العامة، ينظر الى من يتولاه بكل احترام وتقدير وهيبة رغم قلة الدخل والموارد، كما انعكست على نوعية الاداء الوظيفي الرسمي الذي هبط مستواه، وبتنا نسمع شكاوى متعددة لا تنقطع عن اداء تلك الدائرة او تلك .

تنامي هذه الظاهرة المقلقة في جسم الدولة، ما كانت لتصبح بهذا الشكل لولا فقدان الرقابة والتقييم والمساءلة، لو كان هناك من يسأل كيف أصبحتم هنا ومن اين لكم كل تلك الاعمال والانشطة لما وصلت الحالة الى ما نحن فيه الان .

للاسف باتت تلك الفئات من المجتمع التي خلطت بين الخدمة العامة والـ”بزنس” عبئا ثقيلا على الدولة من حيث استنزافها لمواردها، وتوجيهها لانشطة الدولة الرسمية لصالح الآخر، لا بل تحولت الى عنصر شغب وصالون لاطلاق الشائعات، ومراكز هدم بعد ان تعالت الصيحات لكشف اعمالهم ومخططاتهم التي نهبت البلاد والعباد .

اليوم بات هؤلاء يشكلون فريقا مضادا للدولة، لا بل يستغلون حالة الاحباط التي ولدتها سياسات وضعوها واشرفوا على تنفيذها وهم في المسؤولية العامة، ليتلاعبون في مشاعر الناس واحتياجاتهم المعيشية وتعطشهم لاصلاح ما دمرته تلك الفئة، هؤلاء يتلونون بكل الالوان حسب مصلحة جيوبهم، فتجدهم موالاة هنا، ومعارضة هناك، المهم ان لا ياتي أحد ويحاسبهم .

الاصلاح الحقيقي يتطلب محاسبة تلك الفئة التي تسوق علينا الاصلاح بغية تحقيق مصالح خاصة لها، وباتت تستخدم المال السياسي لتجنيد نواب واعلاميين وغيرهم لتنفيذ مصالحهم وحمايتهم من المساءلة، ان الاوان لكشف تلك الاقنعة .

[email protected]

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.