صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الأهم التشغيل لا البطالة!

0

الأرقام الحديثة المعلنة رسميا لمعدل البطالة عن الربع الثالث من هذا العام مقلقة الى أبعد الحدود. فقد وصل معدل البطالة للربع الثالث من هذا العام بحسب البيانات التي أصدرتها دائرة الاحصاءات العامة 15.8% وهو أعلى معدل رسمي للبطالة يعلن عنه على مدى التاريخ الاقتصادي للبلاد. والحقيقة أن الحكومة الحالية تنوء بحمل ثقيل لا تحسد عليه، فبعد ما يزيد عن ثلاثة أعوام من برامج التصحيح الاقتصادي وسياسات التقشف انقلبت كافة الأرقام المستهدفة من التصحيح الى عكس مسارها، فيما خلال نسبة العجز المالي الى الناتج المحلي لا لشيء إلا لتحمل المواطن عبء سياسات رفع الدعم والتقشف الحكومي أملا في تحسن الأوضاع وتحقيق معدلات نمو اقتصادي أفضل. ومن الإنصاف القول أن الخلل لا يكمن في برامج التصحيح فهي في النهاية تهدف الى تصويب التشوهات العامة وترشيد النفقات وتحسين كفاءة استخدام الموارد. ولكن المشكلة الحقيقية في التنفيذ، فهناك من يستسهل تطبيق السياسات سريعة الأثر من حيث ضغط النفقات وزيادة الضرائب ورفع الدعم ويستصعب سياسات تحفيز الاقتصاد وتشجيع الاستثمار وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وخلق فرص العمل وتوجيه الانفاق الاستثماري والمنح نحو المشاريع الرأسمالية المشغلة للقطاع الخاص والمحفزة للنشاط، فتلك جميعها تحتاج الى جهد أكبر من المسؤول وتتطلب متابعة حثيثة وبرامج عمل وسياسات كلية منفتحة على القطاع الخاص. وهو أمر لا تحبذه بعض الحكومات ولا تجده طريقها ولا ترغب في تحمل عبأه. أمام ذلك كله كانت المحصلة نمو متواضع لم يشهده الأردن في أصعب أوقات الأزمات الاقتصادية المحلية والعالمية ومعدلات بطالة رسمية لم نسمع بها منذ زمن طويل.
وليس المطلوب هنا التهويل بقدر ما هو الخروج من الأزمة بسياسات حقيقية محفزة للاقتصاد ومشغلة للقوى العاملة. فبالقدر الذي نشعر به بالحمل الثقيل على كاهل الحكومة الحالية فإن الجانب الإيجابي في المعادلة أن بإمكان هذه الحكومة أن تستغل الفرصة لتسجيل نجاحات حقيقية تنهض بالاقتصاد الوطني من عثرته نحو آفاق أوسع. والمنطق الاقتصادي يقول أن معدلات البطالة مهما بلغت ليست المعضلة، ولكن المعضلة في هيكل البطالة وأسبابها. والجميع يعلم أن البطالة في الأردن تنبع من عدم التجانس بين مؤهلات الفئات المتعطلة من جهة والمطلوب في سوق العمل من جهة أخرى، أي انها بطالة هيكلية. كما أن البطالة تتركز بين فئات الشباب، وبنسب تزيد عن المعدل العالمي والإقليمي، وهي بطالة تتركز بين فئات الإناث أكثر من الذكور، وذلك في الوقت الذي نعتبر فيه الأقل اقليميا في مستويات مشاركة المرأة في سوق العمل. في ظل ذلك كله يبقى المطلوب سياسات تشغيل تراعي متطلبات هيكل البطالة وتعالج الخلل القائم حاليا وتعمل على عدم تكراره مستقبلا. بمعنى أننا بحاجة الى سياسات تعالج الحال القائم عبر إصلاحات آنية مستعجلة، وتضع استراتيجيات مستقبلية للتشغيل والقوى العاملة تمنع من تكرار ما حدث مستقبلا. أما السياسات الآنية فلا بد أن تنطلق من البدء فورا بالإعلان عن أن العام القادم هو “عام الموارد البشرية” بمحاور ثلاث: الأول إنشاء حاضنات أعمال إقليمية في كل محافظة تسعى لتشجيع البدء بمشروع وبتمويل ذا كلف منخفضة وطويل الأمد تحت شعار “ابدأ مشروعك بنفسك”، والمحور الثاني: توجيه صندوق الاستثمار الأردني نحو مشاريع مشغلة للعمالة الوطنية عبر سياسات تؤدي الى تدريب تحويلي للمتعطلين يؤدي الى تدريبهم على العمل في مجالات جديدة قد تختلف عن مؤهلهم العلمي وتحت شعار “تدرب على مهنة جديدة”، والمحور الثالث: تحويل صندوق تنمية المحافظات الى صندوق دعم المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والتي تسعى الى التوسع أو البدء بمشاريع جديدة وتستهدف تشغيل كفاءات وطنية جديدة تحت شعار “منكم الوظائف ومنا التمويل”. قد يستخف البعض من هذه الشعارات وهذه المبادرات ولكن سيستغرب العديدين من حجم الوظائف التي يمكن ان تُنشأ في عام واحد. أما على المستوى المستقبلي والسياسات الاستراتيجية فيكفي القول أن ما خرجت به اللجنة الملكية لتنمية الموارد البشرية سياسات يمكن البدء بها وتقييمها مع الوقت. المهم أن نبدأ، وبالقدر الذي لا نحسد الحكومة على ما تواجهه من وضع اقتصادي إلا أن لديها القدرة فعليا لإحداث الفرق والوصول الى نتائج افضل بكثير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.