صحيفة الكترونية اردنية شاملة

القيادة…

0

لا يجانب المرء الصواب عندما يقر بان الشعوب العربية في مجملها تشعر بافتقارها لقادة وطنيين حقيقيين، مع وجود بعض الاستثناءت، يجمعون بين العلم والخلق والعمل، قادرين على توجيه أوطانهم وشعوبهم إلى الطريق السديد والقويم وقيادتها فيه ليوصلوها إلى بر الأمان والرخاء… قادة ليسوا قادرين فقط على تفادي وقوع اوطانهم وشعوبهم في التهلكة من خلال تجنب المغامرات غير المحسوبة عواقبها والتعامل الذكي مع “التحديات” الداخلية والخارجية الجمة التي تواجههم، بل لديهم القدرة ايضا على التغيير الايجابي إلى ما فيه خير امتهم واوطانهم وشعوبهم بما يلبي حاجاتها وآمالها وتطلعاتها ويحقق سعادتها ورخاءها وازدهارها.
فالقيادة تستند أساسا على مدى تمكنك من صياغة رؤية استشرافية خلاقة ابداعية واضحة لوطنك… أين تريد لهذا الوطن أن يكون بعد عقد أو عقدين من الزمن أو أكثر منها… فلا تنتظر قدوم ذلك المستقبل من تلقاء نفسه، بل تبادر في صنعه لوطنك وشعبك الآن…. فالقيادة والحكم تقاس بمدى تمكنك من تحقيق سعادة شعبك والمساهمة في تحقيق سعادة الإنسانية جمعاء… تحقيقها الآن وليس بعد مرور عقود من الزمن وانت تسعى لفعل ذلك، لتنجح تارة ولا يحالفك ذلك النجاح تارات…
القيادة تعني قدرتك على صناعة التغيير الايجابي في وطنك وشعبك وبشكل مبادر، وليس فقط الاستجابة أو التعامل مع التحديات الخارجية والداخلية المستمرة والمتواصلة، والتي لم ولن تنتهي، من منطلق إدارة الازمات ودورات الفعل ورد الفعل اللامنتهية…
القيادة تعني استغلال موارد وطنك، وأبرزها رأس ماله البشري الكفؤ والمؤهل، وبالشكل الامثل وليس فقط الاعتماد المزمن على المعونة والمساعدة والاقتراض الخارجي والداخلي في دوامة مهلكة لوطنك وشعبك يصعب الإفلات منها …
القيادة هي الحكمة والحنكة… تظهر جليا وسريعا من خلال أول حكم للشعب عليك وعلى قدراتك القيادية، متمثلا في تقيم مدى قدرتك على حسن الاختيار لأعوانك وفريق عملك الذين يحيطون بك… بطانتك… فتبعد عنك كل فاسد مهرج متلون انتهازي منافق، وتقرب منك وتحيط نفسك بالأنقياء الطاهرين النزيهين المخلصين الذين يؤثرون وطنهم وشعبهم على انفسهم… وهم كثر….بطانة صالحة من أناس أكفياء أوفياء منتمين ذي مصداقية… بجمعون بينها وامتلاكهم للهالة الجذابة (الكاريزما) والتقبل الشعبي العاليين… اناس يفضلون إسماعك الحقيقة كما هي، دون مداهنة أو مبالغة أو جلدا للذات فيها، حتى لو أزعجتك… من يستطيعون أن يقولوا لك “لا” عندما تخطيء او تفكر في ذلك ، حتى لو أغضبتك… فلا يكون هدفهم وشغلهم الشاغل التملق المزمن لك بهدف تحقيق سعادتك ورضاك عنهم وما تسمعه منهم… بل تكون مصلحة الوطن والشعب ومصلحتك انت الحقيقية هي هدفهم…
القيادة هي الجرأة والشجاعة وتحمل المسؤولية… هي قدرتك على التمييز بين الغث والسمين فيما يوصى لك به… فتتبنى الصالح وتنبذ الطالح منه…. لا أن تنساق وراءه جميعا، لقربك الشخصي من مقدمه أو اعجابك الشخصي به، والذي قد يكون في مكانه أو لا يكون، دون ادراك أو وعي او تفكير متعمق منك لكافة أبعاد هذه التوصية وأثرها على كافة المعنيين بها… فهي بذلك القرارات الصائبة غير
المتخبطة والتي تتخذها في الأوقات الصائبة وتخطها بأيد واثقة لا مرتجفة…
القيادة تعني اقرارك بأن عدم النجاح في تحقيق الأهداف المرجوة إنما هو مسؤوليتك وخطؤك ودليل فشلك… فأنت قائد المسيرة…. وبيدك الحل والربط.. وبيدك التأهيل والتغيير… بينما تحقيقها هو نجاح لجميع من ساهم بذلك…
القيادة هي قدرتك على الاتصال والتواصل مع كافة أبناء شعبك… كبيرهم وصغيرهم… غنيهم وفقيرهم على حد سواء… تشركهم جميعا شراكة حقيقية لا صورية معك في صناعة مستقبلهم ومستقبل وطنهم… فتحصل بذلك على ثقتهم فيك وأن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم معك لن يكون مجهولا… بل على العكس فهو مستقبل واعد تتحقق فيه مقومات العيش الكريم الهانئ… فتجيشهم بذلك جميعا حولك لتحقيق الأهداف المرجوة والتي فيها خيرهم وخير وطنهم…
القيادة هو اعترافك وتقديرك وتكريمك المستمر لبناة وطنك الاولين الذين كانوا لمجده صانعين ، ليبقوا قدوة لأجيال متعاقبين، بالإضافة لتكريمك وتحفيزك وتشجيعك الصحيح والمقدر لرجالات وشباب الوطن صانعي حاضره ومستقبله الواعدين… فالقيادة هي العدل والمساواة… هي الثواب والعقاب… المستندين لأسس ومعايير شفافة ومحفزة واضحة.. لا أهواء ونزوات شخصية… ثواب وعقاب يفعلان ويطبقان في مكانهما وتوقيتهما المناسبين وفي إطار هكذا أسس ومعايير… فإن لم تفعل ذلك انقلب التحفيز والتكريم تحبيطا وشعورا بالغبن والظلم والمرارة… فتجيء أكلها مخالفة ومعاكسة تماما للأهداف الأساسية التي أقرت من أجلها…
القيادة تعني تحليك بمنظومة من القيم السامية الرفيعة من الصدق والوفاء والنزاهة ومكارم الخلق والايثار والعطف والتعاطف …والحكمة… ورأس الحكمة مخافة الله… متجذرة ومترسخة في مكنون نفسك وشخصيتك. فتتجذر بذلك وتترسخ فيمن حولك… فالشعوب على دين حكامها…فتفوز بذلك ويفوز من حولك ويفوز وطنك وشعبك…
ألقيادة هي ببساطة مدى قدرتك على تحقيق رخاء وطنك… وسعادة شعبك…
فهل أنتم قادة أمتي كذلك؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.