صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تحليل درامي لفيلم زوجة رجل مهم

0

بقلم فراس الور 

 

كلمات كالذكرى الطيبة أهديها الى منى الشخصية التي قدمة دورها بطلة هذا العمل: (بلهجة أهل القاهرة العامِيًة) حبيتك يا منى جدا…حبيت برأتك و قلبك النظيف…حبيت الطهارة إلي انت عايشه فيها…حبيت عيونك إلي ابتلمع حب و حنان و حبيت جمالك إلي ابيكوي الفؤاد…من اول طلة انغرمت فيكي و بشخصيتك و عبدت فيكي براءتك و حبك لمصر…ياما كنت بشوف فردوس جذاب في عيونك بس كانت تلمع تحت سما مصر و شمسها و كنت بشوف و عينيكي بتبسم جنة جمال كانت بتزكرني بالجنة إلي قرينا عنها باسفار آدم و حوا القديمة…كنت بشوف و عينيكي حزينه نيلها إلي ابيجري جو وجداني و كنت بنقطو بدمع عينايه من حبي ليكي و لمصر…اه ه ه كنت بشم ريحة مصر بشعرك الطويل بكل مشهد في الفلم و أد أيه اتمنيت لو ريحة شعرك تبقا معايا العمر كلو علشان اتضل مصر عايشه بوجداني و ابفؤادي…قلبي كان بدقلك و لوطنيتك مع كل اغنية لعبدالحليم كنت بتسمعيها بالمسجل بتاعك في شرفة منزلك…او كنت بتمنى اكون واقف جنبك اشم ريحة النيل معاك او اشم ريحة شعرك الحلوة او هي منثور بالهوا زي ورق الشجر إلي بزين جناين مصر الحلوة…رح بكتب حاجات حلوة عنك يا منى بمقالتي الجايه لأنو نصيبك طلع ناقص بالدنيا ديه…اغاني عبدالحليم سجلت بعد ما اتجوزتي خواطر حزينة ابشكل اتعمدت كل كلمة فيها بأهات قلبك…و دمع عينك نزل و جري في النيل زي دمع عيني…بس دمع عينك كحلت بي عينايه لأنو اتمنيت مراتي اتكون زيك…وطنية و قلبها نظيف و طاهر و بريئه ابشكل…او بس لقيتك طلعت خيال في خيال…و حتى قلبك اعطيتي للي ما عرفش ايصونو…

حيثيات ما قبل زواج رجل مهم: منى فتاة حالمة في منتصف العشرينيات من العمر، وطنية و رومنسية الطبع عاشقة لأغاني عبدالحليم حافظ شأنها شأن الكثير من الفتيات و الشبان في فترة نشاط هذا العملاق الفني في مصر، تعيش حياة هانئة مستقرة مع اسرتها المكونة من والدها اسماعيل (علي غندور) المهندس الزراعي لدى الدولة و والدتها (عاليه علي)، حياتها تتمحور حول الجامعة و المنزل فلا نرى لها أنشطة اجتماعية ملحوظ في الفترة التي تسبق زواجها إطلاقا. قلبها قلب طفل نقي و حياتها صفحة بيضاء لم يكتب القدر عليها بعد قصة زواج او خطبة مع أحد..إلى أن ذهبت بمشوار الى متجر بجانب منزلهم يديره بشارة (حافظ أمين) لشراء شريط تسجيل كعادتها…و لكن في هذه المرة حمل لها قدرها أمراً جديدا…فرأها هشام أبوالوفا (الراحل أحمد زكي) من المباحث المصرية الذي كان يقف في نفس المتجر، فأعجب بجمالها، فسأل بشارة عنها لتبدا قصة هشام و منى من هذا المشهد في بداية هذا الفيلم الشَيِقْ…

هشام ابو الوفا ضابط في المباحث المصرية، و حينما تبدأ مشاهد هذا العمل تكون رتبته مقدم (نسر و نجمة) قبل أن يترقى الى رتبة عقيد (نسر و نجمتين) خلال أحداثه المثيرة التي تستمر لمدة ساعتين تقريبا، و هو رجل قوي الشخصية خشن الطبع مغرور بطريقة تعامله مع الناس بحكم وظيفته الحساسة و الرفيعة في الأمن، و هو ايضا من النوع المتسلط أذ يشعر بأن سلطته كضابط تُجيزُ له الكثير من الأمور حتى و ان كانت خطئ مع المجتمع من حوله، فتوضح لنا مشاهد هذا العمل كم أن هذه الصفات متأصله في صميم كينونته الإنسانية و المهنية من خلال عملية تقيمه لمنى و ملاحقتها حينما اعجبته في متجر بشارة، فلا يكتفي برؤيتها بالمتجر و السؤال عنها فقط بل نراه يلحق بها بعملية أشبه بعملية تحري و إن كانت مكشوفة بعض الشيئ لمنى…فنراه يراقبهم في مطعم و هي برفقة أسرتها، و يكون بقربهم على طاولة مما يمكنه من سماع حديثهم …و نراه يأمر طاقم الخدمة بالمطعم بتغير أطباق الغذاء حينما يسمع اسرتها تشكو من جودة اللحوم المقدمة على طاولتها…تشعر منى بالمقابل بهذا الإنسان يراقبها و تبدأ بالشك بأمره خصوصا عندما تشعر بأنه يتعقبها من مكان الى آخر… بل حتى الى عتبة باب بيتها…ليتشجع هشام أخيرا و يطلب يدها و هو برفقة مسؤل أمني كبير في منطقة المنيا (عثمان عبدالمنعم) ، و يبدو لنا من المشاهد المتلاحقة بالعمل بأنه زار منى في بيتها مع شخصية أمنية كبيرة بدل أهل بيته ليحاول التأثير على منى و ابهارها بالبريستيج الذي لديه لتقبل الزواج به؟! و الجدير بالذكر بأن المُشَاهِدْ يشعر من خلال تعابير وجه هشام طوال فترة ملاحقته لها بان منى ستكون زوجته قريبا إذ ترتسم علامات الإنتصار و التأكد على وجهه طوال هذه الفترة التي لا تدوم طويلا في حياة بطلة هذا العمل الدرامي المميز…

ينتهي مسلسل تحريات هشام عن منى حينما يكلمها و هي بالقطار في طريقها الى الجامعة، فبعد أن طلب يدها من أهلها نرى بأن قناعته أزدادت بأنها الزوجة المناسبة له خصوصا حينما تبطئ منى قليلا بالإجابة…فيدفعه غروره و محاولاته لإبهارها و كسب وُدِها بملاحقتها الى القطار ليكلمها و يعرفها عن نفسه أكثر؟! و لا يسعني هنا إلا و أن أوضح حول سلوكه المثير للجدل بِتَقَدُمِهْ لطلب يد فتاة لم يكلمها بعد بأن هذا العامل ساهم في الفلم بخلق حالة من الإثارة المميزة إذ يبدأ المشاهد بالشعور بأن هذه العلاقة تنضج بأوضاع عير طبيعية بسبب إندفاع و سلوك هشام الغير منطقي، …لنقف عند مشهد القطار قليلا لنتعمق بسلوك هشام به…فنلاحظ هنا العرض الذي صنعه هشام امام منى مع المحامي الذي كان يجلس بالمقعد مقابلها، فبعد أن سَلًمَ عليه و استفسر منه عن قضية شركة السكر جلس هشام مكانه قبل أن يستأذنه بأخذ مقعده بخلاف بروتوكول الإتيكيت قلبا و قالبا؟! فلم يعرض المحامي عليه مقعده إلا بعد أن رأى اقدام هشام على أخذه دون إذنه؟!
نرى هشام يقدم نفسه لمنى بصفة شخصية أكثر لنصطدم بثاني واقع مرير عن هذه العلاقة…فهشام يفرض عضلاته المهنية بمحاولة لنيل رضى إنسانة كانت كتومة و حذره بالقبول به كشريك حياتها الى حين…و لعل ما ظهر من شخصيته لمنى لم يكن كافيا لِلَفْتْ أنتباهها ببرائة قلبها الى واقع هشام لغاية أولى مشاهد زواجهما!!! فلم تتنبه منى الى أن هشام يتعامل معها على ان قبولها به تحصيل حاصل حتى منذ أن تقدم لخطبتها مع مسؤل الأمن في بيتها…ففعل ذلك مع رتبة رفيعة المستوى من المباحث ليحرج أهلها و يردعهم عن رفضه كعريس لها، و فعل ما فعل بالقطار ليبلغها بأنه صاحب نفوذ…فحتى حينما أتته الترقية من العميد يسري و أخبره بأمرها و بنقله من مكان خدمته الى القاهرة ابلغ أهلها بأنه قرر تعجيل أمر الزواج و الإنتقال مع منى الى العاصمة بمعزل عن قبولهم أو رفضهم الى هذا الواقع الذي يمكن أن يسبب لهم الصدمة و الألم على فراق ابنتهم…بل أبلغهم بأن شقة الزوجية جاهزة و بأنها كاملة ما عدا غرفة النوم ليسبب لهم الخوف بصورة كبيرة جدا عن مصير ابنتهم معه…فعند هذا الحد تأكد أهل منى بأن هشام يتصرف بتسلط و غرور مطلق مع منى و معهم و بأن أسلوبه العسكري يهمش صوت منى بالعلاقة الزوجية…فيتوضح للمشاهدين عند هذا الحد باليقين بأن منى هي غرض في حياة هشام لا أكثر و لا أقل…

تفاصيل زواج رجل مهم جدا في خريف عام 1975: مع الألحان الجميلة لأغاني عبدالحليم حافظ و صوته الطربي الفريد و الرائع نرى منى تكبر امام أنظارنا…من طفلة في الصفوف المدرسية في شتاء عام 1962 و هي تجري بخطوات هائبة و لكن كلها رغبة الى دور السينما خلسة لتشاهد عبدالحليم يمثل و يغني في افلامه …و كأنها أويقات سينمائية في حياتها قضتها بصحبة شاشة العرض العملاقة من دون علم أهلها او هربا من دوام دراسي ربما…الى شابة حسناء و فاتنة في ربيع عام 1975 تتمتع بنفس المحبة لأغاني هذا الراحل الفني الكبير…و كأنها نضجت كإمراة و وجدانها يرتوي من فن عبدالحليم الأصيل، و مع هذا التوثيق التاريخي الذي يوضح لنا مراحل هامة في حياة البطلة تصبح اغاني هذا الراحل الفني الكبير خليل دائم لمنى في اوقات فرحها و حزنها…تحاكي وطنيتها و حبها لمصر بصورة دائمة حتى في اهم مراحل حياتها، و هذا واقع مَرًت به الأمة المصرية في عهد عبدالحليم حيث ارتبطت اغانيه بوجدان المجتمع المصري بأكمله، فيضفي هذا العامل على شخصية البطلة واقعية تاريخي ضمن السياق الادبي للعمل جعلها قريبة من المُشَاهد و مُقْنِعَة له و اعطاها اتزان أدبي جميل جدا، فالشخصية حينما يخلقها الكاتب المبدع لا بد و أن يشكلها ضمن عوامل عديدة ليعطيها الحياة و لتصبح مقنعة للناس ليستطيع الجمهور تقبلها و التفاعل مع العمل ايضا…فمنى كبرت بعهد الراحل جمال عبدالناصر و الراحل أنور السادات مما جعل طبيعة عمل والدها تتأثر بمشاريع قومية مثل السد العالي بحسب ما فهمنا من العمل…و تأثرت بفن عمالقة كبار مثل عبدالحليم الذي أصبحت اغانيه عنصراً فنيا هام بحياة اهل مصر فرأيناها مثلها مثل سائر الفتيات في عهده تحزن جدا على وفاته، بل توشحت بالسواد حدادا عليه مما اثار غضب زوجها بالفلم فوبخها حينها على ثيابها السوداء…و رأيناها تدافع عن أصالة المؤسسات الوطنية و الإنجازات الوطنية لبلادها و شرعية السد العالي بخلاف رغبة زوجها امام السياسي المتعجرف (عبدالغني ناصر) حينما رافقت زوجها بحفل لرأس السنة…فحتى لم تستطيع تحمل غطرسته الأقتصادية و إرادَتِهِ بتغير نهج المؤسسات الوطنية و الإقتصادية في مصر…منى إمرأة من وحي خيال كاتبها و لكنها انطلقت من واقع عاشته مصر في عهد سالف امتعتنا بنقاء الإمراة المصرية الوطنية نظيفة الوجدان و الميول و الطبع و التي تعيش على حب بلادها، فهي لا شك شابة ممتازة بمقياس عالم النساء…و لكن نصيبها بالزواج لم يكن كما رغبت إطلاقا…

دخلت منى كالحمل البريئ الى عالم هذا المارد القهار، فلم يكن بحسبانها بأنها ستدخل الى سجن لن تخرج منه إطلاقا إلا بكارثة كبرى مع مرور الايام…فشأنها شأن اي عروس جديدة تدخل خدر الزوجية استبشرت خيرا مما رأته من شريك حياتها قبل الزواج، و استمتعت بكمية سعادة لا بأس بها في أولى ايام ارتباطهم المقدس و لكن سرعان ما سقطت الغشاوة من عينيها حينما تعرفت على طبع هشام الحقيقي…فكانت الصدمة الأولى لها حينما كانت على وشك تناول طعام العذاء معه في مطعم في القاهرة حيث انتقلت بعد ترقية زوجها في العمل، فطلب طعام الغذاء له و لها من دون سؤالها عن ماذا تريد ان تتناول؟! اعترضت منى جدا على اسلوبه معها و لكنه لم يقتنع بوجهة نظرها و هم بتبرير موقف و لوم المطعم على اعداد سيئ جدا للمأكولات، و يتبع هذا الموقف أمرا مريبا أكثر حينما يأخذها من يدها بسرعة ليعرفها على العميد يسري و زوجته، فتتفاجئ بأسلوب زوجته معها لتشعر بأن طبع هذه المرأة لا يناسبها أطلاقا لتكون هذه الحادثة أنذار لمشاكل قادمة في علاقتهم الزوجية.
في حقيقة الامر دخلت منى عالم ذهبي من البرستيج الماسي الذي قد يبهر اي إمرأة في عالمنا المعاصر، فنرى طلبات منزلها مستجابة بطرفة عين من قِبَلْ لفيف يخدم شقة زوجها، فالبواب يجلب لها طلباتها بسرعة من محال البقالة من دون عناء خروجها من المنزل للتبضع كسائر النساء من الطبقات المكافحة، و نرى محلات الخضار تقدم لزوجها احسن الفواكه و الخضار المتوفرة بالسوق بكل وقار و هيبة له، و الجيران يبدأون بالتودد لها بنية إنشاء علاقات اجتماعية معها و مع زوجها، فالعالم كله بالقاهرة أصبح بين يديها بسبب طبيعة عمل زوجها و منصبه الحساس بالأمن المصري…و لكن بالمقابل لا نشعر بأن كل هذا الإحترام و النفوذ الذي اصبح ملكا لها يثير إهتمامها على الإطلاق….فتقابل كل هذا البرستيج بفتور حيث نشعر بأن عالمها مختلف كليا عن النساء اللواتي قد يطلبن كل هذه الأمور في حياتهم…فتبدا منى بالإحساس بالضجر الشديد بسبب عمل زوجها لساعات طويلة بالمكتب و تتحول حياتها الى روتين قاتل رويدا رويدا بسبب مكوثها بالمنزل بمفردها…فهشام لا يختلط إلا بالعائلات التي له مصلحة معها و لا يأبه بتكوين علاقات اجتماعية كثيرا مع الناس لكي لا يحرجه أحدا بطلبات شخصية يستخدم فيها نفوذه و علاقاته…فنراه يتهرب حتى من الإختلاط بالجيران عندما تخبره منى برغبتهم بزيارتهم في المنزل، و لا يقدم يد العون لأحد حتى للمساكين كالبواب الذي قدم ورقة إلتماس لزوجته منى..فنراه يرميها في سلة المهملات بكل قسوة و قلة ضمير…فالمجتمع الذي يريد هشام من زوجته الإنخراط به لا يشد اهتمامها إطلاقا و الجيران التي أحبت منى الإختلاط بهم نرى هشام يتهرب منهم بسبب سُلْطَتُه و نفوذه…بل حتى طلب من منى عدم السماح لهم بزيارتها بالمنزل…و عند هذه الظروف الضاغطة نرى المسافات تكبر بين منى و هشام و نرى التصدع يقوى بعلاقتهم الزوجية… فهشام لا يحرك ساكنا تجاه مكوث زوجته بالمنزل و يطلب منها التحمل لأن هذا هو طبيعة عمله بدل من التضحية قليلا لإسعادها و تمضية القليل من الوقت معها…بل حتى حينما يزف لها خبر خروجهم للترفيه في ذات ليلة نراه لا يكترث لتذمر ليلى من زوجة العميد يسري…بل تتفاجئ منى بأن برنامج السهرة الذي حَضًرَهٌ هشام يتمحور حول زيارتهم للسينما مع عائلة العميد يسري…فتتنبه منى مع مرور الأيام بأن زوجها لا يفكر بها إطلاقا…بل يفكر بكيف سترافقه لإتمام زياراته لأغراض مصالحه الشخصية مع الناس…و هنا مع تكرار المشاحنات بينهم تكتمل الصورة حول هذا الزواج الغير متزن بأن منى عبارة عن غرض جنسي في حياة هشام كإمرأة و ملاذ لحياته العاطفية، و على صعيد اجتماعي هي عبارة عن كُبْري يأخذها معه ليستطيع من خلالها التقرب من العائلات ذات النفوذ و التي ستقدم له الدعم المهني…و عدا عن ذلك مكانها المنزل لتدفن فيه الى حين يحتاج لها لإتمام رغباته و حاجته الإجتماعية كما هو يريد و يخطط…منى تذمرت لهشام مرارا و تكرارا من اسلوبه معها لنراه يبدع بإعطائها وعظات حول توقعاته عنها و حُقَنْ التخدير بأن السبب هو طبيعة عمله…و لكنها شعرت في نهاية المطاف بأنها قطعة اثاث في حياة زوجها لا يشعر بمعاناتها و لا يأبه لمطالبها و لا ينظر لها بأن لها احاسيس و مشاعر إطلاقا…

ما كنت اريد ان اكون قاسيا على هشام ابوالوفا اطلاقا، و لكن كيف لإنسان ان يكره انسان آخر سوى من خلال سوء معاملته للمجتمع من حوله و مع الآخرين.
“يا جبار يا هشام…بل جبروتك و قسوة قلبك على الملاك الذي تزوجته ليس له مثيل على الإطلاق،”
فلا أخفي هنا و انا اناقش جانب غير مضيئ من هذه الشخصية صَدْمَتي العنيفة مما فعل بمنى، فحينما علم انها حامل رأينا الإبتسامة تتراقص في عينيه و شعرنا كم تَلَوًنَ العالم من حوله بأزهى الألوان، فسعادته كانت كبيرة جدا بهذا النبأ، بل حتى اسلوبه اختلف مع زوجته حيث زادت حنيته عليها و اصبحت معاملته معها أحسن من قبل، بل حتى أصبح يجلب لها صينية الطعام الى الفراش بخلاف القسوة التي كان يظهرها ايام قبل نبئ حملها، و في مشهد من مشاهد الفيلم تكلم برجاء كبير أن يولد ابنه و يكبر تحت كنفه و ان يصبح ضابطا مثل أبيه، بل حتى قام بتسميته بأشرف من دون استشارة والدته…قرارات اوحادية الجانب كعادته من دون ن يكون لمنى خاطر كإنسانة في حياته، و حينما سألته عن السبب قال جملة عكسة غطرسته كمسؤل أمني “الضباط هما إلي ابيحكموا العالم امبارح و النهارده او بكره؟!” و لكن مما لا شك به أن بشاعة هذه الشخصية تبلورة بصورة جَلِيًة بموقفين في الفلم. فالأولى حينما تعرضت منى لنزيف شديد في احشاءها كان ثمنه الجنين، فتكسرت أحلام هشام خلال دقائق معدودة حينما سمع الأنباء السيئة من الدكتور الذي أشرف على علاج منى، فجأة رأينا إبتسامته الحنونة التي رافقنه طوال ايام حمل منى تختفي من عينيه، و بعد يومين عاد الى عمله من دون ادنى شفقة على زوجته و حالتها النفسية بعد فقدانها الجنين من أحشاءها، حتى نبرته معها كانت خالية من الشفقة و التفهم فشعرت و كأن في فترى الحمل منى كانت عبارة عن تنكة زيت كان يدللها لكي لا يتلف الزيت (الجنين) في داخلها، و تأكدت من هذا الأمر بصورة واضحة حينما تغيرت معاملته معها بعد أن فقدت الجنين فعاد الى شخصيته المعهودة…

آخر ايام جبروت رجل مهم : لم تكن منى ضخية هشام الوحيدة في الفيلم، فتعذب العديد من البشر بسبب قلة ضميره المهني، هشام يؤمن بأن الجبروت و قَهْر الناس هما احدا السُبُلْ لحكم القاهرة أمنيا، و انعكس هذا الأمر على ادائه المهني بالرغم من مخالفة معاونه الرائد فوزي (أحمد مختار) لقراراته بصورة دائمه، فالرائد فوزي من مدرسة أمنية معتدلة أكثر من هشام ابوالوفا فشعرت و كأنه ضمير هشام الغائب من داخله و الذي يحاول أن يعود اليه من خلال النصائح الدائمة…و لكن من دون فائدة…فكان من ضحاياه بعد زوجته منى :
الكاتب مجدي عزالعرب (محمد درديري) الذي لم يتأنى بتلفيق له تهمة التأمر على مصلحة الوطن و السِلْم الداخلي؟!
((موجز عن انتفاضة الخبز) عدد كبير من مواطنين الشارع المصري في انتفاضة الخبز في يناير عام 1977 حيث عمت القاهرة مظاهرات كبيرة حول قرار نائب رئيس الوزراء عبدالمنعم القيسوني للشؤون المالية و الاقتصادية برفع الدعم عن عدد من السلع الاساسية منها الشاي و الخبز و البنزين…مما دفع الأمن في مصر باعتقال الكثير من المواطنين و السياسين و الفنانين و اعداد كبيرة من ابناء الحزب اليساري على خلفية هذه الأحداث،) و نرى هنا هشام ابوالوفا مع زملائه يقومون بإعتقال المواطنين في الشارع المصري بصورة عشوائية و يلفقون لهم التهم العشوائية…
عزت ابن خالة هشام و الذي قبض عليه مع باقي المتظاهرين في انتفاضة الخبز، فإهمال هشام لشأنه بالرغم من رجاء والدة عزت منه بالتدخل لكي يعود الى المنزل قد يكون سبب في تورطه بهذه القضية الحساسة…
ماجد فريد، طالب زميل لمنى في الجامعة، فحينما يوافق هشام أن تعود زوجته منى الى الجامعة تظن أن هشام فعل هذا حبا بها و استجابة لكثرة تذمرها من الضجر التي تعاني منه بسبب إنشغاله في عمله و بتحقيقات انتفاضة الخبز…و لكن حينما تسرد له انعكاسات الشارع سياسيا على الجامعة و بعض من ما يحصل مع الطلاب يتنبه لإسم ماجد فريد لأنه اقترح زيارة اهالي المقبوض مع عليهم مع زملائه بهذه الإنتفاضة لتشجيعهم، فيتبين بأن هشام كان يستخدم منى كوسيط ليعرف منها اخر المستجدات في الجامعة و الحراك الطلابي اثناء هذه الإنتفاضة…
يبدع مخرج الفيلم بأخذ المشاهدين في هذا العمل الدرامي المميز من اجواء المشاحنات الأسرية بين هشام و منى الى مرحلة انتفاضة الخبز، فيناير من عام 1977 لم يحمل أحداث سارة إطلاقا للقاهرة، فنرى احداث هذا الفيلم الكبير تنتقل بنا الى مشاهد مؤلمة من انتفاضة الخبز حيث عمت الشوارع في القاهرة المظاهرات و أعمال الشغب ضد سياسة رفع الدعم عن السلع الأساسية في الثامن عشر و التاسع عشر من الشهر، فاستنفر الأمن في القاهرة قواه و أُعْلِنَتْ حالة الطوارئ في البلاد مما اضطر هشام للمكوث في مكتبه لبضعة ايام ريثما يُنْهي التحقيق مع من استطاع الأمن إلقاء القبض عليهم من المتظاهرين، و نراه في بعض المشاهد يُقَيِمْ أدلة جنائية ضد بعض مِنْ مَنْ اشتبه بأنهم عناصر رئيسية في تحريك الشارع ضد الدولة، و هنا وَقًعَ هشام من دون أن يعلم على ورقة نهاية خدمته من الأمن المصري حينما زج بمجموعات عشوائية من المتظاهرين في قفص الإتهام ظناً منه أن الأدلة التي قدمها تفي لإدانتهم في المحكمة و تبرئة صفحته امام مرؤسيه في وزارة الداخلية…بأنه قام بعمله على أكمل وجه و قدم من كان مسؤل عن التخريب و التظاهر ضد الدولة في تلك الايام العصيبة من تاريخ مصر…و لكن حدث ما لم يكن يتوقعه؟!

ففي ربيع من عام 1977 تقرر قيادات رفيعة المستوى في وزارة الداخلية المصرية التحقيق ببعض الشكاوي الموجهة لها في اسلوب التحقيقات مع المتظاهرين في يناير من نفس السنة، و يتلقى هشام إنذار حاد اللهجة من مرؤسيه على الإتهامات الموجهة اليه، و على أَثَرِ هذه المستجدات يعطيه العميد يسري إجازة ليومين يقرر فيهما التوجه الى الإسكندرية لقضاء بعض من الوقت مع منى زوجته، و في حقيقة الأمر يبدا مجد هشام و نفوذه بالإنحسار كليا في هذه الاثناء حيث يتلقى أنباء صادمة جدا من العميد يسري حال عودته من إجازته…فيفيده بأن الوزارة قررت إنهاء خدماتهما وسط شعورها بتقسيرات كبيرة منه و تعديات مهنية غير مقبولة منه كضابط للأمن…مما يثير جنونه و غضبه الى حد الجنون، فيجادل يسري بأن أمثالهم من الضباط هُمْ من حموا البلد من الإنهيار وسط هذه الإنتفاضة…و لكن ينصحه يسري بضرورة تقبل الواقع حيث قررت المحكمة الإفراج عن جزء من المتهمين لعدم كفاية الأدلة التي قدمها هشام ضد المقبوض عليهم.

انه دواء مُرْ لهشام تجرعه على ايدي رتب اعلى بالهيبة و المنصب منه…و كأنه عقاب من الزمن على الظُلْم الذي ذاقه الكثيرون على يديه حينما كانت السُلْطَة بين يديه، فتنتهي سنين خدمته بفضيحة في ملفه المهني و في الصحف المصرية، فيفقد هيبته في المجتمع بالرغم من محاولاته الحثيثة لمواصلة بريستيجه امام الناس…فنراه يستأجر سياره مع سائق ليبرهن للناس بأن الوزارة لم تستغني عنه بعد كما تدعي الإشاعات و الصحف…و بأنه مازال ذو أهمية مهنية و بأن مع مرور الوقت سيعود الى خدمته الأمنية كالمعتاد، حتى زوجته لا تعرف عن أمر انتهاء خدمته في البوليس إلا من الجيران…حينما يزوره جاره بحسن نية ليعرض عليه أن يعمل معه بمزرعته…فيثور في وجه جاره و يطلب منه مغادرة منزله و هو بحالة غضب شديدة…و مع مرور مشاهد هذا العمل الكبير يتبين لنا بأن هشام لم يتقبل بتاتا حقيقة فَصْلِهِ عن جهاز الشرطة و بأنه في حالة إنهيار كلي و خطير، فعصبيته مع الناس و المجتمع تعكس مدى غضبه من الداخل على ضياع عمله في الوزارة و برستيجه الذي كان يرعب كل من يعرفه أو يسمع عنه، فنراه يتعارك مع بائع الحضار حينما يعرض عليه بضاعة خارج التسعيرة الرسمية، فيأخذه الى قسم البوليس فيتبين لنا من دخوله التعسفي الى القسم كم أن صدمة فَصْلِهِ مِنْ الخدمة تركت اثار سلبية عليه و اردته غير متقبل لواقعه الجديد…و لا ينجح إلا بإحراج نفسه امام رئيس قسم البوليس حينما يهمله بسبب دخوله التعسفي على مكتبه…و مرة ثانية نراه يتعارك مع البواب حينما لا ينجح بجلب المواد التموينية من الجمعية…فيقوم بالتهجم عليه و يضربه و يتهمه بالسرقة…و لا تتوقف مشاكل هشام و انهياره عند هذا الحد بل تتحول حياته مع زوجته الى جحيم مرير…فعصبيته و المشاكل التي يتسبب بها مع الناس من حوله و تمثيليته بأنه مازال ذو أهمية للوزارة زادت من وتيرة مشاكله مع منى. في حقيقة الأمر لا تنتهي مشاهد هذا الفلم إلا و هشام بإنهيار مرعب و كلي خصوصا حينما يقرأ تطورات القضية في الصحف و القرار النهائي لمحكمة متظاهرين انتفاضة الخبز الذي صدر بعد ثلاثة سنين من فصله عن العمل، حيث يصدر حكم يُفَرِحْ الشارع العام و يبرئ المتهمين و يكذب كل الإدعاءات الأمنية التي قدمها لإدانت المتهمين بقلب نظام الحكم . بهذه الكلمات من المحكمة تنتهي سُمْعَةْ هشام الأمنية، فالكلمات التي قرأتها منى لهشام في المشاهد الأخيرة من الفيلم حين تشاجرت معه لا تقوم بتبرئة المتهمين فحسب بل تشير الى أن التهم التي قام هشام ابوالوفاء بتقديمها لإدانت المتهمين ملفقة و غير مبررة مما تضر بسمعته كثيرا و تنتهي على اثرها اية أمال بالعفو عنه و عودته الى مزاولة العمل الأمني…فترينا المشاهد الأخيرة من الفيلم مشهداً مخيفاً لما وصلت اليه حالة هشام. فحينما يأتي والد منى لأخذها يقف هشام امامه بالمسدس و يغتاله و هو تحت تأثير أنهيار اعصاب كلي بسبب ظروفه النفسية، و من ثم يأخذ روحه و ينتحر بمسدسه…فكلمات قرار المحكمة التي قرأتها منى له كانت مواجهة أثبتت له بأنه انتهى من الوجود مهنيا…لذلك لم يستطيع تحمل ما حمل اليه قدره و العدالة فأخذ روحه…

بعض من الحيثيات عن العمل :
في حقيقة الأمر لا يسعني إلا و أن انوه بأن هذا العمل الذي تم انتاجه سنة 1988مميز جدا لقيمته الدرامية و الفنية و المهنية، فهو كإخراج من صنيع مخرج راقي و محترف لم يقدم إلا قيمته الكبيرة في عمل أُصَنِفَهُ كناقد فني و سينمائي بأنه يستحق عن جدارة جائزة العمل المتكامل، فسيناريو العمل تم معالجته في الفلم بشكل رائع فرأيت شخصيات ابدع الطاقم بتقديمها بقالب أدبي ممتاز…زمن سالف من تاريخ مصر شهد تطورات سياسية خطيرة خلقت شخصيات كهشام ابوالوفا لتحكم الشارع العام بالقوة و الجبروت ظنا منها أنها الطريقة الصائبة بالسيطرة على البلاد، و قدرة الكاتب على خلق ميزان جميل لشخصية هشام بجبروته و استمرارية هذه الصفة به طوال الفلم منذ ايام عزوبيته الى أن تَعَرًفَ على منى و الى زواجه بها، ليقدم لنا ملحمة أدبية عن هذه الشخصية التي لها هيبتها في المجتمع من خلال تأثير هذه الصفة على المجتمع المحيط به و على أسرته، و قسوتها بالتعاطي مع محيطها لتبقى هي القوية و المسطيرة…و حتى بعد انهيارها كيف استطاع الكاتب صياغة مواقف ليبقى هشام في نفس طبعه مع دخوله بحالة الإنهيار، فحافظ على نفس قسوته و عناده حتى حينما اشار اليه المجتمع بأكمله بأنه قد ارتكب الأخطاء الجسيمة في عمله…فكل هذه العوامل غَذًتَ هذا العمل و اعطته صبغة درامية جميلة…و خصوصا مع براءة منى و الصفاء التي تتعاطى به مع هشام و ضغوطات الحياة مما قدم لنا تباين بين الشخصيات رائع جدا جدا…و هذا هو سر نجاح هذا العمل…تنوع في شخصيات الأبطال، فالنقاء في قلب منى كان يكسب شخصيتها تعاطف المشاهدين جميعا بينما كان يُعَظٍمْ من قسوة هشام في العمل و يساهم بتقديمه بالصورة الجبارة التي ارادها مخرج و كاتب العمل…

ألف تحية لكادر هذا العمل الكبير، و لن أقول أكثر بحق المارِدَيْن الذين قدما بطولة هذا العمل…الراحل أحمد زكي (رحمه الله) و الفنانة مرفت أمين، فالعمق الدرامي بهذا العمل و قدرة المخرج الراحل محمد خان (رحمه الله) بمعالجة المشاهد بصورة ناجحة و تقديمها بهذا القالب الدرامي المميز ساعدهم بتقديم هذه الشخصيات بصورة ناجحة جدا. فقدمها المخرج و كانها قطعة من تاريخ مصر الماضي حيث احاط العمل بالمناح السياسي المناسب، و تدرجه بالأحداث بوتيرة و اسلوب مناسب ساعد المشاهدين على الدخول باجوائه الرائعة…طفولة منى و كيف كانت متيمة بأغاني عبدالحليم و كيف كانت تذهب الى السينما خلسة لمشاهدة افلامه…ثم مكبرها و هي مازالت منغمسة حالها حال فتيات المجتمع المصري بالفن الدرامي لعبدالحليم الاصيل…ثم شبابها الذي حمل لها زواج سرقها من الإستقرار الذي كانت تشهده مع أسرتها بسرعة كبيرة لم تستطيع اسرتها مقاومته…و توثيق كل هذه المراحل و مراحل الفيلم بالتواريخ و الأشهر ليشعر المشاهد بأنه يشاهد عمل يمزج بين روح العمل الوثائقي و الدرامي بصورة ناجحة جدا… و اسرة منى و طبيعة عمل والدها كمهندس زراعي و عطائه الوطني للدولة…ثم طبيعة تعاطي هشام الخشنة مع المجتمع و مع أسرته و المشاكل التي شهدها مع زوجته…ثم انتفاضة الخبز الذي زينها المخرج بِصُوَرْ من الأرشيف و تعاطي هشام معها المُتَوَقًعْ بتلفيق التهم التعسفية للمتظاهرين…و عهد انهياره الذي حوله الى رجل مجنون يتخبط بالمجتمع من حوله…و نهايته المأسوية التي كللت هذه الرواية الإجتماعية التراجيدية بعملية قتل لا تَسْتَخِفْ بذكاء المشاهد و لا يتوقعها من يشاهد هذه الرواية إطلاقا…كلها عوامل تم التعاطي معها بأسلوب اخراجي مناسب جدا…من مناخ سياسي و تطور أحداث حبس أنفاسنا كمشاهدين من المشهد الأول الى النهاية…هذا ما أستطيع قوله بحق هذه الرواية التي شعرت و انا اتابعها بالفعل بأنها نموذج العمل المتكامل لهذه الفئة من الافلام…

بقيا أمر أحببت أن أجيب عليه سعادة الفنانة مرفت أمين، فكان لها استفسار حول مشهد من المشاهد الأخيرة التي مثلتهم في هذا الفيلم حيث طلب منها الراحل محمد خان و هي تقاسي الأمَرًيَنْ من التعب على يد زوجها المُرْهَقْ بأخذ وضع الجنين به، و قالت في حلقة من برنامج صاحبة السعادة استضافتها فيها سعادة الفنانة إسعاد يونس و حينما سألتها عن هذا العمل بأنها لغاية هذا اليوم لم تَعْلَمْ لماذا طلب منها الراحل محمد خان أخذ هذه الوضعية بهذا المشهد الدرامي، فأجيب و أقول بعد مشاهدتي لهذا العمل ثلاثة مرات بأن التعب التي شعرت به بطلة العمل مما رأته على يد زوجها جعل المخرج يطلب منها أخذ وضع الجنين، فأثبت علم النفس بأن الإنسان يأخذ هذه الوضعية اثناء نومه بصورة متكرره لأنها تشعره بالآمان الذي أحس به و هو جنين في أحشاء أمه، فيبدو لي بأن الراحل محمد خان كان يعلم هذا الأمر لذا شعر بأنه من المناسب أن تأخذ البطلة هذه الوضعية و هي بقمة آلآمها من معاملة زوجها…و كان البطلة نفسيا بهذه الوضعية تطلب الآمان التي لا تشعر به مع زوجها، أتمنى أن ارى المزيد من هذه الأعمال الغير تجارية من السينما المصرية، و ألف رحمة على روح المخرج محمد خان و الفنان أحمد زكي و أتمنى أن تستفيد السينما المصرية من تجارب المُرًادْ الذين قدموا لنا هذا العمل الكبير،

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.