صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مديونية الأفراد والقرارات العامة

0

قرأت مؤخراً مقالاً لاقتصادي مخضرم يقلل في عمومه من شأن مديونية الأفراد المستحقة على البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية في المملكة، والبالغة حالياً نحو10 مليار دينار أو ما نسبته 69% من دخول الأفراد حسب آخر تقرير للاستقرار المالي 2016 الصادر عن البنك المركزي. لكن، هل من المنطق التقليل من شأن مديونية الأفراد والأسر وانعكاساتها على مستوى المعيشة وعلى أداء النظام الاقتصادي ككل؟ وكيف نقيّم بموضوعية مستوى هذه المديونية بعيداً عن المواقف المسبقة؟
تصاعد الاهتمام الدولي والمحلي بقضية مديونية الأفراد والاسر Household Debt في مختلف الدول، وأضحت هذه المسألة خصوصاً بعد الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية محوراً رئيسياً تدرجه البنوك المركزية والسلطات النقدية في تقاريرها حول الاستقرار المالي الشامل.
وقد قرأت مؤخراً مقالاً لاقتصادي مخضرم يقلل في العموم من شأن مديونية الأفراد والاسر على البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية في المملكة، والبالغة حالياً نحو10 مليار دينار أو ما نسبته 69% من دخول الأفراد (مقاسة بمسح دخل ونفقات الاسرة وليس بالناتج المحلي الاجمالي). حدث هذا التقليل من شأن مديونية الأفراد رغم ان التقرير الرسمي للبنك المركزي وصفها بأنها “ما زالت مرتفعة نسبياً” (صفحة5 من التقرير)، وان لارتفاع هذه النسبة “آثار سلبية على قدرة الأفراد على الإنفاق والادخار والوفاء بالتزاماتهم تجاه البنوك” (صفحة 10).
الحجج التي اوردها المقال قيد النقاش للتقليل من أهمية مديونية الأفراد هي عموماً حججاً غير حاسمة وقابلة للتفنيد، والأهم ان المقال يتجاهل العديد من المعايير الموضوعية لتقييم مديونية الأفراد، مما يفسح المجال لصحة الرأي الآخر القائل بضرورة متابعة مديونية الأفراد والاسر وغيرها من الاحصاءات الاقتصادية والاجتماعية والقضائية عند اصدار التشريعات واتخاذ القرارات المالية العامة.
بداية، ليس من المنطق الحاسم السعي للتهوين من حجم ومخاطر المديونية الشخصية للافراد بالقول انها لن تسدد في سنة واحدة، فهذا الجدل الصحيح ينطبق أيضاً على المديونية العامة التي لن تسدد بالتأكيد من خلال موازنة واحدة أو اقتراض سنة واحدة، وانما في أحيان من خلال اقتراض خارجي ميسر وطويل الأجل.
ثانياً: المقال ينوه صائباً الى أهمية الأخذ بالاعتبار ودائع الأفراد عند تقييم مديونية الأفراد للحصول على مؤشر “صافي المديونية”. لكن هذا الجدل يصح وينطبق أيضاً على المديونية العامة. وللعلم، تبلغ نسبة المديونية العامة الى الناتج المحلي الاجمالي 89% فقط مقاسة بصافي الدين العام (بعد الأخذ بالحسبان ودائع الحكومة) وليس 95% كما هو دارج. كما تجدر الاشارة الى ان نسبة مديونية الافراد في الاردن الى صافي ثروتهم (بما فيها الودائع) تتزايد أيضاً منذ عام 2012 حسب تقرير الاستقرار المالي سابق الذكر.
ثالثاً: من المفيد التنويه بأن مديونية الأفراد جلها لأغراض استهلاكية وليست استثمارية ودليل ذلك هيمنة الاقتراض لغايات العقار (السكن) والنقل (السيارات) والسلف الشخصية والاستهلاكية على هذه المديونية (صفحة 30 من تقرير الاستقرار المالي للاردن).
رابعاً: تتمثل معايير التقييم الأكثر موضوعية لحجم مديونية الأفراد في ثلاثة معايير هي: رأي الجهة الفنية المختصة -كما يعكسه تقرير الاستقرار المالي- وأيضاً المقارنات الدولية ذات الدلالة وأخيراً المقارنات التاريخية مع الماضي.
أما بخصوص المقارنات الدولية الملائمة، فهي تكون مع اقتصادات شبيهة بالاردن من حيث الحجم ومستوى الدخل والتطور المالي، لكن عموماً في الدول النامية الأقل دخلاً فان مديونية الأفراد تكون عادة أقل. اذ يشير تقرير الاستقرار المالي العالمي GLOBAL FINANCIAL STABILITY REPORT الصادر هذا العام عن صندوق النقد الدولي الى ان نسبة مديونية القطاع العائلي (الأفراد والاسر) الى الناتج المحلي الاجمالي الأسمي قد بلغت في المتوسط 21 % في الاقتصادات الناشئة و63% في الدول المتقدمة. هذا يمكن مقارنته بنسبة 35% في حالة الاردن في عام 2016. ولا حاجة للتعليق المطول على هذه النسبة العالية نسبياً للمملكة بهذا المعيار بالمقارنة مع الاقتصادات الناشئة.
وباستخدام المقارنات التاريخية، فان مديونية الأفراد هي كذلك في تزايد مضطرد، كما هو الحال مع الاقتصادات الناشئة الأخرى، اذ ارتفعت في حالة الاردن من 54% من اجمالي دخل الأفراد (مقاساً بمسح نفقات ودخل الاسرة) في نهاية عام 2010 الى 69% في نهاية عام 2016.
ليس المقصود أبداً من هذا المقال التقليل من شأن وأهمية وضرورة التعامل مع تحدي المديونية العامة، لكن الاحصاءات حول المديونية الشخصية للأفراد أعلاه تظهر أهمية البحث عن خيارات السياسة الاقتصادية والمالية التي تخفض من مشكلة مديونية المملكة بشقيها العامة والخاصة. فالتحدي الأساسي هو كيفية الجمع بين النمو السريع والاستدامة المالية في الأجل المتوسط والطويل. فاذا تمكنا هذا العام من ازالة الدعم عما تبقى من سلع ومواد أساسية وتم تعديل قانون وشرائح ضريبة الدخل والمبيعات، فماذا سنفعل في موازنة العام القادم؟
الحل الأساسي والمستدام هو في تسريع وتيرة النمو الاقتصادي وتكبير الكعكة الاقتصادية بدلاً من اعادة توزيعها- كما سبق وأشرت في مقال موسع في جريدة الغد الغراء. فهذا الحل يأخذ بالاعتبار تحديات وتعقيد الواقع الاقتصادي الراهن، كتفاقم الدين العام والخاص، وتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي (يصنف الاردن مؤخراً ضمن فئة الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى حسب تصنيف البنك الدولي)، وارتفاع معدلات البطالة والجريمة ووتيرة تصفية الشركات وتدني دخلها الخاضع للضريبة، وارتفاع قيمة الشيكات المرتجعة وأعداد المطلوبين للتنفيذ القضائي بسبب عدم سداد ديون البنوك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.