صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تحديد الأولويات الاقتصادية في ظروف استثنائية

تحديد الأولويات الاقتصادية هي من أهم المهام الاستراتيجية التي ينبغي ان يخصص لها “الفريق الاقتصادي” أو “العقل الاقتصادي المركزي” ما تتطلبه من موارد بشرية مؤهلة وامكانات مالية وتحليلية وفيرة. وتحديد الأولويات أو خارطة الطريق الصائبة هي مهمة صعبة ولا يمكن استيرادها أو استنساخها من الخارج، لان لكل مكان وزمان أولوياته المتميزة، فما ينجح في دولة محددة أو في مرحلة اقتصادية معينة يمكن أن لا ينجح في دولة أو مرحلة أخرى متباينة في خصوصياتها وظروفها. اذ لا وجود لوصفات اقتصادية عالمية أو مطلقة أو دائمة.

غياب الأولويات السديدة يعني الفرق الشاسع بين القيام بالشيء الصحيحDoing the Right Thing وبين القيام بالشيء بالطريقة الصحيحة Doing the Thing Right. الأول يتعلق بالأهداف والغايات، والثاني يتعلق بالوسائل والأدوات. ولاشك بأن اختيار الغاية المثلى أهم بكثير من اختيار الوسيلة الأفضل لتحقيق أية غاية.

فمثلاً، هل نعطي الأولوية للنمو والانتعاش الاقتصادي أم للتوازن المالي والنقدي؟ هذا سؤال معقد وهام على “العقل الاقتصادي المركزي”، لكن الأجابة تصبح أسهل من خلال اعادة تشكيل السؤال: كيف ندعم كل من النمو الاقتصادي والاستقرار المالي والنقدي في آن واحد.

الأدبيات الاقتصادية الحديثة جداً بعد الأزمة المالية والاقتصادية العالمية أصبحت تركز على هذه القضية وتتحدث أيضاً عن امكانية الجمع بين سياسات النمو وسياسات الاستدامة المالية، وتتطرق باسهاب الى التقشف العقيم Self-Defeating Austerity، اي السياسات المالية التقشفية التي لا تولد النتائج المتوخاة .

مثال ثان مأخوذ من مقال الكاتب السابق حول “أيهما أولى بترويج الصادرات: كندا أم كينيا؟”، فان برامج ترويج الصادرات التي تولد 200 مليون دولار سنوياً صادرات اضافية من دولتين غنيتين هي أولى بالتنفيذ من البرامج التي تدر ايرادات اجمالية بواقع 60 مليون دولار من 6 دول فقيرة وغير مستقرة.

وتحديد الأولويات الصائبة يتطلب خبرات طويلة وتراكمية، وحكمة فردية وجماعية، وادارة مركزية للملف الاقتصادي كي لا يتم اعادة اختراع العجلة، أو تصر مؤسساتنا على نهج “العمل كالمعتاد” في ظل ظروف متباينة بوضوح بسبب الشلل أو القصور المؤسسي الذاتي. وتحديد الأولويات يتطلب رؤية وطنية ولا يتطلب بالضرورة خدمات استشارية أجنبية. وتحديد الأولويات يحتاج أيضاً الى ادارة مرنة ومنفتحة، سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص (ممثلي كافة القطاعات الاقتصادية كغرف الصناعة والتجارة).

العديد من المدراء العامون عندنا للأسف ماهرون في انجاز المهام الادارية الروتينية لكن هم أبعد عن الرؤية والتوجهات الاستراتيجية على الصعيد المؤسسي والوطني، وبالتالي عادة ما يكتفي هؤلاء بادارة الازمات وباتجاه الأهداف والأولويات الخاطئة في الأجل المتوسط والطويل! وهم بسلوكهم الروتيني هذا أقرب الى ما يسميه الاقتصاديون بالمسار المعتمد على الماضي Path Dependence، حيث التاريخ مهيمن والروتين أصيل والابداع قليل.

الاستبصار والرؤية الوطنية المستقبلية الثاقبة تأتي عادة حصيلة للتشاور والتنسيق المؤسسي، ونتيجة لتوطين الذات على الاستقامة والصواب، بعيداً عن الانتهازية والمكاسب الشخصية قصيرة الأجل والمردود. فمن خلال الاستقامة، يتم الاعتراف بأخطاء الماضي وتصويبها نحو مستقبل أفضل.

بعد كل هذه الدعائم المؤسسية الرئيسية، يأتي دور علم الاقتصاد  في توفير بعض الأدوات “الفنية” التي تساعد في الاختيار الأفضل للمسارات الاقتصادية المستدامة.

فمثلاً يمكن من خلال نماذج المحاكاة، معرفة التداعيات المباشرة وغير المباشرة للاجراءات النقدية والمالية على الاقتصاد الوطني، بما فيها تدابير رفع أسعار الفوائد ومعدلات الضريبة على القطاعين العائلي والأعمال وانعكاساتها على مالية القطاع العام.

ويمكن أيضاً استغلال خارطة امكانيات التصدير Export Potential Map المبتكرة من قبل مركز التجارة الدولية ITC لاختيار القطاعات والاسواق التصديرية الواعدة التي تستحق الدعم الحكومي المشروط والمؤقت.

 

التعليقات مغلقة.