صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تقديس المبدأ بين سقراط وصدام حسين . . !

في كتابه ” المقاومة في الفكر السياسي من النظرية إلى التطبيق ” يقول الدكتور الجزائري محمد ممدوح عن الفيلسوف اليوناني سقراط ( 469 ق.م – 399 ق.م ) ما يلي واقتبس :

” كان لليونانيين أسطول بحري قوي، حقق النصر على الفرس في معركة سلاميس البحرية التي يرجع الفضل إليها في قيام قائمة اليونان. وحدث أن قامت عاصفة شديدة في عام 406 ق.م ، مما أدى إلى غرق الأسطول بأمهر الجنود وأفضل الضباط. وأرادت الحكومة الديمقراطية أن تحاكم القادة العشر الذين قادوا الأسطول، ليس لأن الأسطول غرق، ولكن لأنهم تركوا الجثث ولم يرجعوا بها إلى بلادهم.

وأجمع الشعب على محاكمة هؤلاء القادة إلا سقراط، فقد عدّ هذه المحاكمة غير قانونية، رغم ما في هذا الرفض من صعوبة عليه، حيث هدده الخطباء ونددوا به. إلا أنه ظل ثابتا راسخا لا يريد الإفتاءات على القانون، وفي ذلك يقول : ( إنني لم اشغل منصبا إلا مرة واحدة عضوا في مجلس الدولة، وكنت رئيسا للمجلس عند محاكمة القواد الذين لم ينقذوا جثث القتلى بعد موقعة أوجنيس، رأيتم أن تحاكموهم جميعا، وكان ذلك منافيا للقانون كما أدركتم ذلك جميعا فيما بعد.

ولكني كنت إذ ذاك وحدي بين أهل برتيان، أعارض الإفتاءات على القانون، وأعلنت رأيي مخالفا لكم، ولما تهددني الخطباء بالحبس والطرد، وصحتم جميعا في وجهي، آثرت أن أتعرض للخطر مدافعا عن القانون والعدل، على أن أساهم في الظلم خشية السجن أو الموت ). . . لذا يحسب جمع من المؤرخين لسقراط تقديسه للقانون، وحفاظه عليه، والتزامه بأحكامه، أثناء رئاسته للجمعية الشعبية، فهذا ولا شك أداء للواجب وصيانة للأمانة.

بعد أن حُكم على سقراط بالموت، كان عليه أن ينتظر في سجنه طيلة الشهر الحرام، الذي حُرّم فيه القتل أو الحرب، ولما اقترب الزمن على الانقضاء، إذا بأقريطون صديق سقراط يأتي إليه في السجن باكرا، ليخبره بأن السفينة أقلعت من صونيوم، وهذا يعني دنو الأجل. لذلك جاء أقريطون ليحمل سقراط على الهرب من السجن مهيئا له الأسباب كلها. فواجب سقراط أن يفكر في أبنائه وفي نفسه وفي العدالة الحقيقية، حيث أنه قد ظُلم، وألا يعطي فرصة لأعدائه، كي يقضوا على مسيرة كفاحه ومستقبل أبنائه.

كذلك فإن موقف أصدقائه سيكون عارا أمام الناس، وإذ سيُتهمون بالبخل وبعدم الوقوف بجوار صاحبهم. لذلك حاول أقريطون بكل السبل إقناع سقراط قائلا له : سيزعم من لا يعرفك ولا يعرفني من الناس، أني كنت أستطيع لك النجاة لو أنني رغبت في بذل المال، ولكني لم اعبأ بك. أفيمكن أن يكون بعد هذا العار عار، أن يُقال أني آثرت المال على حياة صديق ؟ . . . 

وكان من عادة المتهمين بالفساد في الدولة، والذين سيُحكم عليهم بالإعدام أو بالعقوبة المشدّدة، بأن يأخذ زوجته وأبناءه معه إلى المحكمة، ليستجدوا عطف القضاء، مما قد يكون سببا في تخفيف الحكم. لكن سقراط رفض القيام بمثل هذا الموقف صيانة لكرامته، وحفظا للقانون عن أن يُلوث بسبب العيون 

الباكية التي تستجدي الرحمة، فيقول لهيئة المحكمة : إنني رجل لي أسرة ولي أبناء عدادهم أيها الأثينيون ثلاثة، بلغ أخدهم الصبا وما زال الآخرون طفلين، ومع ذلك فلن أسوق إليكم أحدا منهم يستجديكم براءتي.

إنها روعة وعظمة سقراط، رجل يُدان ظلما، ويُحاكم زورا، ويُعدم تعسفا، ويرضخ لأوامر القانون، ينحي مشاعره جانبا وهو أب لطفلين صغيرين ، ويراهم مع أمهما أمام عينيه ولا يحيد عن مبدئه، لا يرضخ للعواطف والمشاعر، بل فضّل الرضوخ للظلم طاعة للقوانين، على الرضوخ للغريزة الأبوية طاعة للمشاعر السامية. نعم إنه بعد أن اغتسل، وجاءه طفليه قبل شرب السم بلحظات، نظر إليهما وأوصى نساء عائلته ببعض نصحه على مسمع من أقريطون، ثم صرفهن في هدوء التزاما لأمر القانون . . .

وشرب سقراط السم في هدوء وطمأنينة، ثم أخذ يتمشى حتى إذا أحس بثقل قدميه، استلقى على الأرض كما أوصاه السجان، وأخذت البرودة تسري في جسمه من أسفل إلى أعلى، إلى أن أسلم الروح، وارتجف رجفة قوية، فأطبق أقريطون فمه وعينيه “. انتهى الاقتباس. 

* * *

* التعليق : 

1. لقد كان سقراط في طليعة المفكرين اليونانيين، الذين يبحثون عن الاستقرار السياسي، ومقاومة الحكومات الفاسدة في بلاده. لقد كان وطنيا صادقا ومخلصا وجنديا باسلا، شارك في ثلاث حملات عسكرية بين عامي (432 ق. م و 422 ق. م ) وأثبت فيها شجاعته وصدقه في الدفاع عن بلاده. 

2. يذكرنا هذا الموقف لسقراط بموقف الزعيم الراحل صدام حسين، عندما اقتاده الخونة إلى المشنقة في صبيحة يوم عيد الأضحى الموافق 30 كانون أول 2006 وهو هادئا رابط الجأش ويردد : ” الله أكبر، نحن في الجنة وأعداؤنا في النار، عاش المجاهدون، عاشت الأمة وفلسطين عربية، ويسقط الأمريكان ويسقط الفرس “. 

3. ولكن مع الأسف الشديد . . سقطت الأمة العربية، عندما إحكام حبل المشنقة على عنق صدام في يوم عيد الله الأكبر، بينما زعماء الأمة العربية في ذلك الزمان، كانوا يستمتعون بمشاهدة هذا الفلم التاريخي، من خلال الفضائيات مباشرة بسرور بالغ، ولكنهم دفعوا ثمنا غاليا لخيانتهم وتواطئهم مع الأجانب في وقت لاحق. ولا يسعنا في هذا اليوم الذي نفتقد به ذلك القائد الوطني المقدام إلا القول : رحم الله زعيم الأمة الشهيد صدام حسين وأسكنه فسيح جناته.

التعليقات مغلقة.