صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الأهمية الاقتصادية للشركات الاستراتيجية.. المصفاة مثالا

نتفهم جيدا عقلية الحكومة التي دعمت الملكية الأردنية ب100 مليون دينار في عام 2017 ومثلها سيكون خلال العامين المقبلين، على الرغم من كونها شركة والحكومة مساهم بها مثل غيرها من المستثمرين.

فالحكومة ترى في الملكية جزءا مهما من تاريخ الدولة ومسيرتها التقدمية، وبالتالي لا بد من استمرار عملها حتى ولو اضطرت الدولة لأن تقدم للشركة دعما من الخزينة كما فعلت حاليا، وهذا أمر خاضع للنقاش وللاختلاف أيضا.

مصفاة البترول الأردنية هي جزء أساسي من تاريخ الدولة، وركن مهم من أركان التنمية الاقتصادية على مدى ستة عقود، لعبت دورا اقتصاديا استراتيجيا بالغ الأهمية في العملية التنموية والاقتصادية والاجتماعية الوطنية.

فمعايير الحكومة في دعم الشركات يجب أن لا تتعارض مع بعضها البعض، ويجب أن تخلو من الازدواجية، فمعايير الدعم التي تقدمت بها للملكية يجب أن لا تتجاوز نظرة الحكومة لشركة مصفاة البترول الأردنية التي وردت للخزينة في السنوات الثلاث الماضية ما يقارب ال450 مليون دينار كرسوم أارباح وضرائب مختلفة، ما يجعلها في الصفوف الأولى من بين الشركات الداعمة للخزينة.

المصفاة اليوم مقبلة على خطوة استراتيجية مهمة للاقتصاد الوطني تتمثل في مشروع التوسعة الرابع والذي تقدر كلفته ما بين 0.8-1.2 مليار دينار، والذي يجب على الحكومة أن تنظر بمرونة حيوية عالية على هذه المشروع وذلك من خلال توفير كافة وسائل الدعم لتنفيذه بالشكل المطلوب والمستهدف، والذي يحقق الغاية الاقتصادية الكاملة لاحتياجات المملكة من المحروقات بدلا من إنشاء مصفاة جديدة قيمتها لن تقل عن 4 مليار دينار، الأمر الذي يؤكد أن خيار التوسعة هو الخيار المجدي من الناحية الاقتصادية للمملكة.

يقدر البعض حجم الخسارة على الاقتصاد الوطني من توقف عمل المصفاة في حال عدم إبرام تفاهمات جدية مع الحكومة يمكنها من السير بالمشروع ما يقارب ال 3 مليار دينار، إذ إن هذا المبلغ يمثل الفرصة المتاحة لتوسعة شركة مصفاة البترول الأردنية مقارنة بكلفة إنشاء مصفاة جديدة. 

وفي ذات السياق، فإن قيمة استبدال الأصول الخاصة ببند نشاط التكرير من معدات وأراض تقدر بما قيمته 1.5 مليار دينار، وأن أي توقف لنشاط المصفاة يعني بشكل رئيس فقدان هذه الأصول لمعظم قيمتها ما يعني خسائراً كبيرة على المستوى الوطني.

التحديات أمام مشروع التوسعة تتمثل في عدم توفير التمويل اللازم، إذ تحجم الجهات المقرضة عن توفير الدعم المالي للمصفاة نتيجة تجاوزها حد الإقراض المسموح به، ويعود جزء كبير من المبالغ التي تقترضها المصفاة بسبب تأخر تسديد المبالغ المترتبة على الحكومة والمؤسسات التابعة لها، إذ إنه حاليا يُقدّر هذا المبلغ بحوالي 500 مليون دينار، كما أن الشركة لا تتوانى في إمداد جميع الأجهزة والمؤسسات باحتياجاتها من المواد النفطية دون كلل أو تأخر حتى في ظل تزايد مديونية هذه الجهات تجاه شركة مصفاة البترول الأردنية مثبتةً أنها إحدى الشركات الوطنية التي تقدم المصلحة الوطنية على المصالح الربحية.

وحتى إن استطاعت شركة مصفاة البترول الأردنية العمل على إنجاز مشروع التوسعة من خلال استقطاب مستثمر خارجي وليس من خلال التمويل الذاتي الذي يتعذر تطبيقه كخيار في ظل تنامي مديونية مختلف الجهات الحكومية تجاه الشركة فإن المستثمر الخارجي المنفذ لأي مشروع من المشاريع الكبرى على مستوى الدولة يتطلب تأكيدات حكومية تضمن له عائداً جيداً على استثماره، وفي هذا الصدد فإن الشركة تسعى جاهدة وبالتعاون مع مختلف الجهات الرسمية إلى إعادة تبويب علاقتها مع مؤسسات الدولة بحيث يتم تثبيت مديونيتها ضمن جدول سداد ومدى محدد يساهم إيجابا في تعزيز ملاءتها المالية أمام الجهات المالية الممولة .

أما بخصوص الأقاويل التي تتردد بأن المصفاة مكلفة اقتصاديا على الوطن والمواطن، في حين هناك من يعتقد أن تحرير سوق المنتجات النفطية سيكون له انعكاسات إيجابية من حيث توفير منتج عالِ الجودة وبسعر أقل ما ينعكس إيجابا على المواطن وعلى الإنتاج من حيث تقليل الكلف وتخفيف الأثر البيئي، فإن ذلك يدحضه العديد من المختصين في القطاع، وتشير بعض الدراسات إلى أن كلفة شراء اللتر الواحد من الديزل أو البنزين بصنفيه المكرر من المصفاة، أقل من كلفة استيراده من المورد مباشرة، وعلى المستوى الوطني فإن مجموع الوفر المتحقق من تكرير مختلف المشتقات النفطية بدلاً من استيرادها يبلغ حوالي 100 مليون دينار سنوياً حيث من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى ما يزيد على 250 مليون دينار سنوياً بعد مشروع توسعة المصفاة، الأمر الذي يعطي وفرا للمواطن ويقلل من كلف النقل والإنتاج لمختلف الصناعات والخدمات وينعكس إيجابياً على تنافسيتها. 

كما يجب التأكيد على أن المصفاة استطاعت تحسين مواصفات إنتاجها حيث أن منتجاتها اليوم باتت خالية من الرصاص، في حين أن المواصفة المنتجة لمادة الديزل تضاهي المواصفة المعتمدة في بعض من الدول العربية وسوف يضمن مشروع التوسعة الرابع إنتاج مشتقات نظيفة بجودة تضاهي أي مصفاة في العالم. 

وفي حال تم افتتاح وتشغيل خط أنبوب النفط العراقي للمملكة، فهذا الانبوب لن تستطيع الاستفادة منه في المملكة سوى شركة مصفاة البترول، جنبا الى جنب فإن تكرير النفط العراقي الخام لغايات الاستهلاك المحلي أو لغايات إعادة تصديره سينعكس بشكل مباشر على زيادة في إنتاجية الاقتصاد الوطني.

مما لا شك فيه أن الجدوى الاقتصادية من مشروع التوسعة محسومة لصالح شركة مصفاة البترول الأردنية، كما أن استمرار الشركة في نشاط التكرير يعني تكلفة اقتصادية أقل على الوطن والمواطن، وتحقيقاً لمستوى أعلى من أمن التزود بالطاقة على أسس وطنية أولاً ثم أسس ربحية فلطالما تحملت هذه الشركة مسؤوليتها تجاه الوطن حتى وإن كان على حساب خططها ومشاريعها ولا شك أن أي صانع قرار سيثمن هذه التضحيات وسيوفر السبل المناسبة من أجل بقاء واستمرار هذه الشركة. 

[email protected]

التعليقات مغلقة.