صحيفة الكترونية اردنية شاملة

د. علي عتيقة: النفط قد يستعمل للخير والشر

تطرق الكاتب يوسف عبدالله محمود في مقال نشر في يومية “الرأي”، اليوم السبت، إلى نظرة الدكتور علي عتيقة بشأن فصل الاقتصاد عن السياسة في البلاد النامية بعنوان ” د. علي عتيقة: النفط قد يستعمل للخير والشر”

وتاليا نص المقال” 

«إن فصل الاقتصاد عن السياسة في البلاد النامية غير علمي وغير منطقي» د. علي عتيقة

الدكتور علي عتيقة –رحمه االله- مفكر وخبير اقتصادي كبير شغل مناصب رفيعة في بلاده ليبيا والأمم المتحدة ثم أميناً عاماً لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول وأخيراً أميناً عاماً لمنتدى الفكر العربي في عمان.

معظم كتاباته انصبت على «النفط والمصالح العربية» أيماناً منه أن هذه «الثروة» يمكن ان تكون عاملاً اساسياً في التعاون العربي، اذا توفرت الارادة السياسية التي تحسن استثمارها على نحو يتخطى «القُطرية» ليشمل الوطن العربي كله.

في كتابه «النفط والمصالح العربية» الصادر في الكويت يقول هذا الخبير الاقتصادي «ان النفط مجرد ثروة وسلاح يمكن استعماله للخير أو الشر. من هذه الزاوية اعتقد ان مستقبل النفط والتعاون العربي يمكن ان يكون مستقبلاً جيداً، ويمكن ان يكون لا سمح االله عكس ذلك». 

ويستدرك د. عتيقة –رحمه االله- قائلاً: «وهذا يعتمد على كيفية تعامل الدول العربية فيما بينها لا على مستوى القمة فحسب، بل على مستوى القاعدة كذلك. (ص 370)

وهنا نراه يشير الى الواقع الحالي الذي تعيشه الاقطار العربية، وهو واقع لا يسرّ، يشير الى «التعقيدات الشديدة التي تسود العلاقات العربية/العربية، فالمواطن العربي في تحركاته عبر الحدود في الوطن العربي وكذلك في عمله وإقامته يخضع لتعقيدات شديدة، ناهيك عن ان المال العربي واستثماره ليسا افضل من ذلك.

وللتدليل على ذلك يقول «فالشركة المشتركة، وهي مملوكة للحكومات مئة بالمئة، تعتبر أجنبية اذا ارادت الاستثمار في احد أقطار الأعضاء». ويتساءل مستغرباً: «كيف يمكن والحالة هذه ان يكون مصير الاستثمار الخاص؟».

يلوم د. عتيقة «الارادة السياسية العربية» التي لم ترتق بعد الى طموحات الشعوب العربية. وكأن به يقرأ المستقبل العربي حين يشير الى ان استمرار هذا الواقع الشاذ «قد يلاشي المجهودات المشتركة لتحل محلها مجهودات قُطرية مُشتتة، وقد يصبح الوطن العربي اضعف مما هو الآن، وتتمكن المصالح الاجنبية منا اكثر مما هي متمكنة في الوقت الحاضر». (المرجع السابق ص 370).

اتساءل هنا: أليست هذه القراءة العميقة تفضح «العوار» العربي الراهن ومع ذلك فهو يُصرّ على أن يرى «الجانب المضيء» حتى لا يبدو متشائماً كشأنه دوماً.

وحول كون النفط أداة فعالة للتنمية القطرية يُعلق د. عتيقة قائلاً: « ولكن ما لم تأت هذه التنمية في إطار وفي مناخ مشترك تستفيد منه الكيانات المشتركة فقد يكون هباءً. إن الارداة العربية وليس النفط هي الأساس». (ص 373)

ولضمان نجاح عملية التكامل الاقتصادي عربياً يقول د. عتيقة: «لضمان نجاح عملية التكامل الاقتصادي يجب الا يتضرر أي قطر عربي بصورة منفردة من جراء التكامل».

وحتى لا يحدث مثل هذا التضرر الذي حذر منه هذا الخبير الاقتصادي لا بد من وضع استراتيجية عربية تتفق عليها جميع الأطراف العربية. استراتيجية تقضي على «التجزئة السياسية والتخلف الاقتصادي والاجتماعي».

يدعو د. علي عتيقة الى ان يغدو النفط العربي «عامل توحيد وتجميع اكثر مما هو عامل تفرقة». آمال عراض توقعها هذا الراحل الكبير في هذا المجال، إلا ان ما نعيشه اليوم كعرب قد ضاعف من التشتت والتجزئة وبروز سياسة «المحاور» التي لا تخدم اي توجه قومي وعروبي.

كان د. عتيقة واقعياً حين قال: «بقدر ما ننجح في تغليب الجوانب الايجابية على الجوانب السلبية، فإن النفط سيكون ايجابياً واذا لم ننجح في ذلك فإن الآثار السلبية ستستمر قطعاً الى ان نضب النفط». (المرجع السابق ص 97)

وفي إشارة منه تربط بين التجزئة السياسية والغزو الخارجي يقول: «بالقدر الذي د. علي عتیقة: النفط قد یستعمل للخیر أو الشر نستيطع فيه التغلب على عوامل التشتت الاقتصادي والغزو الخارجي والتسلط الاجنبي، نستطيع ان نتغلب على النواحي السلبية». (ص 97)

يمكن للنفط ان يُستعمل للخير أو للشر -كما أشار- وذلك يعتمد على الإرادة السياسية للأنظمة الحاكمة. يمكن لعائداته ان توظف في مجالات التنمية القومية، كما يمكن ان تهدر هذه العائدات في غير صالح البشرية والشرط الإنساني للحياة.

كان للراحل د. عتيقة رؤية صائبة حين اعتبر النفط سلعة استراتيجية يكون لها دور في الحرب والسلم. ومع الاسف –وكما اشار في حوار أُجري معه قبل رحيله- «بأن هذه السلعة لم تستخدم لدينا على الوجه الأمثل. (الحوار منشور في كتاب «مرايا في الفكر المعاصر، ص 131 ،وزارة الثقافة، عمان)

وفي هذا السياق يقول رحمه االله: «إن من يريد استعمال الثروة النفطية كسلعة استراتيجية عليه ان يكون قادراً على الدفاع عنها، وهذا الدفاع لا يتأتى الا بقوة عسكرية موحدة.

ان النفط ثروة ثمينة، لكنها تتطلب مقدرة عسكرية، ومع الاسف فنحن نرى مقدرتنا العسكرية تتجه نحو امور اخرى».

كأني بهذا الخبير الاقتصادي كان يستشرف ما ستؤول اليه حالة الوطن العربي في اللحظة الحاضرة، حيث الخلاقات العربية/ العربية على أشدها، بينما أعداء امتنا في غبطة ما بعدها غبطة.

تُرى متى تنتهي هذه الخلافات التي حذّر منها هذا المفكر الراحل؟ 

متى ندرك أن أي ازدهار عربي «يتوقف على عنصر التكامل والتعاون بين البلدان العربية»؟

متى يرتقي حسُّنا الأخلاقي فلا يظل «التضامن العربي» مجرد «شقشقة لسان»؟

متى يغدو هذا التضامن حقيقة واقعة لا مجرد ديباجة خطب فحسب

التعليقات مغلقة.