صحيفة الكترونية اردنية شاملة

التهرب الضريبي.. أسبابه ومعالجته

0

دقت الدراسة العلمية، التي أعدها الخبير الاقتصادي الدكتور معن النسور حول التهرب الضريبي في المملكة، ناقوس الخطر؛ فقد تمكنت من وضع تصور شامل لهذه الظاهرة المخلة بالقوانين، مع شمولها برؤية الحل والمعالجة لأسبابها والحد منها.
الدراسة، التي تبناها المجلس الاقتصادي ورعى إشهارها في حفل رسمي حضره رئيس الوزراء وباقي اعضاء الحكومة ونخبة رجال الاعمال، تشخص الواقع الضريبي في المملكة، وتكشف عن قضايا رئيسية لم تكن بحسبان المشرع أو حتى المنفذ للسياسة الرسمية، وخرجت بنقاط مضيئة تستحق تبنيها وتنفيذ توصياتها.
العرض، الذي قدمه معد الدراسة الدكتور معن النسور، كشفت أن اقتصاد الظل أو الاقتصاد غير الرسمي الذي لا يخضع للعملية الضريبة تتجاوز نسبته الـ20 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي، وحجمه الاجمالي بالأرقام المطلقة يزيد عن خمسة مليارات دينار، وهو حجم كبير جدا سواء من حيث النسب أو بالأرقام المطلقة.
البعض كان يعتقد أن الاقتصاد الرسمي يتعلق فقط بعمليات التهرب الضريبي أو أعمال التجارة تحديدا، لكن الدراسة اشارت بوضوح الى انشطة بعيدة عن العملية الضريبية، وهو ما يدلل على وجود ثغرات قانونية تحتاج الى تعديلات جوهرية في قانون الضريبة ليشمل تلك الاعمال التي لا تزال خارج إطار التحصيل الضريبي.
الدراسة تكشف عن حقيقة مؤلمة وهي أن العبء الضريبي على المواطن الاردني والكلف بشكل عام سواء أكان فردا أم مؤسسة هو كبير مقارنة بما تتحمله الجهات نفسها في دول المنطقة الاخرى، فمتوسط العبء الضريبي في الأردن يبلغ 25 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2011، وهو أعلى بكثير من نظيره في دول الجوار وحتى في الدول الغنية، وهنا تؤكد الدراسة بشكل غير مباشر أن المكلف الضريبي في الاردن كان الشماعة الاكثر تحملا من أي جهة كانت في معالجات تراجع الايرادات وتنامي العجز والانفاق الحكومي، فجيوب المكلفين هي من أنقذت خزينة الدولة من النفق المظلم، الذي وضعته لها السياسات الاقتصادية الرسمية غير الرشيدة في كثير من الأحيان.
الدكتور معن النسور قدم تحليلا معمقا في الدراسة لظاهرة التهرب الضريبي في المملكة، وفرق بينها وبين ما يسمى بـ”التجنب الضريبي”، وهو الذي يجعل المكلف وفق أحكام القانون، يخرج من إطار الاستحقاق الضريبي من دون أية مساءلة قانونية، مستغلا بذلك الثغرات التي يوفرها الاطار التشريعي في ذلك، وتحليل الدكتور النسور هو بمثابة دعوة صريحة للحكومة إلى معالجات جذرية في القانون المقبل للضريبة حول نقاط التجنب الضريبي.
المنطق العلمي في الدراسة كان على درجة عالية من التميز والمهنية وتشخيص واقعي لحجم التهرب الضريبي في المملكة وعدم ترك الامر للتحليلات والتقديرات اللامنهجية التي تثير شغف المتابعين.
فالدراسة، حسب عرض النسور، خرجت بإحصائية تقديرية علمية تشير إلى أن الفاقد الضريبي يبلغ 1.9 مليار دينار، منه 834 مليون دينار إعفاءات ضريبية، و370 متأخرات ضريبية، و695 مليون دينار هو التهرب الضريبي الذي يحاسب عليه القانون.
هذا الأمر يدلل على نقاط في غاية الاهمية بالنسبة للجهات الصانعة للسياسة الاقتصادية:
أولا: الاعفاءات الضريبية أمر يستحق اعادة النظر فيها طالما أنها لا تولد قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
ثانيا: تعجيل مسألة التقاضي الضريبي والتسويات ضمن محاكم قضائية مختصة لإغلاق هذا الكم الكبير من القضايا المرفوعة في المحاكم منذ عقود.
ثالثا: التهرب الضريبي البالغ حجمه 695 مليون دينار منه 200 مليون في ضريبة الدخل والباقي يشمل المبيعات، يحتاج إلى إعادة نظر في آليات التحصيل والمعالجات القانونية، وتفعيل العقوبات.
التوصيات التي خرجت بها الدراسة تمثل خارطة طريق حقيقة لمعالجة الاختلالات في الواقع الضريبي في المملكة، والجهد النوعي الذي بذله الدكتور معن النسور يستحق من الجهات الرسمية تبني توصيات دراسته وإعداد فريق عمل لترجمتها إلى مخرجات عمل قابلة للتنفيذ، فهي منظومة إصلاح مالي حقيقي بأيدي وطنية، وليست توصيات من البنك الدولي أو صندوق النقد، لذلك على الحكومة أن لا تضعها على الرف مثل باقي الدراسات.
[email protected]
[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.