صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ازمة الصحف اليومية

0

تنبأت منذ سنوات ان الصحافة الاردنية ستواجه استحقاقات تشكل في مجموعها تحديات وجودية بدأت ارهاصاتها بالظهور خلال الاعوام القليلة الماضية. بعض هذه الاستحقاقات هي جزء من ظاهرة كونية تلقي بظلالها على صناعة الصحافة الورقية في معظم دول العالم، والبعض الآخر مرتبط بخصوصية اردنية تتمثل في سيطرة الحكومة على ادارات الصحف من خلال استثمارات الضمان الاجتماعي في صحيفتي الدستور والرأي لنحو عشرين عاما. اليوم يبدو مستقبل الصحافة الورقية قاتما بسبب تراكم الخسائر وسوء الادارة وتراجع مبيعات التوزيع ودخل الاعلان والقيود التي تفرض على السياسة التحريرية في ظل التنافس مع عشرات المواقع الاخبارية الالكترونية ووسائل اعلانية بديلة.

وكنت من الداعين الى ضرورة تنويع مصادر دخل الشركات الصحفية والاستثمار في المواقع الالكترونية والدخول في مشاريع تلفزية واذاعية واعادة النظر في تركيبة غرف التحرير وهيكلة الموارد البشرية في الوقت الذي كانت هذه الشركات تدر دخلا جيدا على المساهمين وتحقق ارباحا تسمح لها بمثل هذه الاستثمارات. كان من الواضح ان سوق الاعلام يشهد تغييرا جذريا بسبب انتشار وسائل الاتصال الرقمية من انترنت وهواتف نقالة وتعدد وسائل الاعلان المتاحة بالنسبة للمعلن. ونشرت دراسات عديدة اشارت الى عزوف الشباب عن قراءة الصحف اليومية واعتماد غالبيتهم على الانترنت في الحصول على المعلومة والى سطوة وسائل الاتصال الاجتماعي التي شهدت طفرات تاريخية خلال العقد الماضي.

لم تنتبه ادارات الصحف المتعاقبة في الاردن الى الخطر الداهم وتجاهلت ما يحدث من حولها وتاخرت في التعامل مع اثر المواقع الاخبارية الالكترونية وما صاحب ظهورها من ارتفاع في سقف حرية التعبير. ومن المفارقة ان نسخ الصحف الالكترونية فشلت في التنافس مع هذه المواقع رغم الفارق الكبير في الامكانيات وهذه ظاهرة اردنية بامتياز، اذ ان المواقع الاخبارية الرائدة في معظم دول العالم تملكها صحف يومية ودور نشر باستثناء الاردن حيث يأتي ترتيب مواقع الصحف متأخرا.

ولم تطور ادارات الصحف استراتيجيات حديثة في التسويق ولم توسع من مصادر دخلها ولم تدخل في شراكات حيوية مع وسائل اعلام بديلة كالتلفاز والراديو ولم تسع الى تملك وسائل اعلان غير تقليدية كاللوحات الاعلانية في الشوارع والميادين والمولات وغيرها.

كان على ادارات الصحف ان تعي كل ذلك مبكرا، كما فعلت غيرها من دور النشر في العالم، وان تتوقع ما يحدث اليوم من تراجع في دخل الصحيفة بسبب ضعف التوزيع ورحيل كثير من المعلنين. اما وقد حدثت الأزمة وخرجت صحيفة يومية من السوق، وهناك ما يهدد بقاء غيرها، فان الخيارات تبدو صعبة. المطلوب تحرير الصحف الرئيسية من سيطرة الحكومة تماما واعادة القطاع الخاص اليها كخطوة اولى ضرورية بحيث يتم فك الارتباط بين صناعة الاعلام والقطاع الرسمي.

يستطيع القطاع الخاص ان يوفر سيولة ضرورية تحتاجها هذه الشركات لاعادة هيكلة نفسها وتطوير مصادر دخل اضافية من خلال الاستثمار في نسختها الالكترونية واعتماد سياسة تحريرية جديدة اكثر انفتاحا. وقد يقتضي الأمر النظر في امكانية دمج الصحفيتين رغم ما يواجه هذا الخيار من اشكالات. وقد حدث ان اندمجت صحف يومية في الاردن في ستينيات القرن الماضي.

كان من الضروري التحرك والمبادرة قبل سنوات عندما كانت الظروف المالية افضل وكان متاحا الدخول في استثمارات وشراكات استراتيجية لتنويع مصادر الدخل بالنسبة للشركات الاعلامية.

تستطيع الحكومة منح الصحيفتين الأكبر فرصة للخروج من الأزمة الحالية بفك ارتباطها معها وتشجيع القطاع الخاص على العودة لادارتها وتوفير البيئة المناسبة لدمجهما ان تطلب الأمر. ذلك يتطلب خطة عمل منهجية متوسطة الأمد تسعى الى اعادة الهيكلة وتوجيه الاستثمار نحو وسائل اتصال بديلة تكون موازية للنشر الورقي.

الخروج من نفق الأزمة لن يكون سهلا ولكنه ليس مستحيلا ايضا، ورغم تغير معادلات السوق وواقعه خلال السنوات الأخيرة تظل الصحف اليومية جزء مهما من واقع الاعلام الاردني ينبغى العمل سريعا على انقاذه وديمومته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.