صحيفة الكترونية اردنية شاملة

نموذج اردوغان في أزمة

0

بانتزاعه قرارا من المحكمة بحجب خدمة “تويتر” في تركيا يكون رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان قد دق مسمارا آخر في نعش “النموذج التركي” الذي كان يروج له منذ سنوات كمثال يحتذى في العالم الاسلامي. كل نجاحات حزب العدالة والتنمية الاقتصادية لن تبرر تحول زعيمه الى مستبد يضطهد معارضيه ويزج بالصحفيين في السجون ويعتدي على حرية القضاء وينتهك حرية التعبير وسط فضائح مالية وسياسية تلاحقه والمقربين منه.

حتى شريكه الأقرب، الرئيس عبد الله غل، يحاول ان يباعد بينه وبين اردوغان الذي لا يكترث بمعارضيه أو حتى شركائه في الحكم الذين يبدون رفضهم لسياسات رئيس الوزراء الأخيرة. كل انجازات اردوغان مهددة اليوم بعد ان كان يقدم نموذجا لحكم اسلامي ديمقراطي علماني.

فشلت رهانات اردوغان في سوريا ومصر وانهارت سياسة “صفر مشاكل” مع الجيران وانتهى حلفه مع رجل الدين فتح الله غولن وها هو اليوم يخسر ما تبقى من داعمين له من مثقفين وليبراليين ومحافظين داخل تركيا. قراراته الخلافية افسدت فرص تركيا في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي الذي اصدر تقريرا لاذعا ينتقد سياسة حكومة انقرة خصوصا فيما يتعلق بملف الحريات.

المشكلة ان اردوغان يرفض الاعتراف بانه في مأزق ويصر على مواقفه المتشددة ويراهن على اصوات ملايين الاتراك خارج المدن وعلى نفوذ حزبه القوي في الارياف وبين البسطاء. الامتحان الحقيقي سيكون الشهر القادم في الانتخابات البلدية ومن غير المعروف حتى الآن كيف ستؤثر فضائح الفساد والقرارات الأخيرة على فرص الحزب.

المثير في الأمر ان النموذج التركي الذي قدمه اردوغان خلال العقد الأخير كان يمكن له ان ينجح لولا الغرور الذي اصاب صاحبه والذي افقده القدرة على تمييز الأمور وهاهو اليوم يتهم الجميع ويتكلم عن مؤامرة خارجية تحاك ضده ويرفض الاعتراف بمسؤوليته الشخصية وباخطاء ارتكبها هو. بعد نحو عقد في الحكم يمكن القول ان اردوغان يترنح اليوم لأنه ربط مصير الحزب وتركيا بطموحاته الشخصية. هل يستطيع الرئيس غل التدخل وانقاذ الحزب من زعيم فقد رشده؟ يخاطر اردوغان بكل شيء على الرغم من أهمية تجربته التي كان يمكن لها ان تصبح نموذجا لحكم اسلامي معتدل يصلح للقرن الواحد والعشرين.

انهيار تجربة اردوغان تعيد طرح الاسئلة المتعلقة بتعايش الاسلام السياسي والديمقراطية، وبمفهومي العلمانية والدولة المدنية من منظور اسلامي. بعد فشل تجربة الاخوان في مصر نجد انفسنا ازاء أزمة في النموذج التركي فجرها اردوغان نفسه ويتحمل هو شخصيا المسؤولية الأكبر عن انهيارها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.