صحيفة الكترونية اردنية شاملة

انخفاض النفط في 2015: فرصة ذهبية للتنازل عن أسلوب إدارة قطاع الطاقة الحالي 1 من 3

0

يسمي الاردنيون الزراعة غير المسقية “بعل”. وهذه لها جذور تاريخية عميقة: قبل الديانات التوحيدية كان لسكان هذه الارض الطيبه الالمروية تها للمطر اسموه بعل. وتصبح الزراعة غيرمعتمدةعلى “بعل” للسقاية.
بعد اكثر من 3 الاف عام نصبت الحكومة الاردنية نفسها “الها بعلا” على سوق المشتقات النفطية والكهرباء. تقرر _بتسعيرها وعبر توزيع الدعم_ كيفية استهلاك الطاقة في البلد ومن يستهلك. قبلا كان الكاز رخيصا، ثم رفعت سعر الكاز وابقت الكهرباء دون الكلفة، فصارت الكهرباء خيارا ارخص للتدفئة وتسخين الماء، ثم عادت ورفعت سعر الكهرباء فيما ابقت على سعر ارخص لجرة الغاز، فانتقل الاردنيون للتدفئة بجرة الغاز، ومع رفع الغاز انتقل كثير من الاردنيين الى جفت الزيتون، وصار جفت الزيتون صناعة تدر الملايين بعد ان كان يرمى في النفايات وصار مصدرا متجددا للطاقة كثير الاستخدام في القرى القريبة من معاصر الزيتون.
كذلك اتت قرارات لاحقة بتشويه اكبر. في فترة صار لتر بنزين 95 بدينار فيما بقي بنزين 90 على 60 قرش بفارق 66% بين السعرين مع ان فارق الكلفة الحقيقية لا اكثر من 10%. فتفقد مستخدمو بنزين 95 كاتولجات سياراتهم وحول الكثيرون الى بنزين 90. وصارت سيارة من كل عشرة تعبىء بنزين 95 بدلا من سيارة من كل خمسة. وعندما قل الفارق بين السعرين لم يعد الكثيرون الى بنزين 95 وخسرت الحكومة التحصيل الصريبي الاكثر منهم الى الابد! فتشويه الاسعار وتوجيه الدعم للسلع يشوه الخيارات وغالبا يحمل اضرارا اكثر من اي فائدة مرجوة.
والحكومة “لخمتنا” بقرارتها بخصوص سعر الكهرباء بحسب القطاع الفرعي. فصرنا في حالة غريبة تدفع فيها المدرسة والمستشفى والمسجد والكنيسة اثمان كهرباء اعلى باكثر من 50% من الفندق والمطعم والمول ووكالة السيارات الفارهة! والسبب غير مفهوم الا الاصرار على تشويه الاسعار باليات دعم تبادلية غير منطقية. ولهذا تسعى المدارس والمستشفيات وشركات الاتصالات جاهدة للاستثمار في الطاقة المتجددة وتقنيات توفير الطاقة فيما لا يتوفر حافز حقيقي لمن يدفع سعرا قليلا نسبيا للتفكير بهكذا استثمارات لانها ببساطة غير مجدية له.
انخفاض النفط الى ما دون ال 60 دولارا للبرميل فرصة ثمينة لحكومة الاردن لتتخلى عن كل الاساليب المشوهة لسوق الطاقة في الاردن. هي تلخيصا فرصة ثمينة لتصبح حكومة بشرية متواضعة بدلا من الها بعلا للتسعير والتشويه وتوجيه الدعم لغير المستحقين!
بداية نذكر انه عندما كان النفط بسعر 100 الى 110 دولار للبرميل كانت الارقام الرسمية الحكومية تؤكد ان كل دولار زيادة في السعر يكلف الاقتصاد الاردني (الاقتصاد الاردني ككل لا الخزينة) 40 مليون دولار. انخفاض سعر النفط الى اقل من 60 دولار _وبقاؤه دون هذا السعر لكل 2015_ يخفض كلفة فاتورة الطاقة على الاقتصاد الوطني بقيمة 1600 مليون الى بليونين دولار سنويا. ومن المهم في هذا التوفير الكلي على الاقتصاد ان لا تتدخل الحكومة بقرارات مشوهة لتقرر من يستفيد من هذا التخفيض ومن لا يستفيد.
هي اذن “صفقة كبرى” بين الحكومة والشعب وكافة القطاعات الاقتصادية اساسها النقاط التالية والتي ستفصل _مدعمة بالارقام الرسمية والتحليل الموضوعي_ بمقالين لاحقين غذا وبعد غد.
– ان تركز الحكومة في عمل الحكومة الاساس : وهو منع الاحتكار وضمان المنافسة الحقة في كافة مفاصل قطاع الطاقة الاردني من مشتقات وكهرباء.
– ان تعمل الحكومة والشعب معا للتضييق على الخارجين على القانون في قطاع الطاقة ايا كانوا واينما كانوا.
– بعد ضمان المنافسة الفاعلة وعدالة التسعير والضرائب _ ان تقوم الحكومة بتعويم كل اسعار المحروقات والكهرباء شهريا بمعادلات شفافة. وفي المحروقات تضع الحكومة سقوفا للاسعار مع السماح للمتنافسين بالنزول دونها.
– تقليل الضريبة على البنزين بشقيه والغاء الضريبة على الديزل والكاز والغاز.
– الابقاء على اسلوب الدعم النقدي للعائلات الفقيرة _على سلم متدرج _ في حالة ارتفاع اسعار الطاقة عالميا فوق حد معين واضح.

هذه الصفقة الكبرى هي اساسا اعادة هيكلة الاسعار وتحريرها صعودا وهبوطا بحسب الكلفة الحقيقية وانهاء مشكلة خسائر شركة الكهرباء الوطنية تماما. وهذا يعني ان نوفر على الحكومة الزيادة السنوية الهائلة في الدين العام وعبء خدمة الدين العام. وبنفس الوقت تشجيع الشركات الكبرى ذات الاستهلاك العالي للطاقة لاستخدام ادوات التحوط المالية لتقليل اثر تذبذب الاسعار عليهم.
على سعر دون 60 دولارا للنفط علامات هذه الصفقة الكبرى ستشمل الاتي:
o تثبيت اسعار الكهرباء للطبقة الفقيرة والمتوسطة ذات الاستهلاك الاقل من 600 كيلو وات مع استفادتهم ايضا من تخفيض اسعار البنزين و الكاز والديزل والغاز.
o بيع الكهرباء بسعر الكلفة الحقيقي بلا اي ضريبة للقطاع الصناعي والزراعي وقطاع انارة الشوارع. وهذا يعني زيادة معتدلة في سعر الكهرباء بحسب الاسعار الحالية لكن هذه القطاعات ستستفيد ايضا من تخفيض اسعار البنزين و الكاز والديزل والغاز.
o بيع الكهرباء بسعر الكلفة الحقيقي مع ضريبة مقطوعة لكل كيلو وات للاستهلاك العالي في القطاع التجاري بدون تمييز بين القطاعات التجارية المختلفة وكذلك في القطاع المنزلي للاستهلاك فوق 600 كيلوات شهريا. والضريبة المقطوعة توفر فارق الكلفة للمنازل دون ال 600 كيلو وات وتوفر نقدا لخدمة دين شركة الكهرباء الوطنية.
الصفقة الكبرى هذه ممكنة بدون كلفة على الاقتصاد الوطني (بل بتوفير عليه) بسبب انخفاض النفط بشكل كبير والمتوقع استمراره طوال 2015. وهي قابلة للاستمرار بسبب دخول مشاريع الطاقة المتجددة والصخر الزيتي وميناء الغاز المسال في 2015 و 2016 و 2017 حيز التنفيذ.
ازالة تشوهات التسعير وتقليل الضريبة مع ضمان المنافسة وتحرير الاسعار بسقف سعري سيزيد كذلك من النقد القابل للصرف والاستثمار في جيوب المواطنين والقطاعات الاقتصادية المختلفة مما سيساهم حتما في تحفيز النمو الاقنصادي وزيادة تحصيلات ضريبة الدخل والمبيعات وغيرها من الرسوم المختلفة.
وللحديث بقية غدا وبعد غد بتفصيل كبير لقطاع الكهرباء وقطاع المشتقات النفطية.
مؤسس و مدير عام مجموعة المرشدين العرب
[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.