صحيفة الكترونية اردنية شاملة

لغة مختلفة!..

0

تعرّض شاب بريطاني، يدعى روري كيريتس، لحادث سير عام 2012، حيث كان يقود سيارة نقل بضائع على طريق سريع دخل على إثره في غيبوبة لأيام عدّة، وعندما استيقظ من غيبوبته فوجئ أهله بأنه يتكلم الفرنسية بطلاقة متناهية، رغم أنه لم يتعلم منها إلا النزر اليسير من كلمات المجاملة مثل: «بونجور، بنسوار، جوتيم»، وهذه الكلمات، كما هو معروف، جدّتي، رحمها الله، كانت تحفظها هي الأخرى عن ظهر قلب، رغم أنها كانت تعتقد أن باريس تقع في سلطنة عمان.

وفي حادثة منفصلة تماماً تعرض شاب آخر يحمل الجنسية الأسترالية لحادث سير، دخل في غيبوبة هو الآخر لأيام عدة، وعندما أفاق، وبدأ غباش «التسطيل» ينقشع عن عينيه، رأى ملامح فتاة آسيوية فتحدّث معها بلهجة «الماندرين» الصينية، ثم تكلم الصينية الفصيحة بلسان صيني سليم، وكتب جملاً عدة على ورقة باللغة الصينية.. مع أنه لم يكن يعرف «التشان» من «التشي» في اللغة الصينية، وبحياته لم ينطق أو يجرّب أن يتعلم حرفاً صينياً واحداً، الأمر الذي وصفه الأطباء بـ«المعجزة».

بعض الأطباء حاول أن يقفز عن فكرة المعجزة تلك بأن فسّر الحالة الأخيرة، بأن جزءاً من الدم تسرب بين أجزاء دماغ الشاب فأحدث تغييراً في لغته، لكن أحداً من الأطباء لم يقل لنا إن تسرّب الدم هذا كيف سحب القاموس «الصيني» ووضعه على رف النطق.. وهو غير موجود في مكتبة العقل بالأصل.

** على أي حال لن «أتفلسف» كثيراً بالتعليق على الخبرين المتصّلين بالبريطاني والأسترالي، فأنا غير «مستغرب» أن يتعرّض إنسان لحادث سير ويدخل في غيبوبة، ثم يخرج ليتحدث بلغة جديدة، على العكس تماماً، أنا مستغرب كيف تتعرّض أمة بكاملها لحوادث تقسيم واحتلال واستغلال، وتدخل في نوبات غيبوبة تنموية وسياسية واقتصادية ولا تخرج إلا لتتحدث بلغتها القديمة، لغة الانتصار والدحر والتفرّد، والاتجاه الصحيح، منذ تعرض الأمة العربية لحادث سير عام «1948» ودخولها في غيبوبة الهزيمة، ثم حادث سير «1967» ودخولها في غيبوبة الفقدان الكامل لفلسطين، إلى حادث سير احتلال جنوب لبنان، ودخولها في غيبوبة الطائفية، حتى الحرب العراقية ـ الإيرانية، ودخولها في غيبوبة الاصطفاف مع أحد المعسكرين، إلى حرب الخليج الثانية ودخولها في غيبوبة «الانقسام» العربي ـ العربي، إلى حادث تقسيم السودان، ودخولها في غيبوبة «الشأن الداخلي».. إلى حادث «تغيير الأنظمة» ودخولها في غيبوبة الإنهاك العربي الكامل.. ومع كل هذه الحوادث مازلنا نتحدّث بلغة: القوي، والمنتصر، والمتقدّم، والديمقراطي، والمحور، والثقل الإقليمي..

وإِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ … تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا..

طيب حلو.. وين هم الجبابر الساجدون خلينا نشوفهم؟

سواليف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.