صحيفة الكترونية اردنية شاملة

عشق النساء!

0

ليس العمل الدرامي بحد ذاته، والذي تعرضه قناة MBC4 هذه الأيام، بقدر ما هي مجموعة المسلسلات المتلاحقة المتلاصقة، التي تثير الاستغراب في حجم متابعتها من قبل النساء تحديدا في منطقتنا. ربما لو تجرى دراسة علمية على مجتمع المتابعات لتلك الأعمال، للتعرف على شرائحها وطبقاتها الاجتماعية ومستوياتها التعليمية وعمرها “وهذه الأخيرة في غاية الأهمية”، سنخرج بنتائج مفاجئة عن حال المرأة العربية عاطفيا وفكريا واجتماعيا.

فالأعمال التي نتحدث عنها تدور كلها في فلك واحد، وهو الحب الذي يسمى في أحيان كثيرة عشقا يظهر بشكل حنون لطيف هادئ أحيانا، مشتعل صارخ مدمر أحيانا أخرى، تتفاعل معه النساء كيفما كان بشكل تصاعدي، كما يتفاعلن مع قصصه بتفهم وتسامح شديدين، لا يتناسبان مطلقا مع البيئة التربوية التي تربين ويربين أولادهن عليها، ولا مع الحواضن الاجتماعية التي ما تزال تحيط بهن وهن جالسات على مقاعد المشاهدة.

أتحدث عن العشق المربك المرتبك متأرجح الأهواء والمزاج، حسب خيال كتاب هذه المسلسلات الطويلة على حساب المنطق والعقل. العشق الذي عليه أن يمتد لعشرات الحلقات ليحقق إنتاجا دسما، فيضطر مؤلفوه إلى استعارة خيالات جانحة لا تتناسب مطلقا مع الديكورات والبيوت والأجواء التي تتشابه معنا ومع مجتمعاتنا. فالغريب أن الأسر تبدو محافظة نوعا ما في هذه القصص، والمنازل بسيطة ونظيفة، وموائد الطعام دافئة وطيبة، تماما ككثير من منازلنا التي تضم نساء متابعات ومتعلقات ومعجبات جدا بهذه الأعمال. ويبدو أنه الفخ الذي ينصب لنا لتسريب قواعد العشق الجديدة، حسب رؤية منتجي مسلسلات مثل “عشق النساء” و”العشق الأسود” و”أنت قلبي” وغيرها.

فالخيانة لها مبررات تساق تدريجيا من الحلقة الأولى، وتصبح جزءا عاديا من القصة، ولو كانت غير منطقية. كما من غير المنطقي أبدا أن تمر مشاهد الخيانة تلك ومعها أحداث متلاحقة لقصص حب لا تنتهي لنفس الأطراف مع أطراف متشابكة، بدون أن يرف جفن واحد لمتابعة من نسائنا اللواتي أتحدث عنهن! هذا الأمر لا ينطبق على ردات أفعالهن حين يكون المعنيون في الأمر من الأشرار، حيث لا يسمح لهم بممارسة الخيانة أو القفز من قصة حب إلى أخرى في العمل الدرامي. بل أحيانا أسمع شتائم وقدحا يمس الممثلين أنفسهم ممن جنى عليهم الدهر، وقاموا بأدوار شريرة في المسلسل، في حين الغاية تبرر وسيلة الطيبين الضعفاء أبطال العمل جميلي الطلة والابتسامة!

النقطة التي توقفت عندها ليست تأثر أمهاتنا وأخواتنا مع تلك القيم الجديدة الممررة بذكاء في الأعمال الدرامية، وليست كلها تركية بالمناسبة. فنساؤنا والحمدلله لم يزلن قادرات على فصل الدراما التلفزيونية عن الدراما الحياتية، لحد الآن على الأقل. وما يقبلنه علي الشاشة يستحيل قبوله على الساحة. لكن المحزن أن تنفصل الواحدة منهن تماما عن واقعها الإجتماعي وتنساق كليا للقصة بأحداثها، وتطوراتها الدراماتيكية “فقط”، من أجل أن تتابع قصة عشق مستمرة، محشوة بكلام لم تسمعه من قبل، وبلمسات لم تتحقق تماما من قبل وبشوق جارف ورغبات حقيقية، تعكس حجم النقص الذي تعاني منه المرأة في مجتمعاتنا الجافة.

لذلك نجد أن أبناء وبنات وأخوات تلك النساء يستغربون كثيرا من متابعتهن لأعمال ممعنة في العاطفية والعشق، لا تتناسب مع مظاهرهن الخارجية وتفاصيل أيامهن المتشابهة المنظمة المحافظة. لكنهم أيضا لا ينتبهون أنه ثمة دوائر غير مغلقة صنعتها آليات الجفاف الذكوري العربية بامتياز، وجدت نساؤنا ضالتهن في إغلاقها ولو كذبا عبر منافذ مسموحة ومشروعة مجتمعيا. ليس غريبا إذا أن يكون عنوان المسلسل الأكثر متابعة هذه الأيام هو عشق النساء، الذي تقول سيدة وقور لي بخصوصه إنها اكتشفت أن كلمة “بحبك”، التي يكررها الفنان “باسل خياط ” لحبيبته، جميلة جدا!

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.