صحيفة الكترونية اردنية شاملة

‘تصفير’ الحضارة

0

من المألوف عندما تذهب إلى محطة غسيل السيارات ، أن يقوم العمال بمراحل التنظيف المختلفة بالماء والصابون في الخارج ،ثم يقومون بغيار الزيت ونفض المحرك بخرطوم الهواء ، وبعد ذلك يسجّلون قراءة عدّاد السيارة و”يصفّرون” الكيلو مترات المقطوعة لتعدّ من جديد إلى ان يحين موعد غيار الزيت القادم…

ويحدث أحيانا عندما يصبح جهاز الكمبيوتر بطيئاً وثقيلاً ، و”يعلّق” عن الخدمة ، ولا يستجيب للأوامر أن تأخذه للفني .فيقوم بعملية “الفرمتة” وهي شطب كل الملفات من غير تعيين، و تنظيف الجهاز من الفيروسات واعادة تحميل البرامج المهمة بغض النظر عما تم شطبه …فهذه العملية تشبه الى حدّ بعيد “التصفير”..

ومررنا بتجارب ، يحدث فيها خطأ ما في الهاتف النقال فلا تستطيع ان تتصل او تردّ على المتصل فتضطر مكرهاً في محل “الموبايلات” ان تعمل “سوفت وير” للجهاز وشطب كل ما سبق من صور ورسائل ومقاطع فيديو حتى لو كانت لا تقدر بثمن..

**

وأنا أشاهد عناصر من “داعش” وهم يقومون بتكسير تحف فنية وحضارية أعمارها الآف السنين ، وتحطيم المنحوتات والمجسمات في متحف الموصل ، وتشويه المداخل الحجرية بكل ادوات التخريب ، وتجريف منطقة أثرية كاملة مثل منطقة النمرود..دون ادنى اعتبار للسنوات الطويلة التي مرت عليها ، عن تاريخ وحضارة من سبقونا، دون ادنى اعتبار كم شتاء وكم صيف وكم حرب وكم سلم ،كم زعيم وكم طفل عاصروها وهي شاهدة على نهضتنا وتخلّفنا ،وحدتنا وانقسامنا ، ارتقائنا وسقوطنا…فجأة تمحى هكذا بالفأس على مرأى العالم ومؤسساته الثقافية والتراثية كما يمحى الحرف من الصفحة..ببساطة انهم يقومون بــ”تصفير” الحضارة لتعدّ من جديد سنوات طويلة في السواد والظلمة والتخلف والجهل والقتل…

هذه التماثيل لم تقتل 3000 طفلاً في غزة ، هذه التماثيل لم ترم المدن الفلسطينية بالقنابل الفسفورية ، هذه التماثيل لم تحاصر العراق 13 عشر سنة ، لم تقتل مليون عراقي عربي ومسلم ، هذه التماثيل لم تصوّت بالفيتو على مشروع ادانة الكيان الصهوني،ولم تقسم السودان ولم “تخربط” مصر ، ولم تشعل سوريا ،ولم تفتت ليبيا…هذه التماثيل تماماً مثل الشعوب العربية …تمر السنين على جسدها دون ان تاتي بحركة ،لم تختر وضعيتها ، هم من اختاروا لها ذلك، صامدة ، صامتة شاهدة على العصر ،وشاهدة على “الخُسر” ايضاَ ، تدمع عرقاً في صيف الأحزان ورطوبة في شتاء الفرقة ،نحن وتماثيل الموصل تتوارثنا الإمبراطوريات وأيدي السرّاق… نحن ومنحوتات الموصل…تقاسيم مجفّفة في متحف النسيان…

سواليف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.