صحيفة الكترونية اردنية شاملة

عن الإخوان والجمعية والجماعة من جديد

0

تشير فتوى ديوان التشريع إلى جواز نقل أملاك جماعة الإخوان هنا في الأردن إلى الجميعة المرخصة بنفس الاسم، ويبقى أن الجواز شيء، والتطبيق الفعلي شيء آخر، لا سيما أن المسألة سياسية وليست قانونية. ما بين الانتخابات الطلابية والنقابية التي مارس خلالها الإخوان هنا نشاطهم كالمعتاد وحققوا نتائج طيبة، وما بين الحراك الداخلي في الجماعة، يمكن القول، إن أحدا داخل صفوف الجماعة، فضلا عن الناس العاديين؛ لم يشترِ قصة الجماعة الجديدة المرخصة، مقابل الأخرى التي أصبحت غير مرخصة بنظر المعنيين، والسبب كما يعرف الجميع أن سلوك الطرف الآخر كان مناقضا تماما لمقولاته . فهو تحدث عن فك الارتباط بالجماعة الأم في مصر، فيما تقدم بطلب ترخيص لجماعة بنفس الاسم، مع أنه ليس اسما مقدسا، بدليل أن فروعا كثيرة للجماعة لا تحمله، كما هي الحال في تونس والجزائر ولبنان وغيرها، وكان بوسعه لو كان واثقا من طروحاته أن يرخص حزبا، وليس جماعة، لا سيما أنه كان يطالب بفك الارتباط بين الجماعة وحزبها (جبهة العمل الإسلامي). الخلاصة أن قواعد الجماعة، بما فيها تلك التي لها ملاحظات كبيرة على القيادة المنتخبة لم تجد سبيلا لإقناع نفسها بما جرى، وباستثناء قلة قليلة بقي الحال على ما هو عليه. الآن، وبعد كل ما جرى، وبعد أن ثبت للقاضي والداني أن ما فعله الطرف الآخر لم يغير في المسار شيئا، يمكن القول، إن القيادة الشرعية، ومن موقع قوة وليس موقع ضعف يمكن أن تبادر إلى إجراءات “تنفيسية” تعيد اللحمة للصف، وتجعل ما جرى جزءا من التاريخ لا أكثر، لا سيما أن شيئا لا يمكن أن يغني الجماعة عن وحدتها الداخلية، لأن الانشقاق النفسي لا يقل خطورة عن الانشقاق الواقعي، وهي في غنىً عن ذلك بكل تأكيد. لن نقول للقوم ما عليهم أن يفعلوا، وقد سمعنا عن حراك جديد بعد أن لم يعد لدى المراقب العام الحالي مانع في أن يقدم استقالته مقابل ضمانات معينة، وهو الذي لا يشكك أحد في تاريخه في الجماعة، ولا نهجه التوافقي المعقول الذي شهد له به حتى بعض خصومه. الانشقاقات في الجماعات والأحزاب ليست شرا دائما، وكثيرا ما تشكل نقلة نوعية، كما حصل مثلا في تجربة العدالة والتنمية في تركيا، وكما في تجربة الشيخ رائد صلاح في الأراضي المحتلة العام 48، لكنها هنا لا تملك أي أفق، ومع ذلك سيكون بوسع الطرف الآخر الذي خرج بالفعل أن يجرِّب حظه، ولكن بعيدا عن الاسم التاريخي للجماعة، والذي سيبقى قائما بحكم الواقع، لأن جماعات التغيير تأخذ شرعيتها من الواقع والجماهير وليس من التراخيص الرسمية. كما كان رأينا من قبل، ليس لتجربة الذين انشقوا أي أفق بالطريقة التي طبقوها، ولو كرروا تجربة حزب الوسط المحلية لكان ذلك أفضل لهم، وفي مصر مثلا عاد شباب حزب الوسط الذي انشقوا قبل عقدين وأسسوا حزبا لم يُعترف به إلا بعد سنوات طويلة.. عادوا إلى التحالف مع الجماعة الأم في محنتها، وكانوا الأكثر وفاءً لها، في موقف غاية في النبل، مع احتفاظهم بحزبهم الذي كانت له نتائج لا بأس بها في الانتخابات قبل الانقلاب. مع ذلك، يمكن القول، إن من خرجوا ليسوا سواءً، ومنهم كثيرون يمكن أن يعودوا إلى الصف بعد لملمة شتات الموقف، والانتخابات القادمة في الجماعة ليست بعيدة، مع أننا نعيد التأكيد أن الأولوية يجب أن تبقى للتوافقات، وليس للصناديق فقط، مع بقائها وسيلة ضرورية بعد تنقية القانون من الشوائب التي تثير اعتراضات الكثيرين، وكانت كذلك منذ سنوات طويلة. والنتيجة أن ما جرى سيشكل درسا للجميع، لكن الواقع أن شيئا مهما لن يتغير، وستبقى جماعات ما يسمى الإسلام السياسي هنا وفي المجال العربي جزءا أساسيا من المشهد رغم صيحات الانتصار عليها، وبالطبع لأن التدين ما زال عميقا في مجتمعاتنا، بل هو أعمق مما يتصور كثيرون.

الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.