صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تشريعات الصحة العامة وتنظيم قطاع التبغ في الأردن

0

ما زال تنظيم استهلاك التبغ و بيعه هدفا صعب التحقيق في الاردن. حيث تشير احصائيات منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة أن نسبة انتشار التدخين في الأردن هي من الأعلى عالميا بواقع 49% من الرجال و 5.9% من النساء هم من المدخنين. وهذه النسب لا تشمل المدخنين الذين هم دون السن القانوني و المدخنين غير المباشرين الذين يتأثرون بتدخين الاخرين.
إن محاولات الأردن لتنظيم استهلاك وبيع التبغ في الواقع ليست جديدة. فنظام “وقاية الصحة العامة من أضرار التدخين” رقم 64 لسنة 1977 دخل حيز التنفيذ في1977 لمنع التدخين في الأماكن العامة وقت دوام العمل الرسمي بدوره لم يأت قانون الصحة العامة رقم 472008 بأي جديد للحد من استهلاك وانتشار التبغ في الأردن سوى النص على عقوبات مالية و جسدية لم تطبق و لو على حالة واحدة.
وبمرور الزمن وبعد أن أثبت قانون الصحة عدم فعاليته للحد من التدخين واثاره، قامت الحكومة مؤخرا باقتراح تعديلات عليه تشدد العقوبات الواردة فيه كجزاء للتدخين في الأماكن العامة، لتزيد الغرامات ومدد الحبس ( لتتراوح مدة الحبس من شهر إلى ستة أشهر). كما أضافت التعديلات عقوبات بالغرامة والحبس (الذي تتراوح مدته من ثلاثة الى ستة أشهر) على جرائم مرتبطة بالتدخين كالتدخين في المدارس، وبيع التبغ لمن هم تحت السن القانوني. الا أن الواقع الاردني أثبت أن النص القانوني بتشديد العقوبات على من يخالفون قانون الصحة العامة لا وزن له خاصة في الاماكن العامة التي يدخن فيها الموظفون العموميون قبل غيرهم، ومنهم من يتمتعون بنوع من الحصانة كالقضاة والمحامين والعسكريين وبعض الموظفين العامين وأعضاء مجلس الأمة.
في ضوء ما سبق، فاننا نرى أن الاسلوب الامثل لتنظيم استهلاك التبغ في ضوء الواقع المجتمعي و القانوني الاردني يتلخص ما يلي:
أولا: على القوانين الأردنية الناظمة للصحة أن تتضمن كافة الالتزامات التي صادق الأردن عليها في اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ للعام 2004. و تلك تشمل على سبيل المثال: خططا لزيادة الوعي المجتمعي بشأن مخاطر التبغ، و وضع القيود على تسويق منتجات التبغ والحد من البرامج التعاونية بين الحكومة و بين شركات التبغ وبين المنظمات الأهلية وشركات التبغ، ومنع تلقي الدعم المادي المقدم من شركات التبغ لمؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي تنظيم جميع أنشطة “المشاركة المجتمعية” المقدمة من قبل شركات التبغ كالتبرعات والرعايات التجارية.
وبذات الأهمية, يجب أن تستثني اتفاقيات التجارة الحرة الاردنية التبغ من أي معاملة اقتصادية أو تجارية تفضيلية. وكذلك الأمر بالنسبة لمعاهدات الاستثمار الثنائية المستقبلية التي عليها أن تستثني الاستثمار في قطاع التبغ من أي حماية استثمارية وتحرمها بالنص صراحة من حق اللجوء الى هيئات حل النزاعات الاسثمارية الدولية.
وفي هذا المقام، على الحكومة الاردنية أن تبادر الى تقييد استيراد التبغ بموجب الاستثناءات الواردة في اتفاقية منظمة التجارة العالمية و التي تسمح للدول الأعضاء بفرض قيود تجارية على المستوردات تحقيقا لمصالح صحية و بيئة ( بشرط معاملة قطاع التبغ الاردني بالمثل).
ثانيا: حسما للأخذ و الرد في مجلسي النواب والأعيان، نقترح استبدال عبارة “الاماكن العامة” بعبارة “الاماكن المغلقة”، بحيث تعرف الاماكن المغلقة بأنها : كل حيز محصور بين حاجزين أو حائطين على الاقل لتكون العبارة أوسع و أشمل ومستغرقة مفهوم الاماكن العامة ووسائل المواصلات، ولينتهي الجدل الدائر بخصوص تعريف المكان العام مع ابقاء الصلاحيات لوزير الصحة بتعيين أي مكان كمكان “مغلق” لغايات تطبيق قانون الصحة العامة كالمدارس و الجامعات و الملاعب الرياضية.
ثالثا: على الأردن فرض ضرائب ورسوم أعلى على كافة منتجات التبغ محلية كانت أو مستوردة بالتساوي. فالضريبة المفروضة حاليا استنادا الى نظام 8 /2000 الصادر بضوء قانون الضريبة الحالي هي 102% (بالإضافة إلى ضريبة المبيعات ورسوم أخرى.) وبما أن هذه الضرائب والرسوم مفروضة بنظام، فإن الحكومة قادرة على تعديل وزيادة هذه الرسوم بنسبة كبيرة من تلقاء نفسها و بقرار من مجلس الوزراء ومن دون حاجة لعرضها على البرلمان.
رابعا: على الأردن فرض أعلى تعرفة جمركية يمكن فرضها -ضمن القواعد التي تسمح بها منظمة التجارة العالمية- على جميع منتجات التبغ المستوردة. حيث تتراوح التعرفة الجمركية لمنظمة التجارة العالمية على التبغ ومنتجاته و البضائع المرتبطة به من 5% الى 150% . ولعل قائل يقول إن الأردن تطبق فعلا أعلى تعرفة جمركية على أغلب البضائع التي تحتوي التبغ وملحقاته. و هذا صحيح بالنسبة لجميع المواد المرتبطة بالتبغ و ليس التبغ بحد ذاته الذي لا يخضع لأعلى تعرفة جمركية بل لتعرفة نسبية بقيمة92%.
أما بالنسبة لاتفاقيات التجارة الحرة الأردنية الحالية، فإن معدل التعرفة الجمركية يختلف باختلاف الاتفاقيات التي تعقدها الأردن مع مختلف الدول. فعلى سبيل المثال، تفرض اتفاقية التجارة الأردنية-الكندية ضريبة تتراوح ما بين 5% الى 100% على منتجات التبغ، مما يعد أقل من الحد المنصوص عليه في قواعد الاتفاقيات التجارية التابعة لمنظمة التجارة العالمية. أما الاتفاقية مع الولايات المتحدة فلم تشمل تحرير التجارة في التبغ لاسباب قانونية أمريكية وليس بناء على طلب أو رغبة أردنية. و عليه، فإن هذا التناقض الواضح في التعرفات الجمركية في المستويين التجاريين الاقليمي و متعدد الاطراف يحبط الحكمة من وراء فرض رسوم جمركية عالية على منتجات التبغ.
في ضوء ما سبق، ان هذا هو الوقت المناسب لاعادة تنطيم استهلاك و توزيع التبغ في الأردن. إن الحكومة (و الدولة الاردنية) هي المستفيد الاول في حالة رفع الضرائب والرسوم الاخرى على التبغ لأن ذلك سيؤدي الى زيادة دخلها و تخفيض العجز في الميزانية. ومن جهة أخرى، فتنظيم قطاع التبغ يعني التقليل من معدلات انتشار الأمراض غير السارية التي يسببها استهلاك التبغ والتحسين من المستوى الإجمالي للصحة وتخفيض الفاتورة الصحية الأردنية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.