صحيفة الكترونية اردنية شاملة

سيادة القانون والتنمية المستدامة

0

جاء موضوع سيادة القانون ليكون المحور الرئيس للورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك، وهي بحد ذاتها أوراق تفتح آفاق النقاش بين النخب المختلفة للوصول الى توافق حول موضوعاتها بين تلك النخب من جهة وتحدد مسار التوجهات العليا التي يجب أن يعلم بها المواطن من جهة أخرى.
وقد اشارت الورقة النقاشية بشكل واضح الى أن سيادة القانون هو “الأساس الحقيقي الذي تُبنى عليه الديمقراطيات والإقتصادات المزدهرة والمجتمعات المنتجة”. كما أن الورقة النقاشية أوضحت بشكل دقيق الى الرابط الحقيقي بين سيادة القانون والتنمية المستدامة حين قال جلالة الملك “فلا يمكننا تحقيق التنمية المستدامة وتمكين شبابنا المبدع وتحقيق خططنا التنموية إن لم نضمن تطوير إدارة الدولة وتعزيز مبدأ سيادة القانون”.
والحقيقة أن هذه المقولة اصابت كبد الحقيقة. ذلك أن أحد اهم مؤشرات التنمية التي تجذب الاستثمارات وتجعل من أي دولة محط انظار المستثمرين المحليين والخارجيين على حد سواء هي سيادة القانون وتطبيقه بشفافية ونزاهة.
وقد افردت تقارير التنافسية العالمية وتقارير سهولة البدء في الأعمال معايير ومؤشرات خاصة كلية وفرعية للحكم على تنافسية الدول وسهولة العمل في الاقتصادات وفق مفاضلة تحابي تلك الدول التي تتمتع بتطبيق متوازن وسيادة للقوانين بشفافية ونزاهة. فسيادة القانون وتطبيقه بنزاهة وشفافية احد اهم الأمور التي يقيس من خلالها المستثمر الخارجي رغبته في الدخول الى أي اقتصاد، ويفاضل من خلالها المستثمر المحلي ورأس المال الوطني في الوقت نفسه بين الاستثمار في دولته أو الهجرة الى دولة اكثر عدالة في تطبيق القوانين وفي وضوحها.
والسؤال محل النقاش هنا الى أي مدى نحن في الأردن بحاجة اليوم لطرح موضوع سيادة القانون وعدالته وتطوير المقومات التي تكفل ذلك؟ وهنا لا بد من الإشارة الى أن طرح الموضوع من قبل القيادة العليا للدولة يشير الى تلمس ما لضرورة فتح مثل هذه القضية للنقاش بحثا عن توافق كلي بين الفئات المختلفة. وفي هذا الإطار فإن المتتبع للتقارير الدولية الصادرة عن الجهات المختلفة بما فيها المنتدى الاقتصادي العالمي، والبنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وغيرها من التقارير تشير بوضوح الى أن الأردن حقق انجازات لا بأس بها في مجالات سيادة القانون وعدالته وشفافيته وفي مجال النزاهة ومكافحة الفساد، وذلك عند القياس مع العديد من دول المنطقة.
إلا أن ذلك لم يكن كافيا في اعتقاد الكثيرين، قياسا بما يمكن أن يحققه الأردن وما يمكن أن يصل اليه فعلا. وقد اتيح لي شخصيا المشاركة ببرنامجين مختلفين ضمن دراسات ميدانية موضوعية حول التنمية المحلية وحول مؤشر المعرفة العربية في مجال قطاع الإقتصاد.
وقد كانت النتائج تشير الى أن ما تلمسه الورقة النقاشية حقيقة موضوعية. ففي دراسة وافية وميدانية حول تحليل النزاعات لغايات التنمية في ست محافظات في الشمال والوسط والجنوب، كان الشعور بسيادة القانون والعدالة منخفض في كثير النقاشات التي شملتها تلك الدراسة. وفي مجال قطاع الاقتصاد في مؤشر المعرفة العربي وجد أنه بالرغم من تحقيق الأردن لمرتبة جيدة في مجال سيادة القانون الإ أن ذلك لم يعطه المركز الذي يستحقه بين الدول.
ولعل المعضلة في الحالتين لا تكمن في نوعية القوانين أو موادها، فجميعها ترقى الى افضل القوانين والتشريعات المُثلى عالميا، إلا أن المشكلة الواضحة هي في التطبيق. الشاهد في ذلك كله أن الورقة النقاشية السادسة هي بوابة واسعة يجب الولوج منها الى توافق وطني بين كافة الفئات نصل من خلاله، كما أشارت الورقة النقاشية، الى “مدونات سلوك وأخلاقيات عمل ملزمة” في مجالات العمل العام كافة.
وبالرغم من وجود بعض المدونات السلوكية إلا أن المطلوب هو مراجعة الموجود ووضع مدونات سلوكية جديدة على أن يكون هناك جهة محددة لمراقبة التطبيق ومساءلة المقصر.
إن تطوير عمل الإدارات العامة لن يتأتى بعيدا عن المساءلة والمحاسبة من جهة والمكافأة والتشجيع من جهة ثانية. وفي الختام فإن الورقة النقاشية تضع الجميع أمام استحقاق وطني شامل قد يكون للحكومة الدور الأكبر فيه عبر القيام فورا بالعمل مع الجهات المعنية، وخاصة هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، لمراجعة شاملة للوصول الى وثيقة وطنية توافقية للتطبيق العادل والشفاف والنزيه للقوانين بسيادة تامة لا تفرق بين احد ولا تحبي أحد وتوفر مرجعية سهلة وبمتناول الجميع للتظلم من أي خرق لسيادة القوانين مهما كانت، ابتداءً من قوانين السير مرورا بتجازات استخدام الأعيرة النارية وانتهاء بقواني العمل والعمال والاستثمار وغيرها.
أما القضاء فباعتقادي أن اللجنة الملكية المشكلة حديثا لتطوير القضاء تستطيع، بالخبرة التراكمية المميزة للقائمين عليها، أن تصل الى حلول موضوعية تساعد على ترسيخ قواعد الحكم الرشيد في كافة مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، وتطوير الاجراءات القضائية بما يعزز سيادة القانون ويساعد على سرعة التقاضي والبت وهي معطيات يبحث عنها كل مستثمر يرغب في الدخول الى أي اقتصاد.
ويبقى القول الفصل بأن سيادة القانون بشفافية ونزاهة ضمن دولة مدنية هو السبيل لتحقيق تنمية مستدامة شاملة للقطاعات والمناطق تكفل التوزيع العادل للعوائد في كافة مناطق المملكة.
الدكتور خالد واصف الوزني
[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.