صحيفة الكترونية اردنية شاملة

إقتصاد ترمب

0

بعيدا عن الحسابات السياسية والموجة الساخنة من الانتقادات والتخوفات من التوجهات الجديدة للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، فإن النظام الانتخابي الأمريكي قد اختار لرئاسته من يعتقد أنه الأصلح له في هذه المرحلة، وبالتالي فإن المنطق والرُشد يقولان بأن على الجميع أن يتعامل مع المعطيات الجديدة عبر تحليلها استراتجيا، وخاصة بمفهوم التحليل المتعلق بالبيئة الخارجية وما توفره من فرص أو تهديدات، لا لشيءِ إلا لوضع السياسات المناسبة للتعامل مع الوضع الجديد الذي لا يُمكن لأي من دول العالم تغيره اليومَ بقدرِ ما يجب عليها أن تتعايشَ معه.
الفكر الاستراتيجي الناجح يشير الى ضرورة النزوع فورا الى تحليل الوضع الجديد في الولايات المتحدة والبدء بإعداد سياساتٍ عقلانية ٍ رشيدةٍ تُعظًم من الفُرص المتوقعة وتتعامل بعقلانيةٍ مع أي تحدياتٍ جديدةٍ قد يفرضُها الواقعُ الحتميُالقادم.
وعلى الصعيد الاقتصادي بشكل محدد، فقد يستغرب البعض أن الطروحات التي يُقدمها الرئيس المنتخب، والتي طرحها بشكل أساسي خلال حملته الانتخابية، هي أكثر نفعا ورُشدا للولايات المتحدة من تلك التي تتبناها الإدارة الحالية والتي تشكو في إعتقادي من ضعف المستشارين الاقتصاديين القائمين على النصح والمشورة للحزب الديمقراطي.
والواقع أن ما يطرحه ترامب من إنفاق مباشر على النبية التحتية خلال السنوات الخمس القادمة وبمبلغ 500 مليار دولار أي بواقع 100 مليار دولار في العام الواحد، إضافة الى طروحاته في مجال تخفيض الضرائب على الأفراد والشركات إنما ينمُ عن فكرٍ اقتصاديٍ واعيٍ لمتطلباتِ الأزمةِ الاقتصاديةِ في الولايات المتحدة وعن أهمية استخدام محفزات السياسة المالية في تحريك عجلة الاقتصاد بدلا من الاستمرار في محفزات السياسة النقدية التي أوصلت اسعار الفائدة على الودائع الى نسبة الصفر لا بل والى السالب وبقيت الاوضاع الاقتصادية دون تحسن يُذكر.
بإعتقادي أن الرئيس المنتخب يستحوذ على مجموعة من المستشارين الاقتصاديين أكثر خبرة بالسياسات الاقتصادية من هؤلاء القائمين على النصح والمشورة للرئاسة الأمريكية الحالية. فالحديث اليوم عن حقن الاقتصاد الأمريكي بمبالغ كبيرة في مجال البنية التحتية يعني حقن الاقتصاد بفرصِ عملٍواستثماراتٍ وتحريكٍ لعجلةِ دوران الشركات وفتح مجالٍ للوظائف وجذبٍ لمزيدٍ من الاستثمارات وجميعها تصب في خانة النمو الحقيقي والتنمية الاقتصادية.
فالإقتصادُ الأمريكيُ يعاني اليوم من مديونية تصل الى 19تريليون دولار أي ما يزيد عن 100% من الناتج المحلي الإجمالي. ولو أن الرئيس المُنتخب قضى كامل الفترتين القادمتين في تخفيض هذه المديونية وفي السياسات المتعلقة بالتعامل معها عبر التركيز على الرقم والنسبة لا السياسة والاقتصاد فإنه قد ينجح في تثبيت النسبة أو في تخفيضها ببعض نقاط محدودة، إن لم ينفلتُ عِقالُ المديونية بشكل أكبر مما هو عليه اليوم. أما وأنه يركزُ على تحريك عجلة الاقتصاد وتحسين مستوى دخل الافراد عبر التشغيل في المشاريع الجديدة من جهة وعبر تخفيض الضرائب من جهة أخرى، فإن معنى ذلك إصابةُ عصفرين بحجرٍ واحد.
فمن ناحية سيؤدي ذلك مباشرة الى تحسين مستوى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبٍ أكبرَ من نسب نمو المديونية، ومن ناحية ثانية فإن ذلك سيعني أيضا زيادة تحصيلات الضرائب عبر دخل الشركات التي ستتلقى الجزء الأكبر من مشاريع النبية التحتية وعبر ضرائب المبيعات التي سيدفعها المواطنون والذي كان بعضهم اصلا عاطل عن العمل يتلقَ المعنونة ولا يكادُ يدفعُ أيُ ضريبة.
بعيدا عن السياسة وعن آرائه الشخصية المعلنة والمتداولة حول المنطقة، والتي هي غير ناضجة تماما في رأي العديدين، فإن “اقتصاد ترامب” أو ما يمكن تسميته “Trumpnomics” يعتبر أكثر نضجا في معالجة الوضع الإقتصاد الراهن في أمريكيا وفي العديد من دول العالم إن شاءت أن تحسن مستوى معيشة المواطن وتحقق نموا حقيقيا. تبقى المعضلة في “اقتصاد ترمب” قضية تعامله مع التجارة الخارجية واتفاقيات التجارة الحرة وما شابه، وهو أمر لا يتسع المجال للحديث حوله في هذه العجالة.
الدكتور خالد واصف الوزني
[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.