صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مدينة الملك عبدالله الثاني المستدامة الذكية

0

قامت الحكومات الأردنية المتعاقبة باتخاذ حزمة واسعة من الإجراءات والإصلاحات الهادفة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية فالدفع بعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمساهمة في حل مشكلتي الفقر والبطالة. بعض هذه الإجراءات كان “إستراتيجيا” وأبرزها إعداد وإقرار إستراتيجية الأردن للعام 2025 (رؤية الأردن 2025)، والتي حددت العناقيد الاقتصادية المستهدفة خلال سنوات الاستراتيجية ومنها التعليم والصحة والعلوم الحياتية والبناء والهندسة والطاقة المتجددة والخدمات المالية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والنقل والخدمات اللوجستية وغيرها. بعض الإصلاحات جاء” تشريعيا” وذلك بإقرار حزمة من التشريعات والقوانين الناظمة للإستثمار وأبرزها قانون الإستثمار لعام 2014، وبعضها جاء “هيكليا” بدمج كافة المؤسسات المشجعة والناظمة للإستثمار من تشجيع الاستثمار وتنمية الصادرات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والمناطق الحرة والمناطق التنموية وغيرها تحت مظلة واحدة، وكذلك إنشاء النافذة الاستثمارية الموحدة (نظريا على الأقل) وذلك في محاولة لتسهيل وتبسيط إجراءات الحصول على التراخيص. أما بعضها الآخر فجاء “ضريبيا وماليا” من خلال إقرار حزمة واسعة من الإعفاءات الجمركية والضريبية للمشاريع الاستثمارية بحيث تكون هذه الرسوم والضرائب مثلا 5% فقط ضريبة دخل و0% لكل من ضريبة الدخل على الصادرات وضريبة المبيعات وضريبة الأرباح وضريبة الخدمة الاجتماعية ورسوم الاستيراد لكافة النشاطات الاقتصادية في المناطق التنموية. وما رافق كل هذا من اتفاقيات تجارية دولية وإقليمية وثنائية وجهود مكثفة للترويج للاستثمار داخل الوطن وخارجه.

وبالرغم من أن كل هذه الإجراءات إنما هي إصلاحات صائبة وحكيمة وضرورية، إلا أنها جميعا لم تكن كافية لتحقيق الأهداف المرجوة بتحقيق زيادة ملموسة في الاستثمارات الأجنبية والمحلية وتحقيق النمو الاقتصادي والإجتماعي المنشود؛ فانخفض ترتيب الأردن في مؤشر القدرة التنافسية العالمي من 76 عام 2006 إلى 117 في عام 2015 من أصل 189 دولة. ولم تتجاوز نسبة النمو في ثاني أعوام الاستراتيجية (عام 2016) ال 3% علما بأن المستهدف لتلك السنة هو 4.1% ومعدل النمو المستهدف لسنوات الخطة العشرة هو 7% وهو الأمر المشكوك جدا بتمكن المملكة من تحقيقه (على خلاف ما صرح به رئيس الوزراء السابق أمام سيد البلاد في حفل إطلاقها) إذا ما استمرت الأمور على نفس الشاكلة والنهج، وانخفض مستوى الرضى عن أداء الحكومة إلى ما دون ال 50% عام 2015 بعد أن كان يتجاوز ال 72% عام 2010.

فالسؤال المطروح والمشروع إذا: كيف يكون ذلك؟ وكيف يمكن لحكومات متعاقبة أن تتخذ إصلاحات إستراتيجية وتشريعية وهيكلية وضريبية وإجرائية جميعها حكيمة وصائبة وضرورية ولكنها رغما عنها جميعا لا تنجح في جذب الاستثمارات وتحقيق سعادة المواطن ونسب النمو المنشودة؟؟؟!!!

ألبعض يعزي ذلك للظروف الإقليمية الخارجية المضطربة، وهو أمر وإن كان صحيحا جزئيا، إلا أنه لا يعتبر العامل الرئيس في عدم النجاح هذا. فدول أخرى في المنطقة كتركيا ودولة الامارات العربية المتحدة، وأخرى في العالم كتايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة واندونيسيا تمكنت جميعها من تحقيق أهدافها التنموية بالرغم من تموضعها في ظروف إقليمية غاية في الاضطراب والتوتر والعدائية. والبعض الآخر يعزيه لما يراه ويعتقده من “محدودية موارد” الوطن، وهو أمر يجانبه الصواب جملة وتفصيلا، فالأردن غني بموارده البشرية المؤهلة والطبيعية الثمينة الوافرة وغيرها الكثير من المزايا النسبية والتنافسية (ألسياحة التاريخية والعلاجية والدينية والموقع المتوسط والطقس المعتدل والطبيعة الأخاذة والاتفاقيات التجارية والوسطية والاعتدال والأمن والأمان …إلخ) مما يجب أن يجعله مقصدا ومطمحا لكل مستثمر إذا ما توفرت الظروف الملائمة لذلك.

ألسبب الرئيس في عدم التمكن من الإرتقاء لمستوى طموحات قائد الوطن وشعبه يكمن في عدم الفهم الحقيقي لاحتياجات المستثمرين وعدم القدرة على التفكير الإبداعي غير النمطي و “خارج الصندوق”. فالمستثمر لا يحتاج إلى “توجيه” فيما يتعلق باستثماراته، فهو الأقدر على استشراف المستقبل وتحديد الاستثمارات الناجعة والتي ستضمن له النجاح والنمو والربحية على المدى البعيد. والمستثمر أيضا لا يهتم بالإصلاحات الاستراتيجية والتشريعية والهيكلية وحتى الضريبية منها إذا لم يجد لها أثرا مباشرا في تسهيل أموره وتحقيق سعادته وضمان نجاحه ونموه وربحيته على المدى البعيد. فالعديد من دول العالم ذات الرسوم والضرائب المرتفعة (مثل المملكة المتحدة) تبقى من أكثر الدول الجاذبة للاستثمار (بالرغم من احتمالية تغير ذلك على المدى البعيد وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي).

ما يريده المستثمر هو بيئة عمل وبيئة حياتية مجتمعية شمولية ومتكاملة ومنظمة. بيئة لا تضمن لاستثماراته النجاح والنمو والربحية فحسب، ولكنها وفي نفس الوقت تضمن له ولأسرته وأصدقائه وكافة شركائه ومتعامليه وعامليه وأصدقائه العيش في بيئة خضراء نظيفة ومنظمة ومستدامة تحقق وتوفر الحياة الهانئة السعيدة لهم جميعا. خلق وإيجاد هكذا بيئة هو ما لم تستطع الحكومات الأردنية المتعاقبة من تحقيقه، بالرغم من كل جهودها الصائبة والضرورية التي بذلتها في محاولة منها لذلك.
تنبهت العديد من دول العالم ودول المنطقة لهذه الحقيقة فبادرت بإنشاء “المدن المستدامة الخضراء الذكية”. مدن شمولية ومتكاملة تحقق السعادة لقاطنيها من السكان والمستثمرين فيها من خلال التنظيم الشمولي المحكم وفق أعلى المواصفات والمعايير العالمية بما يحقق الموائمة والموازنة بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية فيها. مدن ذات تخطيط شمولي عصري لمناطقها السكنية والتجارية والمالية والخدمات الحكومية والتعليمية والصحية والثقافية والترفيهية المنظمة ذات التصاميم المعمارية الأخاذة، منها الحديث المعاصر ومنها ما يعكس التراث والهوية الوطنية، وتستند جميعا إلى معايير الأبنية الخضراء ومواصفات “لييد” الدولية للمحافظة على الطاقة والبيئة. مدن تحوي حدائق ومساحات خضراء واسعة، فالإنسان لا يستطيع العيش في بيئة من الأبراج الإسمنتية والزجاجية فقط. مدن تولد طاقتها ذاتيا من خلال مصادر الطاقة المتجددة (الرياح والطاقة الشمسية) سواء كان ذلك بشكل مركزي أو لا مركزي مناطقي أو من خلال كل بناية ومنشأة فيها. تجمعات سكنية واقتصادية متكاملة تستخدم حلول نقل شمولية وذكية نظيفة، بحيث تركز على وسائل النقل العام الحديثة والمريحة والذكية الكفؤة والفاعلة من الحافلات الذكية وسيارات الأجرة والتي تعمل على الكهرباء (بسائق أو بدونه)، بالإضافة إلى “المترو” و”الترام” ، فتقلل بذلك من استخدام المركبات الخاصة لحدودها الدنيا وتسمح فقط لتلك التي تعمل على الطاقة الكهربائية للسير على شوارعها (ومثال ذلك مدينة هلسنكي). مدن تتبنى أسلوب الإدارة المناطقية والشمولية والذكية لعمليات التدفئة والتبريد للمنشآت والمباني، وتقوم بإعادة تدوير واستخدام مياهها، كما تقوم بتجميع النفايات الورقية والبلاستيكية والمعدنية فيها من خلال شبكات أنابيب مضغوطة تحت الأرض مرتبطة بكل منشأة ومبنى، فلا حاجة بها بذلك لحاويات تجميع النفايات، بحيث تسحب وتشفط هذه النفايات من خلال تلك الأنابيب المضغوطة، كل حسب نوعها، من المنشاة لمراكز التدوير مباشرة لإعادة تأهيلها وتصنيعها (ومثال ذلك مدينة سونغدو في كوريا الجنوبية). مدن تسعى لتخفيض انبعاثات غازات ثاني أكسيد الكربون لحدودها الدنيا أو إزالتها تماما (ومثال ذلك مدينة مصدر في أبو ظبي)، وللتأكد من ذلك تقوم بتركيب مجسات لقياس انبعاثات الغاز السام في المناطق المختلفة فتقوم باتخاذ إجراءات فورية لتخفيضها في حال تجاوزت الحدود المسموحة. هي مدن تسعد الروح كما تسعد الجسد من خلال تركيزها على البعد الثقافي لها، وذلك من خلال انتشار المكتبات والمتاحف والمسارح (ومثال ذلك متحف اللوفر في جزيرة السعديات في أبو ظبي ودار الأوبرا بجانب برج خليفة في دبي). بالإضافة لكونها نظيفة ومستدامة، فهي مدن ذكية تسعى لتبني حلول تقنية حديثة متكاملة لإدارتها وتقديم الخدمات الذكية الشمولية لقاطنيها والمستثمرين فيها من خلال شبكات الألياف الضوئية (فايبر أوبتك) المتقدمة وال “واي فاي” وال “لاي فاي” و “انترنت الأشياء” وغيرها.

ألعديد من أشقائنا تنبه لهذه الحقيقة، فاتخذ الإجراءات الفعلية للبدء بإقامة مدنهم المستدامة المؤمل منها أن تساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية على حد سواء وتحقيق سعادة المواطنين… ألقاهرة الجديدة…ستكون ألعاصمة الجديدة لجمهورية مصر العربية ستقام على مساحة 700 كيلومتر مربع وبتكلفة إجمالية حوالي 50 مليار دولار. ستكون موئلا ل 5 ملايين نسمة (مقارنة مع 20 مليون في العاصمة الحالية) وستحوي حديقة مركزية بمساحة ضعف سنترال بارك في نيويورك، وتبعد 10 دقائق فقط عن وسط المدينة. كما ستحوي المدينة الجديدة على 660 مستشفى و1250 جامع وكنيسة ومدينة ترفيهية أربعة أضعاف مساحة “ديزني لاند”. ستحوي المدينة أيضا 21 منطقة سكنية و25 منطقة متخصصة مالية وتجارية وإبداع وابتكار وتكنولوجيا معلومات ومعارض ومسارح ودوائر حكومية وسكن لمحدودي ومتوسطي الدخل بالإضافة للمساكن الفارهة بإجمالي حوالي 1.1 مليون مسكن، لتصبح بذلك أكبر مدينة منظمة ومصممة ومنشأة منذ البداية وفق معايير الاستدامة. مدينة سيستغرق تصميمها وبناؤها حوالي السبعة أعوام.

مدينة الملك عبدالله بن عبد العزيز الاقتصادية على البحر الأحمر على مساحة 181 كيلومتر مربع تهدف لأن تكون مدينة مستقبلية ذا بنية تحتية مطورة وحلول إقتصادية سكنية متكاملة، بحيث ستحوي على ميناء سيكون واحدا من أكبر عشرة موانئ في العالم. كما ستحوي على “الوادي الصناعي” والذي يهدف لأن يكون المركز الإقليمي الجديد للخدمات والصناعات اللوجستية، و”الأحياء الساحلية” ذات المرافق التعليمية عالمية المعايير وأسلوب الحياة المميز من الخدمات والمرافق الاجتماعية والرياضية والترفيهية والمساجد والمساحات الخضراء و” حي البيلسان” النابض بالحياة والذي يحيط ب “المارينا” الساحلية، بالإضافة ل “منطقة الحجاز” ذات الفن المعماري الحجازي بقالب حديث معاصر، ليحتوي على محطة “قطار الحرمين السريع” والتي ستصل المدينة بباقي المدن السعودية وتعمل على نقل ملايين الحجاج والمعتمرين كل عام.
عاصمة الأردن الغراء، حبة الفؤاد وواسطة العقد، عمان، تم إنشاؤها قبل تسعة عقود على أنقاض المدينة الرومانية “فيلادلفيا” والتي لم يكن مقدرا لها بأي حال من الأحوال بأن تأوي ثلاثة ملايين نسمة بالإضافة إلى موجات متلاحقة من مئات آلاف اللاجئين عبر عقود. عاصمة، وبالرغم من كل الجهود الحثيثة والدؤوبة والمتواصلة والمقدرة لتحديثها وتطوير بنيتها، إلا أنها ما زالت تفتقر لشبكة مواصلات حديثة ومتنزهات وممرات متصلة للمشاة ومواقف سيارات ومراكز ترفيهية، هذا ناهيك عن البنية التحتية المتهالكة وكثيرة العطب والتي أصبحت عاجزة تماما عن تحمل مزيد من ضغوط التزايد السكاني، ولنا فيما يحدث كل شتاء من فيضانات وسيول في الطرق وغرق المناطق المنخفضة، وما يصاحب كل ذلك من خسارة بشرية ومادية فادحة، لخير دليل على ذلك. العاصمة، وفي ظل الظروف الحالية والمتوقعة على المستقبل المنظور، تجاوزت حدود إمكانية الإصلاح والتطوير وبما يلبي الحد الأدنى من احتياجات وتطلعات سكانها، وعليه فإنه سيكون من الأسهل والأقل تكلفة وجهدا وعناء ووقتا بأن يتم بناء مدينة جديدة على أن يتم الإستمرار بإنفاق أضعاف مضاعفة منها في محاولات لإجراء إصلاحات جذرية لما هو موجود. إجراءات لن تكون فاعلة بأي حال من الأحوال وستؤول حتما للفشل.
ألأردن يستحق مدنا مستدامة مصممة وفق أعلى الأسس والمعايير الدولية. يكون أولها إنشاء مدينة اقتصادية وذكية ونظيفة مصممة من الصفر ومنظمة وفق مخطط شمولي متميز ومحكم. حدائق ومساحات خضراء واسعة تشكل على الأقل 60% من مساحة المدينة. بنية تحتية وتقنية متقدمة. نظام نقل شمولي ونظيف وذكي ومتكامل من حافلات سريعة ذكية وشبكة مترو وسيارات أجرة ذكية ونظيفة وسيارات خاصة بحدودها الدنيا مسيرة على الطاقة الكهربائية، ومناطق سكنية واقتصادية ومالية وثقافية متخصصة منظمة ومصممة بشكل شمولي ومتكامل وأخاذ، وهو ما لا تستطيع العاصمة الحالية تقديمه… مدينة تجمع وتدمج وتصهر ما بين العصرية والحداثة مع التراث والأصالة لتقدم خدماتها الذكية لقاطنيها والمستثمرين فيها على حد سواء فتحقق بذلك سعادتهم… مدينة “الملك عبد الله الثاني المستدامة الذكية”…
مدينة “الملك عبد الله الثاني المستدامة الذكية” المقترحة يمكن أن تقع إلى الجنوب من العاصمة عمان بحيث تبدأ حدودها ضمن نطاق 20-30 كيلومترا إلى الجنوب والجنوب الشرقي لمطار الملكة علياء الدولي، مما يجعلها قريبة إلى المطار الدولي من جهة الجنوب وللطريق الدولي، بالإضافة لقربها أكثر من حوض الديسي لتزويدها بالمياه التي تحتاجها، قبل تدوير وإعادة استخدام هذه المياه داخل المدينة. كما أن ذلك الموقع يقرب المدينة أكثر إلى وسط المملكة وبالتالي يعمل على توزيع مكتسبات التنمية وتوجيهها جنوبا والذي يفتقر حاليا الى كثير من مظاهر هكذا تنمية. مدينة يمكن أن تكون بمساحة حوالي 150-200 كيلومترا مربعا وتأوي حوالي مليون نسمة.
ستتشابه المدينة المقترحة مع شقيقاتها العربية، القاهرة الجديدة ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية ومدينة مصدر، في كثير من المجالات والتي من أبرزها بانها ستكون جميعا مصممة وفق أعلى معايير التخطيط الشمولي والاستدامة العالمية. ولكنها بنفس الوقت ستختلف عنها جميعا. مدينة الملك عبد الله الثاني المستدامة الذكية ستكون أصغر بكثير من القاهرة الجديدة (حوالي خمس المساحة وخمس عدد السكان)، كما أنها ستكون مدينة اقتصادية ثقافية اجتماعية وبيئة مستدامة، ولكنها لن تكون العاصمة السياسية الجديدة كما هو الحال في القاهرة الجديدة. فعنوان التمثيل السياسي والتاريخي للوطن لا يمكن، ولا يجب، تغييره. فعبق الهاشميين هناك وضريح الحسين هناك وبسمان ورغدان والراية هناك ورئاسة وصفي وهزاع هناك والمدرج والقلعة هناك…. من ناحية أخرى فإن المدينة الأردنية الجديدة ستتشابه مع شقيقتها وسميتها في السعودية مساحة، ولكنها لن تكون مثلها متركزة حول ميناء ومنطقة صناعية ولوجستية، بل ستكون مدينة خضراء سكنية واقتصادية وثقافية شمولية متكاملة. كما أنها ستكون أكبر من مدينة مصدر الإماراتية والمخطط لها بأن تأوي عشرات الآلاف من السكان فقط.
التكلفة المتوقعة لإنشاء “مدينة الملك عبد الله الثاني المستدامة الذكية” ستكون حوالي 10 مليارات دولار (مقارنة مع 50 مليار دولار للقاهرة الجديدة)، نصفها تقريبا على البنية التحتية والتقنية المتقدمة. وقد يتساءل المرء، كيف لبلد “فقير” ومدان ب 25 مليار دينار بأن يقوم حتى بالتجرؤ بالتفكير بإقامة هكذا مشاريع ضخمة؟!. والجواب على ذلك سهل وبسيط، فالأردن ليس فقيرا!!!. فبلد تتجاوز ودائع مواطنيه في بنوكه 32.8 مليار دينار (حوالي 46 مليار دولار) وفق نشرة البنك المركزي لشهر ديسمبر 2016، وأكثر منها في البنوك الخارجية لا يمكن وصفه ب “الفقير”. ومواطنوه ومستثمروه، مقيمون ومغتربون، سيكونون قادرين، لا بل راغبين ومتشوقين ومتعطشين، على إستثمار جزء قليل من هذه الودائع في مشروع إقتصادي وطني ضخم يمتلك كافة عناصر النجاح، ويضمن لهم العيش في بيئة تتوفر فيها كل مقومات السعادة. وسيحذو حذوهم المستثمرون الدوليون الذين سيرون في المدينة المستدامة الجديدة فرصة لا تعوض لإقامة مشاريعهم الاقتصادية ضمن بيئة عصرية نظيفة ومستدامة تتوفر فيها كل عناصر النجاح والنمو والربحية على المدى البعيد. تخطيط المدينة الجديدة وإدارة المشروع يمكن أن يتم بالتعاون مع أشقائنا وشركائنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تمتلك وتختزن شركاتها المطورة الوطنية العملاقة المعرفة والخبرة والتجربة الكافية لإقامة هكذا مشاريع ضخمة. أما مشاريع خدمات المدينة من شبكات النقل الذكي المتكامل والطاقة وإدارة وتدوير النفايات وغيرها فيمكن تنفيذها من خلال أسلوب “بناء- تشغيل- نقل” أو “بناء- تشغيل- تملك” أو “عقود إدارة” أو غيرها من الأساليب الفعالة والكفؤة. ولضمان نجاح المدينة على المدى البعيد والأخذ بالبعد الاجتماعي بعين الاعتبار، لا بد من إشراك المواطنين بشكل عام والمجتمعات المحلية بشكل خاص في ملكية المدينة الجديدة والعمل بها. ولجمع كل هؤلاء (مواطنين ومستثمرين محليين مقيمين ومغتربين ومستثمرين دوليين وشركاء استراتيجيين ومجتمعات محلية) في بوتقة واحدة لتحقيق الحلم وإعطائهم جميعا الفرصة لتملك حصة فيه، فأنه من الممكن تأسيس شركة مساهمة عامة لإنشاء وإدارة هكذا مدينة.
أما بالنسبة للبنية الفوقية، فإن الدولة ستكون بداية مالكة لأجزاء واسعة من الأرض في المدينة الجديدة، وبإمكانها أن تستغل هذه الملكية لمنحها بأسعار محفزة في بداية عمر المشروع للمستثمرين الكبار بهدف تشجيعهم وحثهم على استثمار مئات الملايين من الدولارات في إقامة مشاريع التطوير السكنية المتكاملة والأبراج والتجمعات التجارية والمدن الترفيهية والرياضية والمشاريع الصحية والتعليمية وغيرها. ويمكن مع نضج المشروع بيع هذه القطع بقيمها التجارية والتي ستكون قد ارتفعت بشكل كبير بعد الانتهاء من تنفيذ المراحل الأولية منه.
عندما تبنى المدن المستدامة الذكية فإن المستثمرين والمواطنين سيأتونها للإستثمار بها والسكن فيها…فإذا ما تم تخطيطها وتنفيذها بشكل صحيح، وفق إطار حوكمة محكم، فإن المدينة الجديدة ستصبح مصدر دخل رئيسي للدولة من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية على حد سواء.
بناء مدينة جديدة لن ينتقص من جهود التحديث والتطوير الموجهة لمدينة عمان أو المدن الأخرى القائمة حاليا، بل على العكس تماما فإن ذلك من شأنه أن يدعم هذه الجهود من خلال جذب عشرات ومئات الاف من قاطنيها للمدينة الجديدة، وبالتالي تخفيف العبء عن كاهلها وعن بنيتها التحتية، فإعطائها مزيدا من المرونة لتنفيذ برامج التحديث والتطوير فيها بفاعلية وكفاءة أكبر. هذا بالإضافة لأن هكذا مدينة، وفي حال نجاحها، يمكن أن تصبح نواة وتجربة يحتذى بها لإقامة مدن مستدامة أخرى في كافة أرجاء المملكة ك “مدينة إربد الجديدة المستدامة للمعرفة ورأس المال البشري” و “مدينة الزرقاء الجديدة المستدامة للخدمات اللوجستية” و “مدينة الجنوب المستدامة لعلوم الأرض” وغيرها.
لكل مدينة قصة وحكاية… فلنبدأ بكتابة فصول “مدينة الملك عبد الله الثاني المستدامة الذكية” بهمة ومعنوية عالية…
فالأردن يستحق ذلك… وأكثر منه بكثير…
حفظ الله الأردن عزيزا وقويا ومنيعا… وحماه شعبا وأرضا وقيادة…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.