صحيفة الكترونية اردنية شاملة

إشعاعات أنظمة الاتصالات وأثرها على الصحّة العامة

شهد العالم في العقود القليلة الماضية تحوّلات جذرية مسّت جوانب الحياة البشرية بمختلف مجالاتها، وكان التقدّم العلمي والتطوّر التكنولوجي هما المحرّك الأساسيّ لهذه التغيّرات التي لعب بها قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات دوراً محورياً هاماً، إذ استطاع هذا القطاع استيعاب أهمّ هذه التطوّرات والاستفادة منها، وترافق ذلك بطبيعة الحال مع انتشار كبير لأبراج الاتصالات الراديوية والأجهزة اليدوية التابعة لها، والتي صار استخدامها أحد أهمّ ملامح الحياة البشرية في السنوات الأخيرة.

وكما هو معروف فإنّ هوائيات الهواتف الخلوية وأبراج الاتصالات الراديوية الخلوية تتضمن وجود أجهزة ومحطات راديوية ثابتة ومتنقلة تعمل على إصدار أمواج كهرومغناطيسية تنتشر في أرجاء العالم، وإزاء ذلك فقد كان من الطبيعي أن يشاع في أوساط المجتمعات كثير من الشائعات التي تشير إلى وجود مخاطر صحية جرّاء تلك الأمواج، وبشكل شبه حصري عن تلك المتعلقة بأنظمة الاتصالات الخلوية سواء أكانت صادرة عن أبراج محطات الاتصالات أو من الأجهزة الخلوية، علماً بأنها ليست المصدر الوحيد الذي يبث الأمواج الكهرومغناطيسية، بل وتصدر هذه الأمواج أيضاً من أجهزة أخرى مختلفة مثل أجهزة المايكرويف في المنازل وفي شبكات الاتصالات الراديوية العاملة بتكنولوجيا (WiFi)، وأنظمة البث الاذاعي المرئي والمسموع وغيرها. وعلى هذا النحو، فإنّ الإنسان يجد نفسه محاطاً على نحو مستمرّ بهذه الإشعاعات الصناعية أو الطبيعية كالشمس، وهذه الحقيقة تمثّل الخطوة الاولى في فهم ماهيّة تأثير هذه الإشعاعات على الصحّة العامة.

أنواع الأمواج الكهرومغناطيسية وتأثيرها على الإنسان

تُصنّف الأمواج الكهرومغناطيسية إلى نوعين رئيسيين: الأول هو الإشعاعات المؤيِنة، التي تحتوي على طاقة مرتفعة نسبياً تزيد في ترددها عن المليون جيجا هيرتز، ومن أبرز الأمثلة عليها الأشعة الكونية، والأشعة السينية، وأشعة جاما والأشعة الصادرة عن الانفجارات النووية، حيث تكمن خطورة هذا النوع من الأشعة في كونها قادرة على إحداث تغييرات على جزيئات الخلايا الحيّة ومن ثمّ إلحاق الضرر بها لاسيّما عند التعرض لها لفترات زمنية طويلة جداً.

أما النوع الثاني هي الإشعاعات غير المؤينة، والتي تحتوي على طاقة منخفضة نسبياً، وتستخدم في تشغيل جميع أنواع شبكات ومحطات وأجهزة الاتصالات الراديوية، كتلك التي يتم تركيبها على أبراج الاتصالات، وفي الأجهزة المتنقلة اليدوية، ومن الجدير بالذكر أن الإشعاعات غير المؤينة لا تؤثر على صحة الإنسانها كونها تستخدم طاقة منخفضة، شريطة أن يكون مستوى التعرّض لها ضمن الحدود المرجعية الآمنة والمعتمدة عالمياً.

دراسات علمية وعالمية

لقد كانت الصحافة مجالاً خصباً للشائعات حول وجود مخاطر صحية ناجمة عن أبراج الاتصالات والأجهزة اليدوية ذات العلاقة، مما زاد من قلق الناس في مختلف دول العالم، وجعلهم ينظرون بعين القلق والخوف إليها على الرغم من أن الإشعاعات الصادرة عنها تنتمي إلى فئة الإشعاعات غير المؤيّنة، ولعلّ اللافت في كلّ هذه الشائعات أنها لا تصدر عن أشخاص مختصين، ولا تتبناها جهات علمية أو صحيّة موثوقة ومعترف بها على المستويين المحلي والعالمي، وقد دفع ذلك كثيراً من المنظمات والهيئات العالمية إلى إجراء بحوث ودراسات للوقوف على تأثير الإشعاعات الكهرومغناطيسية الراديوية على الصحّة العامة لغايات تزويد المجتمعات المحلية بمعلومات علمية موثوقة، حيث أكّدت منظمة الصحّة العالمية (WHO)، ووكالة الحماية الصحيّة البريطانية (HPA)، وسلطة الحماية من الإشعاعات السويدية(SRAS)، ووكالة الإرشاد المستقلة للإشعاعات غير المؤينة البريطانية (AGNIR) وغيرها من منظمات وهيئات عالمية أنّ نتائج الدراسات العديدة التي أجرتها، والتي امتدّ بعضها على مدى سنوات طويلة، لم تُثبت وجود أيّ تأثير سلبي على صحّة الإنسان عند التعرض للإشعاعات الراديوية الكهرومغناطيسية إذا كانت ضمن الحدود والمعايير المعتمدة عالمياً، بل وتُؤكّد أنّ هذه الإشعاعات لا تزيد من احتمالية الإصابة بأي نوع من أنواع مرض السرطان وأن الأثر المُثبت لاستخدام الأجهزة الخلوية والمُشابهة لها هي زيادة حرارة الجسم، كما أفادت منظّمة الصحة العالمية بأنّ الدراسات التي أجريت في أماكن مختلفة من العالم أكّدت أنّ مستويات التعرّض للأشعة الصادرة عن أبراج الاتصالات والأجهزة اليدوية في الأماكن التي يتواجد فيها العامة من الناس تكون في العادة بمستويات أقل من تلك الحدود المسموح بها وبشكل كبير جداً.

معايير عالمية

دأبت بعض المنظمات والمفوضيات الدولية المختصة والمستقلة، على إجراء العديد من الدراسات والأبحاث بهدف وضع معايير فنية مناسبة يمكن اعتمادها للحد من التعرض للحقول الكهرومغناطيسية الصادرة عن الأجهزة والمحطات الراديوية، فأوجدت على سبيل المثال معيار معدل الامتصاص النوعي (SAR)، لقياس وتقييم الإشعاع الصادر عن مختلف أجهزة الاتصالات الراديوية الخلوية المتنقلة واليدوية، ووضعت حدوداً عليا لعدم تجاوز هذه المعدلات عند تصنيع الأجهزة، فوضعت المفوضية الدولية للوقاية من الإشعاع غير المؤين (ICNIRP) معدل تعرَّض يختلف قيمته باختلاف النطاق الترددي المستخدم في تشغيل الأجهزة مقاساً بالواط لكل كلغم من الجسم، فمثلا عند تشغيل الأجهزة المتنقلة باستخدام النطاقات الترددية (900) و (1800) ميجاهيرتز المخصصة محليا وعالميا في تشغيل شبكات الاتصالات الراديوية الخاصة بتقديم خدمات الجيل الثاني والرابع المتنقلة يجب أن لا تتجاوز قيمتها عن (4 واط/كلغم) من وزن الجسم. وعطفاً على مثل هذه المعايير، فإنّ كثيراً من الدول والجهات العالمية المختصة وضعت مواصفات خاصّة لإدخال أجهزة الاتصالات الراديوية المتنقلة واليدوية، والسماح باستخدامها استناداً إلى معدّل الامتصاص النوعي للأشعة (SAR) فقط.

ومن ناحية أخرى، تم إيجاد وتبني عدة معايير فنية أخرى لقياس وتقييم مستويات الإشعاعات الصادرة عن مختلف أبراج محطات الاتصالات الراديوية، فمثلا تم وضع واعتماد ما يعرف بكثافة القدرة الكهرومغناطيسية كمقياس لاحتساب الحدود الآمنة عند التعرض للحقول الكهرومغناطيسية، حيث تم تحديد القيمة القصوى المسموح بها عند استخدام النطاق الترددي (1800) ميجاهيرتز 9واط/م2 من مساحة الجسم، وللنطاق الترددي (900) ميجاهيرتز بـ 4,5 واط/م2 من الجسم.

أبراج الاتصالات والأجهزة اليدوية

كثيراً ما يشتكي الناس من أبراج الاتصالات الموجودة على أسطح وجدران الأبنية، أو في الأماكن القريبة من التجمعات السكانية والمدارس، خَشية أن الإشعاعات الصادرة عنها تؤثّر على صحتهم، متناسين أنّ بين أيديهم أجهزة تُصدر مثل هذه الإشعاعات أيضاً، وهي الأجهزة الخلوية الشخصية واليدوية، وهنا وجب التمييز بين آليات إدارة الطاقة الكهرومغناطيسية في كل من أبراج الاتصالات الراديوية والأجهاز الخلوية من حيث الكمية اللازمة لإرسال واستقبال إشارات الاتصالات لتقديم مختلف أنواع الخدمات، فكلما كان الإنسان قريباً من برج الاتصالات زاد تعرضه للأشعة بشكل عام وأن علاقة طاقة البث مع المسافة تتناسب عكسياً مع مربع المسافة، فمثلاً الطاقة على بعد 2متر يساوى رُبع الطاقة على بعد 1متر، من هوائي البث، مع الأخذ بعين الاعتبار أن اتجاه مخطط الإشعاع الرئيسي للهوائي، هو الذي يجعل من يوجد أسفل البرج أقل تعرضاً للإشعاعات من ذلك الذي يكون على مسافة أبعد عنه على خط منتصف الهوائي، أو وقع في اتجاه الإشعاع الرئيسي للهوائي، بينما تشع الأجهزة الخلوية الشخصية معدلات طاقة انبعاث مختلفة لاتتجاوز 2 واط، وأن هذه الأجهزة تكيِّف الطاقة الصادرة عنها بشكل ذكي أوتوماتيكي فكلما زاد بعد الجهاز عن البرج المغذّي له زادت الاشعاعات الصادرة عنه، وكلما اقترب من البرج أصبحت القيمة في حدودها الدنيا، ومن الجدير بالملاحظة والانتباه أن استخدام الأجهزة الخلوية يكون عادةً قريباً من رأس المستخدم، مما يعني أن نسب من الإشعاعات ممكن أن يمتصها جسمه في حال المبالغة في الاستخدام، وكمية الإشعاعات التي تصل إلى الجسم ستكون من الأجهزة المحمولة أكثر من أبراج الاتصالات.

دور هيئة تنظيم قطاع الاتصالات

على الرغم من أن الدراسات المختصة الصادرة عن الجهات العلمية والصحية الموثوقة تؤكد على عدم وجود آثار سلبية تنتج عند التعرض للأمواج الكهرومغناطيسية ضمن الحدود والمسافات الآمنة، إلا أن الهيئة تتخذ العديد من الإجراءات التي تحرص من خلالها على حماية مصالح المستفيدين من خدمات الاتصالات، على سبيل المثال اعتمدت الهيئة المعايير الدولية الصادرة عن المفوضية الدولية للوقاية من الإشعاع غير المؤين (ICNIRP) لتحديد مستويات الإشعاع الآمن واعتمدتها لغايات عمليات ترخيص إنشاء وتشغيل محطات الاتصالات الراديوية، بالإضافة إلى منح الموافقات النوعية والإدخال لمختلف أنواع أجهزة الاتصالات الراديوية المتنقلة، بهدف تحقيق أقصى درجات الحماية للمجمتع المحلي الأردني، بالإضافة إلى الإجراءات التي تعتمدها الهيئة وتحرص عليها فإنها تتعامل بكلّ جديّة ومتابعة مع كل الشكاوى التي تردها من المواطنين، كما ويقوم فريق فني مختص من الهيئة بعمل جولات كشفية دورية لقياس قيم كثافة القدرة الكهرومغناطيسية المنبعثة من المواقع الراديوية للتحقق من بقائها ضمن المعدلات الآمنة والمسموح بها، من خلال الاستعانة بأحدث الأجهزة والبرامج الهندسية المختصة.

ولغايات إنشاء أي موقع راديوي(برج اتصالات خلوية)، على الشركة الطالبة تقديم طلب مفصّل من الهيئة يسبق إنشاء الموقع، يتضمن كافة المعلومات الفنية اللازمة الخاصة بالموقع لتمكين الهيئة من دراسة تلك المعلومات والتأكد من موافقتها لتعليمات تحديد أثار التعرض للحقول الكهرومغناطيسية المعتمدة من قبل الهيئة، بالإضافة إلى أن الهيئة تقوم بإجراء الفحوص الميدانية إذا اشتكى أحد المواطنين من وجود برج اتصالات قريب من سكنه.

كما وتضطلع الهيئة بدور توعوي في هذا الإطار، حيث تقوم الهيئة بإطلاق حملات توعوية مختلفة للحد من التعرض للإشعاعات الكهرومغناطيسية منها: نَصْح مستخدمي الهواتف الخلوية استخدام سماعات الأذن أو استخدام شبكة السيارة Bluetooth عند القيادة عوضاً عن الاستخدام المباشر للأجهزة الخلوية، وتقليل استخدام الأجهزة في المناطق ضعيفة التغطية، وكذلك عدم السماح للأطفال باللعب بهذه الأجهزة إلا إذا كانت في وضع الطيران حتى يتم فصلها عن شبكات الاتصالات، وفي السياق ذاته تنصح الهيئة بتجنّب وضع الأجهزة الخلوية تحت وسائد النوم أو السرير أو وضعها بالقرب من أجهزة تنظيم دقات القلب لدى مستخدميها من مرضى القلب، أو وضع الجهاز الخلوي وتحت غطاء الرأس الحجاب عند إجراء المكالمات.

التعليقات مغلقة.