صحيفة الكترونية اردنية شاملة

اقتصاديون والتضخم المرغوب

د. جمال الحمصي

نشرت جريدة يومية مؤخراً مقالاً لاقتصادي مخضرم عنوانه “التضخم الحالي مطلوب”. ملخص المقال ان معدل التضخم المتحقق محلياً في عام 2017 والذي بلغ 3.3% هو تضخم مرغوب، وحسب تعبير المقال المذكور هو تضخم “صحي وليس مدعاة للقلق”.

سأفند في مقالي هذا مقال الاقتصادي المخضرم ومضامينه المستقبلية الهامة، سيما وأن توقعات التضخم في عام 2018 ستكون نحو الارتفاع لأسباب معروفة وربما يصل الى 5%، وما يتبعه من تراجع متوقع في القوة الشرائية لذوي الدخل المحدود، بمن فيهم العاملين بأجر ومتلقي المعونة الوطنية ومتقاعدي الدولة والضمان الاجتماعي، حتى بعد التعويض الجزئي عن “رزمة” ارتفاعات الأسعار لمن يقل دخل اسرته عن 1000 دينار شهرياً.

سأبدأ بجوانب الالتقاء. نعم يعتقد الاقتصاديون عموماً بأن تحقيق معدل “معقول ومتدن” للتضخم هو أمر محمود كونه يشجع الاستثمارات الجديدة ويكافئ الاستثمارات القائمة من خلال ارتفاع أسعار منتجاتهم، لكن هذا صحيح ضمن ظروف وشروط تناساها مقال الاقتصادي، وهي:

  • ان يكون التضخم مدفوعا بزيادة الطلب (انتعاش اقتصادي) وليس بارتفاع التكاليف (جراء ارتفاع الأسعار العالمية للنفط أو زيادة الضرائب على القطاع الخاص والعائلي مثلاً).
  • ان لا يتجاوز 2 في المدى المتوسط وليس أعلى من ذلك.
  • ان يترافق مع آليات متناسبة للربط بين الأسعار والأجور.

ضمن هذه المتطلبات، يمكن اعتبار تضخم أسعار المستهلك أمراً مرغوباً، لكن هذا بمجمله -للأسف- لا ينطبق على حالة الاقتصاد الاردني في المرحلة الراهنة.

وحتى حالة الربط الوحيدة في اقتصادنا بين مستويات الاجور ومستويات الأسعار، وهي للعلم ضمن نظام الضمان الاجتماعي، هذه الحالة المتقدمة والمحمودة تضع قيوداً على درجة الربط المأمول. فهي تربط بين معدل زيادة الرواتب التقاعدية وبين معدل زيادة المستوى العام للاجور في الاقتصاد الاردني ككل وليس نمو الأسعار فقط.

ان امتداح معدل للتضخم يفوق 3% في المملكة في الظروف الحالية كمن يمتدح ظاهرة التضخم المترافق مع تباطؤ النمو (حالة أقل رداءة من التضخم الركوديStagflation )، وهذا لا يقول به اقتصادي.

فمعدلات النمو الاقتصادي خلال الربع الثالث من عام 2017 والذي صدرت بياناته الاولية مؤخراً من قبل دائرة الاحصاءات العامة تشير الى استمرار حالة التباطؤ في النمو الحقيقي، رغم اصلاحات السياسة الاقتصادية بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي.

اذ أظهرت هذه البيانات ان النمو الحقيقي في الربع الثالث لم يتجاوز 1.9%، وكان التباطؤ ملموساً في قطاعات الصناعات التحويلية والانشاءات وتجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق. وهذا لا ينسجم عموماً مع التوقعات المتفائلة الصادرة عن مؤسسات دولية بخصوص آفاق النمو الاقتصادي.

في ظل هذه الظروف، فان المطلوب هو تسهيل ودعم نمو القطاع الخاص والموجه نحو الخارج من خلال ترويج الصادرات وتخفيض تكاليف الانتاج وتحسين القدرة التنافسية في مجال السعر والجودة، وليس العكس.

أما امتداح التضخم -أو ارتفاع الأسعار- كونه يحسن من مؤشرات رئيسية في الاقتصاد الاردني كعجز الموازنة أو المديونية العامة اذا ما قيست كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي الاسمي (أي الناتج متضمناً الكميات والأسعار)، فهذا تفكير مبسط وتحسن سطحي في نتائج الاقتصاد الكلي. فالمطلوب هو تحسن هذه النسب الأساسية جراء تحقيق نمو انتاجي حقيقي في الاقتصاد وليس نتيجة تضخم الأسعار.

نعم، جزء من التضخم المتحقق في عام 2017 سببه ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، لكن هذا لا يعني أن نفاقم الوضع العالمي باجراءات محلية تساهم في رفع المستوى العام للأسعار بوتائر تتجاوز 2%.

الارتفاع الراهن في مستويات أسعار النفط الخام عالمياً يذكرنا مرة أخرى بأهمية التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد في قطاع الطاقة نحو تحقيق حد أدنى من “أمن الطاقة” وتنويعها باتجاه الطاقة المتجددة والقطاعات الخضراء. فهذا جزء أساسي من جهود بناء الاقتصاد على أسس مزدهرة ومستدامة.

التعليقات مغلقة.