صحيفة الكترونية اردنية شاملة

العملات الرقمية تفقد كثيرا من بريقها .. التقلبات تزيد هجوم خصومها

خلال العام الماضي، احتلت أخبار العملات الافتراضية – تحديدا عملة “بيتكوين”، المعروفة بسيدة العملات الافتراضية، أو العملة الذهبية – عناوين الأخبار ووسائل الإعلام، مدعومة بارتفاع متواصل في أسعارها.
فقد قفزت قيمة “بيتكوين” من قرابة ألف دولار في كانون الثاني (يناير) من عام 2017 إلى قرابة 20 ألف دولار في نهاية العام، وبالطبع لا تزال أخبار “بيتكوين” تحتل عناوين الأخبار منذ بداية العام الراهن، لكن بكثافة أو غزارة أقل مما كان عليه الوضع العام الماضي.
فالأخبار المتداولة لا تسر كثيرا مناصري ذلك النوع من العملات، والوضع المتذبذب لها، وخسارتها جزءا كبيرا من قيمتها التي اختتمت بها العام الماضي، أفقدتها كثيرا من البريق، وزادت من صعوبة التنبؤ بأسعارها المستقبلية، وأتاحت لخصومها ومنتقديها مدخلا لتعزيز الهجوم عليها.
وقد تجلى هذا التقلب السعري الأربعاء الماضي بشكل ملحوظ وفج، فمؤشر أسعار “بيتكوين” ارتفع في قرابة الساعة الرابعة إلى 11711 دولارا، وبالوصول إلى ذلك المستوى من الأسعار، سادت توقعات بأن العملة الذهبية ستتجاوز سقف الـ 12000 دولار، لكن خلال أقل من ثلاث ساعات انخفض سعر سيدة العملات إلى 10889 دولارا، وبالطبع أوجد ذلك مناخا تشاؤميا بأن الأسعار ستواصل الانخفاض، لكن بخلاف التوقعات ارتفعت الأسعار إلى 11608 دولارات أمريكية، ورغم ذلك الارتفاع فشلت الأسواق في اليوم التالي في مواصلة قوة الدفع، فانخفضت الأسعار إلى أدنى مستوى لها في ثلاثة أيام لتصل إلى 10321 دولارا.
وتقدر قيمة أكبر 20 عملة إلكترونية بنحو 150 مليار دولار، وفقًا للبيانات فقد ارتفعت “بيتكوين” نفسها أكثر من 380 في المائة في عام 2017، لكنها مع ذلك عرضة للتقلبات القاسية، مثل التراجع بنسبة 50 في المائة الذي حصل في نهاية عام 2013.
ويقول دانييل هيلر، زميل زائر في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي ورئيس سابق للاستقرار المالي في البنك الوطني السويسري “على الصعيد العالمي، هناك حاجة ملحة للوضوح التنظيمي نظرا لنمو السوق”.
آندي بيل المحلل المالي في بورصة لندن يرى أن “هذا النوع من التقلبات جزء أصيل في مفهوم العملات الافتراضية، وبالطبع يعود في جزء منه إلى أن العملات الافتراضية لم يتم الاعتراف بها دوليا، بشكل يضفي عليها مسحة أكبر من الاستقرار، فمعظم البنوك المركزية في العالم ترفض الاعتراف بها، وهذا يفقدها المصداقية، والقبول بها على نطاق واسع في الأسواق”.
ويضيف لـ “الاقتصادية”، أن “على سبيل المثال تحذير البنك المركزي النيجري، وهو أحد أكبر وأهم البنوك المركزية الإفريقية، بأن الاستثمار في “بيتكوين” نوع من “المقامرة”، ورفضه أن يمنح تلك العملة الدعم، يؤكد غياب الود بين البنوك المركزية خاصة في الاقتصادات الناشئة والعملات الافتراضية”.
ويؤكد لـ “الاقتصادية”، الدكتور جون هال أستاذ البنوك والنقود، أن ليس كل ما يلمع ذهبا، لكن الإغراء الأساسي لـ “بيتكوين” يكمن في الارتفاع المتواصل في أسعارها العام الماضي، لكنها تفتقد الاستقرار والثبات، والآن بعد مرور تسعة أعوام على ظهورها، فإن اعتراف بعض البنوك المركزية بها، وسعي البعض الآخر إلى تنظيمها، لا ينفي قلق الجميع منها، خاصة من الارتفاعات والانخفاضات غير المبررة اقتصاديا”.
ويستدرك هال قائلا “البنوك المركزية باعتبارها حامية الاقتصاد الوطني لديها مشكلتان مع العملات الافتراضية عامة، الأول أن تلك العملات تستحوذ يوما بعد آخر على انتباه المستثمرين، وهذا الاهتمام المتزايد في ظل التحركات السعرية المتقلبة، كما هو حال “بيتكوين” الآن، يجعل مهمة البنوك المركزية شاقة للغاية إذا ما انهارت العملات الافتراضية، إذ سيكون عليها التدخل السريع، لإنقاذ الوضع لأن انهيار تلك العملات يعني عمليا ضياع جزء من الثروة المالية لأفراد المجتمع، وخروج جزء ملموس من ثروته المالية إلى الخارج”.
والمشكلة الثانية، في رأي هال تتمثل في أن تحدي العملات الافتراضية عبر إصدار البنوك المركزية عملات افتراضية خاصة بها، محاولة في إطار الدراسة، ولم تسفر عن نتائج ملموسة حتى الآن.
ولا شك أن البنوك المركزية في بعض البلدان، تحاول مواجهة الوضع بإصدار نسخ رسمية من تلك العملات، لكن يصعب القول أن هناك سياسة عالمية من قبل البنوك المركزية تجاه كيفية التعامل مع ذلك.
“الاقتصادية” سعت إلى التعرف على مواقف البنوك المركزية المختلفة من العملات الافتراضية، فمثلا نجد المجلس الفيدرالي الأمريكي لا يزال في إطار البحث في تلك المزايا ومخاطر العملات الافتراضية، ولا يبدو قادته متحمسين لإصدار إجابة واضحة حول موقفهم.
وكان جيروم باول محافظ البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، قد صرح بأن هناك تحديات كبيرة في صياغة علاقة سليمة بين “الفيدرالي” والعملات الافتراضية، وأن هناك “قضايا سياسية مهمة” تتعلق بالعملات الرقمية تحتاج إلى مزيد من الدراسة، بما في ذلك التعرض للهجمات السيبرانية والخصوصية والتزوير، محذرا من أن العملة الرقمية للبنك المركزي قد تعوق الابتكارات من أجل تحسين نظام المدفوعات الحالي.
ولا يزال بعض كبار واضعي السياسة المالية الأمريكية عند قناعتهم بأن العملات الافتراضية في مقدمتها “بيتكوين” ستنهار سعريا، لكن لن يؤدي انهيارها من وجهة نظرهم إلى انهيار مماثل في الاقتصاد العالمي، نظرا لمحدودية تلك العملات وعدم انتشارها مقارنة بالدولار على سبيل المثال.
أما البنك المركزي الأوروبي، فيبدو موقفه أكثر وضوحا من نظيره الأمريكي تجاه العملات الافتراضية، فقد حذر مرارا وتكرارا من مخاطر الاستثمار في تلك العملات، ورفض كبار المسؤولين فيه اعتبارها عملة، قائلين “إن الأمر فقاعة”، بل وربطوا بين التهرب الضريبي والجريمة وازدهار الاستثمار في تلك العملات، لكنهم اعتبروا أن تأثيرها في اقتصاد منطقة اليورو محدود، ولا يشكل تهديدا لسيطرة البنوك المركزية الأوروبية على النظام المالي في تلك البلدان.
فيما لا ينفي البنك المركزي الصيني رفضه النمط الراهن من العملات الرقمية، لكنه يعتبر الوقت قد حان للقبول بالتكنولوجيا في عالم العملات، وللتغلب على تلك المعضلة قرر إصدار عملة افتراضية خاصة به، على أمل أن تساعد على تحسين كفاءة الدفع والسماح بمراقبة أدق للعملات الافتراضية.
من جهته، يبدو البنك المركزي الياباني الأكثر مرونة بشأن التعامل بـ “بيتكوين”، إلا أنه لا ينظر إليها باعتبارها عملة تقوم بالسداد أو الدفع أو كوسيلة مالية للتسوية، إنما على أساس أن تداولها يجرى على أسس استثمارية، والمضاربة السريعة، كما أنه يخطط للسير على منوال البنك المركزي الصيني بإصدار عملته الرقمية الخاصة به.
من ناحيته، يحذر البنك المركزي الألماني من مخاطر العملات الافتراضية، ويعتبرها متضمنة لملامح واضحة للمضاربة، لكن “بوندسبنك” لم يعترض كثيرا على تداولها، إذ يرى قادة البنك أن خسارة المستثمرين لأموالهم نتيجة تقلبات أسعار العملات الافتراضية، لا يعد سببا كافيا لعرقلة العمل بها، شريطة الخضوع لإجراءات تنظيمية قوية.
وربما يعد بنك إنجلترا “البنك المركزي البريطاني” من أكثر البنوك المركزية تساهلا مع العملات الافتراضية، التي يعتبرها جزءا من ثورة محتملة في مجال التمويل، لكنه مع ذلك يعتبر نفسه بعيدا للغاية عن إصدار نسخة رقمية من الاسترليني.
وحذر مارك كارني محافظ بنك إنجلترا – الذي قال إن البلوكشين يحمل “وعودًا كبيرة” – المستثمرين من أجل الحفاظ على بقائهم في قمة التطورات الجديدة في مجال التكنولوجيا المالية، في حال كانوا يريدون تجنب أزمة مشابهة لتلك التي حصلت في عام 2008.
وعلى النقيض من نظيره البريطاني، فإن البنك المركزي الفرنسي يدعو الفرنسيين لتوخي الحذر الشديد فيما يتعلق بالتعامل بـ “بيتكوين”، لعدم وجود مؤسسة عامة وراءها لتوفير الثقة بها، مؤكدا أن المتعاملين بتلك العملات، عليهم أن يدركوا أنهم يقومون بذلك على مسؤوليتهم الخاصة.
أما البنك المركزي الهندي، فهو يعد من أكثر البنوك المركزية في العالم تشددا ومعارضة للعملات الافتراضية، باعتبارها قناة لغسل الأموال وتمويل الإرهاب، لكن هذا لم يمنعه من دراسة اقتراح بإمكانية استخدام تلك العملات شريطة أن تكون مدعومة من بنوك مركزية، إذ يضفي عليها ذلك درجة من الثقة والقانونية، وحتى يحدث ذلك فإن الهند تعتبر أن التعامل بهذا النوع من العملات انتهاكا لقواعد الصرف الأجنبي.
وفي سنغافورة، حيث مناخ الحرية الاقتصادية، فإن السلطات تفتخر بأنها أصدرت في الشهر الماضي تحذيرا رسميا لمواطنيها، بأنها تشعر بالقلق من استثمارهم في هذا النوع من العملات، وحذرتهم من أنهم عرضة لفقدان جميع رؤوس أموالهم، وتداخل المضاربة على تلك العملات بالجريمة المنظمة، بل تضمن البيان دعوة تحث المواطنين على سرعة إبلاغ الشرطة عن شكوكهم في هذا الشأن.
ونصل إلى كوريا الجنوبية التي ربما كان استثمار كثير من الشباب هناك في هذا النوع من العملات تحديدا “بيتكوين”، سببا لدفع رئيس الوزراء للتحذير من مخاطرها، وأنها تفسد المجتمع، حيث يركز البنك المركزي في كوريا الجنوبية على حماية المستهلكين ومنع استخدام العملات الافتراضية كأداة للجريمة.
من ناحيته، لم يتردد البنك المركزي الروسي في الإعراب علانية عن مخاوفه من المخاطر المحتملة للعملات الافتراضية، وعارضها بشكل واضح، بل وصل التشدد الروسي في هذا المجال، إلى العمل على منع المواقع التي تسمح للمستثمرين بالوصول إلى تبادل “بيتكوين”.
ويبدو أن السلوك الراهن للبنك المركزي التركي، ينطوي على محاولة لمسك العصى من المنتصف، فبينما يقر بأنه يمكن أن تسهم في الاستقرار المالي، إذ ما تم تصميمها بشكل جيد، إلا أن محافظ البنك المركزي يعترف بأنها تشكل أيضا مخاطر على البنوك المركزية، خاصة العرض النقدي واستقرار الأسعار.
لكن الموقف الراهن للبنوك المركزية الذي لا يبدي ترحيبا شديدا أو مطلقا بالعملات الافتراضية، لا يمنع بعض أنصار تلك العملات من الاعتقاد بأن الأمر سيتغير وأن العلاقة بين الطرفين ستكون أكثر صحية خلال هذا العام.
وأعرب لـ “الاقتصادية”، هاورد هويل المختص الاستثماري، عن قناعته بأن واقع العملات الافتراضية تحديدا “بيتكوين”، سيلقي بظلال إيجابية على العلاقة المستقبلية مع البنوك المركزية.
ويضيف قائلا “إحدى الوظائف الأساسية للبنك المركزي، تتمثل في إدارة الاحتياط الرسمي من الذهب والعملات الرسمية والنقد الأجنبي. وأتوقع أن نشهد هذا العام خطوة أخرى، وهي إدارة الاحتياط من العملات الافتراضية، فالبنوك المركزية لمجموعة السبع ستبدأ في شراء العملات الافتراضية هذا العام، ليس بالضرورة أن يتم التعامل معها “كأموال”، وإنما باعتبارها “أصولا”.
لكن ما أسباب ودواعي هذا التحول المتوقع من قبل البنوك المركزية لمجموعة السبع، الذي سيكون نموذجا تحتذي به البنوك المركزية الأخرى؟
يجيب هذا المختص الاستثماري، بأن “نقطة التحول ستحدث عندما تتجاوز القيمة السوقية لـ “بيتكوين” إجمالي قيمة حقوق السحب الخاصة التي تم إنشاؤها وتوزيعها على أعضاء مجموعة السبع، وتبلغ 291 مليار دولار. فمجموعة السبع تحتفظ في الغالب بعملات بعضها البعض كاحتياطات أجنبية، سواء كانت من خلال حقوق السحب الخاصة أو المباشرة، وغالبا يتم قبول الذهب كمعيار مشترك للقيمة العالمية”.
ويشير هويل إلى أن “الموقف الذي تتبناه كريستين لاجارد المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي والداعم للعملات الافتراضية، يجعل مؤيدي تلك العملات على ثقة بأن البنوك المركزية ستغير موقفها قريبا”.
ويرى شياو قنج، أستاذ المالية والسياسة العامة في جامعة هونج كونج “إن البنوك المركزية ليست مستعدة بعد لتنظيم العملات الرقمية، لكن عليهم أن يفعلوا ذلك في المستقبل لأن العملات الرقمية غير المنظمة تبقى عرضة للجريمة والمضاربة”.
من المؤكد أن جذب العملات الرقمية بالنسبة لكثيرين لا يزال مجرد تكهنات، وأنه ليس للأسر أو الشركات التي تشتري وتبيع السلع، فقد ذكرت سوميت أجروال من جامعة جورج تاون، الذي كان في السابق كبير الاقتصاديين الماليين في البنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو “إنها مجرد موضة عابرة وستنهار، وسيقوم باستخدامها أقل من 1 في المائة من المستهلكين كما سيقبلها عدد قليل من التجار.. حتى إذا تمكنا من جعل العملة الرقمية آمنة فإنه ما زال أمامها عديد من العقبات”.

التعليقات مغلقة.