صحيفة الكترونية اردنية شاملة

توطين خطة التحفيز الاقتصادي

من الجميل أن يعود الحديث عن خطة لتحفيز الاقتصاد عبر سياسات توسّع السوق، وتُنشّط الاستثمار المحلي، وتجذب استثمارات خارجية، وتضع لنفسها مساراً واضحاً نحو الانطلاق إلى الأمام خلال عامين. ولعلَّ ذلك يعود اليوم إلى وجود مِظلَّة اقتصادية ضمن الحكومة، بات همُّها الأساس توحيد الجهود التنموية وتحقيق أهداف اقتصادية واضحة.

فالتعديل الأخير على الحكومة أفرز الأداة المناسبة لتوحيد الجهود التنموية عبر قناة الفريق الاقتصادي ومجلس التنمية، وتكليف نائب للرئيس لتولي هذه المهام، وهو أمر سيعطي ثماراً بلا شكٍّ، خلال الفترة المقبلة. ومن هنا فإنَّ الخطوة الأساسية لتحفيز الاقتصاد والنظر إلى آليات تحريك العجلة، باتت جاهزة وفي مكانها الطبيعي في أعلى هرم القرار الحكومي، وضمن فريق حكومي لا يمكن التشكيك بقدراته على قيادة الدفة الاقتصادية.

وقد أعلن الدكتور جعفر حسَّان نائب رئيس الوزراء، رئيس الفريق الاقتصادي، منذ أيام قليلة عن إطلاق خطة تحفيز اقتصادي وفق معايير أداء واضحة، وضمن تشاركية كاملة مع اللاعبين الأساسيين في الاقتصاد من القطاع الخاص والعام. والمهم اليوم أنَّ القطاع الخاص بات جزءاً من عملية صنع القرار، وأن المطلوب بالفعل هو فتح باب حوار كامل معه.

 

وقد دعوت في هذه الزاوية لأكثر من مرة، إلى ضرورة عقد ملتقى وطني للحوار حول ماهية المطلوب عمله، وسياسات الخروج من الوضع القائم، مع ضرورة تشكيل فريق عمل من الجانبين تحت مظلة الحكومة، لِيُكَوِّنَ فريقَ التحفيز الاقتصادي، ويعمل على خطة تحفيز وطني واضحة. بل لعلَّ من المهم اليوم ضرورة أن يتمَّ هذه الملتقى للإعلان أيضاً عن صندوق استثماري وطني يتمُّ تمويله من ثلاثة مصادر أساسية؛ المصدر الأول عبر سندات تنموية محلية يسهم فيها القطاع الخاص من مؤسَّساتٍ وأفراد، علماً بأنَّ هناك ما يزيد على 3 مليارات دينار أردني؛ أي ما يقرب من 5 مليارات دولار، لدى الجهاز المصرفي تقبع كفوائض مالية قابلة للتشغيل والاستثمار متى وجدت الفرصة المناسبة، وعليه يمكن تمويل ما لا يقل عن 500 مليون دينار أردني من هذه الفوائض في الصندوق المشار إليه.

أما المصدر الثاني فهو طرح اكتتاب عام لشركة مساهمة عامة برأس مال 500 مليون دينار يسهم فيها الصندوق بنسبة 25% ويترك ما تبقى للمساهمات العامة المحلية والخارجية، مع اعتبار 75% من تلك المساهمات مساهمات تأسيسية؛ أي لا يمكن التصرُّف فيها لمدة لا تقل عن عامين، وما تبقَّى يمكن طرحه للتداول العام. وأما الشريحة الثالثة لتمويل الصندوق فتتم عبر سندات تنمية دولية لمدة 10 سنوات وهي متوافرة بالعملات الأجنبية وبأسعار تعتبر رخيصة نسبياً.

الصندوق الذي يمكن أن ينتج عن هذا الملتقى الوطني وبرأس مال يزيد على مليار دينار أردني، أو مليار ونصف المليار دولار، هو مخرج حقيقي لتحريك الاقتصاد وحقنه بالمال، وتحريك عجلة المشاريع شريطة أن تتم إدارته بشكل كامل من القطاع الخاص، وفق ضوابط حاكمة رشيدة شفافة وواضحة، وأن ينحصر تمويله واستثماراته في مشاريع وطنية محلية حقيقية مولدة للدخل والوظائف وموزعة على كافة مناطق المملكة، كما لا بد أن يُخصص ما لا يقل عن 500 مليون دينار من مصادر الصندوق لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر في المحافظات، مع التركيز على مشاريع الشباب من الجنسين، وهنا لا بد من إنشاء جهة متخصصة من رجال الأعمال الأردنيين، لدراسة وتقييم مشاريع الشباب بغية احتضان بعض المشاريع الابتكارية والابداعية، وفي رأي أننا سنفاجأ بكَمِّ المشاريع الحيوية التي يمكن تمويلها، وكمِّ العوائد التي ستأتي إلى الدولة جرَّاء احتضان ورعاية وتمويل تلك المشاريع، ناهيك عن أهميتها في تشغيل الشباب وتفريغ طاقاتهم وتحويلهم إلى القوة المنتجة الأساسية في المجتمع، وهو ما يجب أن يكونوا عليه الأمر، خاصة أنهم يشكلون ما لا يقل عن 70% من مجتمعنا.

على صعيد آخر، فإنَّ المنفذ الثاني والمهم في تخصيص ما لا يقل عن 350 مليون دينار، أو 500 مليون دولار، من أموال الصندوق وشركته الاستثمارية في مجالات الاستثمار المشترك مع رؤوس أموال خارجية سواءً لمواطنين مغتربين أو لمستثمرين خارجين، ما يعني بالضرورة أن يتم ضخ مبلغ مماثل من قِبَل هؤلاء المستثمرين، شريطة أن يتمَّ دراسة تلك المشاريع وفق منظومة مالية واقتصادية واجتماعية متكاملة، وأن يُخصَّص معظم الاستثمارات لمشاريع كبرى في مجال البنية التحتية وفي مجال الخدمات السياحية والطبية والتعليمة والصناعات التحويلة والزراعة والخدمات المرتبطة بالزراعة من تغليف وتطوير وتصنيع ونقل.

هذه النافذة من الأهمية بمكان؛ لأنها من ناحية ستفيد مناطق المملكة المختلفة بمشاريع حيوية طويلة الأجل ومستدامة، ومن ناحية أهم ستساعد على تشغيل عدد كبير من الشباب، ومن ناحية ثالثة ستعني هذه النافذة رفد الاحتياطيات الأجنبية بما لا يقل عن 500 مليون دولار نتاج الاستثمار، ومبالغ مماثلة على الأقل نتاج التشغيل والتصدير والعمليات المرتبطة بها. وأخيراً وليس آخراً، فإنَّ مثل هذه المشاريع ستتطلَّب تمويل ما لا يقل عن رأس المال المخصَّص لها، وبالتالي فنحن نتحدث عن تشغيل ما لا يقل عن مليار دولار إضافية في الاقتصاد الوطني. الشاهد مما سبق جميعه، أن التفاؤل بتحسُّن الأوضاع العام الحالي، وخلال العامين القادمين أمرٌ قابل للتحقيق وهناك تفاؤل بأنَّ الحكومة تعمل بشكل جاد لتحقيق ذلك وفق برامج محدَّدة ورؤية موضوعية، وتحت مظلة ومرجعية واحدة في الحكومة.

بيد أن الفيصل يكمن في البدء بالتنفيذ والجدية في المتابعة وإيجاد جهة مرجعية تتبع نائب رئيس الوزراء، رئيس الفريق الاقتصادي، هدفها الوحيد المتابعة والرقابة وتصويب أي انحراف عن المسار.

د. خالد واصف الوزني

[email protected]

التعليقات مغلقة.