صحيفة الكترونية اردنية شاملة

رجال الملك : عون له أم عبء عليه ؟.

اقصد بهولاء من هم حول جلالته من مستشارين ، او منفذي سياسات ، ومن اصحاب أفكار تتحول الى قرارات تتعلق بشؤون الدولة والحكم خاصة الشؤون الداخلية وفِي مقدمتها إدارة البلاد اقتصاديا ، وهولاء ان أردت الإشارة اليهم بالبنان هم ( بمعظمهم وليس جميعهم ) من كبار الموظفين والمستشارين في الديوان الملكي ، اضافة الى من هو على كرسي رئاسة الحكومة ومن معه من الوزراء والمستشارين والمسؤولين . هؤلاء وغيرهم ، من المفترض ان تكون وظيفتهم الدفاع عن سياسات الملك وصورته امام شعبه فهذا هو التفسير العملي للمادة ٣٠ من الدستور التي تقول بان جلالته ” مصون من كل تبعة ومسؤولية ” ، وبالتأكيد فان المشرع لم يقصد بهذه المادة تكريس الحصانة الدستورية للملك فهذه تحصيل حاصل في نظام ملكي وراثي ، انما اراد التأكيد بان كل من حول الملك ورجاله في الديوان او في الحكومة يتحملون المسؤولية كاملة ، عن جميع السياسات الداخلية والخارجية ، التي تدخل في مهامهم المتعلقة بشؤون الأمة والدولة . ومعنى المسؤولية هنا ان يكون هناك حساب وعقاب ، حساب لا يكون ان اصاب بإغداق الأموال عليه ، انما بتكريسه كرجل دولة ، او وزير كفوء ، او مستشار من بطانة خيِّرة ، وهو ان اخطأ يجب ان ينال عقابه بما يتناسب مع خطأه . منذ عام ٢٠٠٠ وحتى اليوم ظهر حول الملك رجال دولة ومستشارون ، أقول بعضهم وليس كلهم ، من طاب لهم مسألة تفريغ المادة الدستورية من مضمونها ، لقد أشاعوا بين الرأي العام ، بطرق ذكية ، أنهم ليسوا مستشارين للملك انما متلقين لأوامره ، وليسوا رؤساء لحكوماته ، ووزراء اصحاب سلطة دستورية، انما منفذي قرارات الديوان او كما تعودوا ان يقولوا في جلساتهم الخاصة ” هذا ما يريده المعلم ” والمقصود بالمعلم هنا الملك . واذا كان من تفسير منطقي لهذا القول في اللغة وفِي اصطلاحات السياسة فهو القول ضمنياً : بان كل فشل يلحق بعملهم ، وكل خطأ يتعلق بقراراتهم ، لا يتحملون المسؤولية عنه ، بالزعم ، قولا ًوتلميحاً ، بان الفشل ليس من صنعهم ونتيجة اخطائهم وعقم افكارهم ، انما الى ما يُفرض عليهم من فوق ، مع الإشارة بابهام اليد الى المعلم !. ومن يتابع الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت منذ أسابيع ، في السلط والكرك والزرقاء وذيبان ومعان وغيرها ، على وقع موجة تسونامي في الضرائب والاسعار ، يجد صراحة ، في هتافات المحتجين ، توجيه مسؤولية الفشل الاقتصادي والغلاء والبطالة الى الملك ، وهذا الواقع المغلوط والمؤسف هو الحصاد المر ، لسنوات نجح فيها من هم حول الملك ، في التهرب من المسؤولية الدستورية التي تلحق بهم ، وبإلقاء المسؤولية عن كل ما يتذمر منه الناس على الديوان كرمز لسلطة الملك ، متجاهلين تماما النص الدستوري الذي يجعل منهم وحدهم من يتحمل المسؤولية ويستوجب المحاسبة . بهذا اصبح رجال الملك في الديوان والحكومة عبء عليه وليس عوناً له . ولعل اعظم خطايا هؤلاء انهم : ١- قادوا عملية التفاف واسعة على الدستور استفادوا منها كأشخاص لكن البلد والملك والشعب خسروا كثيرا ، فالمستشار الأمين كان يجب عليه ان ينصح الملك في كل استشارة يطلبها بان جلالته يجب ان لا يتحمل المسؤولية امام الرأي العام عن شأن من شؤون الدولة هو من اختصاص الوزارات والمؤسسات ، اي من مسؤولية مجلس الوزراء . فشخص الملك واحترامه توجب ان ُتقدم باسمه الإنجازات فقط ، اما الفشل فهو للحكومات المسؤولة دستورياً وهو نتاج عمل المستشارين الذين يثبت عقم افكارهم وآرائهم . لقد نجح هؤلاء في شئ واحد وهو انهم ساعدوا بتحويل ادعاءاتهم في خلواتهم وسهراتهم ” بان المعلم هيك بده وان هذه سياسته وأوامره ” ، الى شعارات يُهتف بها اليوم في الاحتجاجات الشعبية ضد الضرائب والغلاء . حتى انك تسمع وبكثرة أقوالا يرددها الاردنيون مفادها ” يا عمي رئيس الحكومة شو دخٓله ، هو موظف ، المسؤولية على اللي فوق !!. “. لا وألف لا المسؤولية تقع على رجال الملك في الحكومة والديوان (حتى لو افترضنا ان جلالته لاحقهم بعصاه ) وفق المثل الشائع . انهم مسؤولون عما يفعله الملك وما لا يفعله . لقد انجبت المرحلة مسؤولين بلا سلطه ، ومستشارون لا يُشيرون ولا يُستشارون . ٢- انهم يتعمدون تجاهل صوت الشارع الرافض لقراراتهم ، بحجة انهم لا يبحثون عن الشعبوية ، واذا ما أضفنا هذا المفهوم الخاطئ الى الفقرة السابقة ، فان مهمتهم تتحول من الدفاع عن صورة الملك وشعبيته بين صفوف شعبه الى الانتقاص من هذه الشعبية ، لأنهم بتصريحاتهم وتلميحاتهم ، يشيعون الانطباع بأنهم مجبرون وغير مخيرين وهذه مفاهيم مغلوطة شاعت ايضا بين الأردنيين الذين تسمع في احتجاجاتهم بان الملك لا يعبأ بهم ولا يكترث بأحوالهم !. ولقد استغربت مع غيري من لهجة الخطاب الحكومي المشبع بالتحدي للناس ، مثل الإعلان و بغضب بان الحكومة لن تتراجع ولا عن قرار واحد اتخذته !؟. في الدين قال تعالى ” ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ” . وفِي الديموقراطيات من الهند والسند الى الأرجنتين مرورا ببريطانيا وكينيا ، الشعبية هي أساس استمرار الحكومات وبقائها ، ولا نجاح لسياسة لا تتمتع بالشعبية . فإذا كان الناس غير مقتنعين بهذه السياسات ، بحلوها ومرها ، فان فشلها يقتضي رحيلها بالحملات الإعلامية و بالاحتجاجات ، او بصناديق الاقتراع ، ومن هو (الفهيم) الذي يعتقد بان على الاردنيين ان يدفعوا كل ما في جيوبهم مع عدم الاكتراث برضاهم عنه ، حتى انه غير معني ببذل الجهود لاقناعهم بسياساته !. هذه لغة طلاق بين الحكم والنَّاس وليس لغة تفهم وتضحية متبادلة وتفاهم من اجل الوطن . في الختام : المسؤول الناجح هو من يتحمل المسؤولية الدستورية بامانة ويُخضع نفسه قبل غيره للمحاسبة والمساءلة ان هو فشل او اخطأ ، وان يجنب الملك كل لوم وملامة ملتزما بما نص عليه الدستور ، وان يعلن بشجاعة بان هذا ما أريده أنا وليس ( المعلم ). وللإنصاف فقد أعلن الملقي استعداده لان يُسأل ويحاسب في نهاية العام عن نجاعة او فشل قراراته المالية والاقتصادية . لكن السؤال : في ظل حكومة غير منتخبة من سيحدد الفشل والنجاح غير رضى الاردنيين او سخطهم واحتجاجاتهم !؟ .

التعليقات مغلقة.