صحيفة الكترونية اردنية شاملة

البيئة الاستثمارية المثالية

لسنا الوحيدين في العالم الذين يرغبون في جذب الاستثمارات، كما أننا لا نعمل في معزل عن العالم، ولا نعيش في جزيرة منعزلة، فجميع دول العالم؛ المتقدم منها قبل النامي يسعى وراء جذب الاستثمارات الخارجية وتحفيز الاستثمارات المحلية. بيد أنَّ السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل نحن جادون في خلق وإيجاد بيئة استثمارية مثالية جاذبة؟ وقناعتي الشخصية أنَّ الفريق الاقتصادي للحكومة جاد إلى أقصى الدرجات في تحفيز الاقتصاد، وفي إيجاد بيئة محفزة ومحركة لعجلة النمو، وقد أعلن الفريق الاقتصادي الالتزام بخطة تحفيز جرى إعدادها سابقاً، وأنه يسعى بجد إلى الاستفادة من المعطيات التي تقدمها تلك الخطة. ولكن من المهم القول بأن الخطط التحفيزية والتخطيط بحد ذاته مطلب ضروري وشرط مطلوب، إلا أنه شرط غير كافٍ، بل يحتاج إلى إعداد بيئة مناسبة تدعو المستثمر المحلي إلى توسيع أعماله، وتُغري المستثمر الخارجي للولوج إلى السوق والاستثمار فيه. ومن هنا يعود السؤال الجوهري حول ماهية البيئة المناسبة للاستثمار؟ ولعل التجارب الدولية في المنطقة وخارجها تشير إلى مجموعة محددة من الإجراءات التي تجعل من البيئة الاستثمارية جاذبة ومحفزة، وهي تطبيقات مُثلى علينا أن نتبعها وأن نقوم بها إذا ما كنَّا جادين في إعادة الزخم إلى النمو والتنمية الاقتصادية في المملكة. وأول هذه الإجراءات يكمن في الجدية في التعامل مع التقارير الدولية المعنية بالاستثمار وبدء الأعمال. وبالتحديد علينا أخذ نتائج تقرير التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي WEF وتقرير بدء الأعمال الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية IFC مأخذ الجد، وهذا يتطلب تحديداً، تأسيس لجنة دائمة وفاعلة في وزارة الاستثمار، أو في هيئة الاستثمار، على أن تُسمى هذه اللجنة “اللجنة العليا للتنافسية والاستثمار” وتتشكَّل من سبعة أعضاء؛ ثلاثة من الجهات الرسمية، أحدهم من دائرة الإحصاءات العامة، والثاني من البنك المركزي، والثالث من هيئة أو وزارة الاستثمار، وأربعة من الخبراء والأكاديميين وممثلي القطاع الخاص، بحيث يكون هناك خبير اقتصادي، وممثل لقطاع الصناعة، وممثل لقطاع الخدمات، وخبير مناطق حرة أو مناطق تنموية. الجدير بالذكر هنا أن دولة الإمارات العربية المتحدة خصَّصت لجنة للتعامل مع تقارير التنافسية، وحوَّلت دائرة الإحصاءات العامة إلى دائرة للتنافسية والإحصاء، وشكَّلت لجنة دائمة للتنافسية تراجع تقارير التنافسية السنوية، وتنظر إلى كيفية الانتقال إلى المراكز العشرة الأولى عبر تصويب أي خلل أو نقص في معطيات البيئة الاستثمارية من خلال المقارنة مع أفضل التطبيقات في الدول الخمس الأولى في التقريرين. وقد انتقلت الدولة في فترة وجيزة، من مرتبة أقل ممَّا كانت عليه الأردن منذ عشر سنوات إلى المرتبة 16 عالمياً، وتسعى أن تكون ضمن العشر الأوائل خلال السنوات الخمس القادمة. تجربة الإمارات في هذا الشأن مهمة ومفيدة وتستدعي النظر إليها بشكل جدي. أمَّا الإجراء الثاني في تحسين البيئة الاستثمارية فيتمثَّل في الإعلان الفوري عن تفعيل الصندوق الوطني للاستثمار كصندوق سيادي يدار وفق الأسس التجارية، على أن يكون هدفه الدخول الفوري في استثمارات وفرص استثمار وطنية داخلية، فإن لم تستثمر الصناديق السيادية في دولتها فمن يستثمر إذاً؟! وكيف نطلب من الغير الاستثمار في اقتصادنا، ونحن لا نعمل بجد للاستثمار في الفرص المتاحة فيه. وهنا يجب البدء بحقن الصندوق بمبلغ مليار دينار أردني تتحقَّق من المنافذ التالية: أولاً طرح سندات تنمية في السوق المحلي والدولي بالدولار الأمريكي بمبلغ يعادل 500 مليون دينار، وعلى فترة 10 سنوات، والغاية هنا الحصول على سعر فائدة لا يتجاوز 4.5% حسب أسعار السوق العالمية اليوم، ومن جهة أخرى فإنَّ ذلك سيضع مؤشراً للعائد على مشاريع الصندوق بما لا يقل عن سعر الفائدة المشار إليه، إضافة إلى المصاريف الإدارية والعائد المتوقع على أموال الصندوق، وهذا يعني أنَّ الفرص الاستثمارية التي يجب أن يدخل فيها الصندوق تستدعي ألَّا يقل عائدها عن 10% سنوياً. أمَّا المصدر الثاني لتمويل الصندوق السيادي، فهو عن طريق الاستثمار المباشر من الجهاز المصرفي وصندوق الضمان الاجتماعي والشركات والمؤسسات الكبرى، فهناك من ناحية ما يزيد على 3 مليارات دينار أردني فوائض ودائع في البنوك، كما أنَّ هناك شركات كبرى مثل شركات الاتصالات وبعض الشركات الخدمية والصناعية تتحوط لديها مبالغ بمئات الملايين، ولا تجد لها منافذ استثمار حقيقية سوى الإيداع في البنوك وبأسعار غير مجدية وغير منطقية، وهناك من الشركات من يحول عوائده للخارج بسبب عدم توافر الحاضنات الاستثمارية المناسبة. ويبقى القول إلى ضرورة استثمار أموال الصندوق السيادي في مشاريع الشباب الصغيرة والمتوسط، وخاصة الابتكارية والإبداعية منها، وبما لا يقل عن 500 مليون دينار من موارد الصندوق، وتخصيص نحو 500 مليون أخرى للاستثمار في المحافظات الرئيسة خارج العاصمة، وفي مشاريع زراعية وصناعية وخدمية. أمَّا الإجراء الثالث والأهم في خلق البيئة الاستثمارية الصحية والمناسبة، فيتمثل في إجراء عملية جراحية هيكلية حقيقية لخدمات الجهاز الحكومي والقطاع العام. ولعل أهم بند في جذب الاستثمارات هو وجود خدمات حكومية نوعية سهلة وشفافة، بما في ذلك خدمات التقاضي، وخدمات استخراج الموافقات، وخدمات بدء المشاريع، والخدمات البلدية، وخدمات التراخيص وغيرها. نماذج الخدمات الحكومية المميزة، التي أصبحت تتم بسهولة ويسر عبر تطبيقات ذكية على الهواتف الخلوية موجودة في العديد من دول العالم، ويمكن التعلم منها بسهولة، بل إن الاستثمار فيها لا يحتاج إلى أموال طائلة. وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام، وحكومة دبي بشكل خاص، من الأمثلة الرائدة في هذا المجال. إنَّ مسألة تطوير الخدمات الحكومية وتحسينها وتبسيطها هو مفتاح البيئة الاستثمارية الجاذبة، ولعل تقارير التنافسية وبدء الأعمال تشير بشكل واضح إلى العديد من الإجراءات التي يجب انتهاجها في هذه الحالة بالنسبة إلى الأردن. وعليه، فإن كنا جادين فعلينا أن نعمل على دراسة متطلبات تحسين وتبسيط وتجويد هذه الإجراءات، والبدء فوراً بالتنفيذ لكي يلمس المستثمر المحلي والخارجي أننا معنيون براحته وبتبسيط حياته وبرعاية مصالحه لا لشيء إلا لأنه سيساعدنا على خلق الوظائف، ومكافحة البطالة والفقر، وتحقيق النمو والتنمية في البلاد. وختاماً فإنَّ أفضل التجارب المحلية والعالمية في تحقيق بيئة استثمارية جاذبة موجودة على بعد 3 ساعات بالطائرة من عمَّان، هي في دولة الإمارات العربية المتحدة التي جذبت في العام 2017 استثمارات خارجية تجاوزت 10 مليارات دولار وبنمو وصل إلى نحو 15% عن العام 2016، وقد تراكم لدى دولة الإمارات اليوم استثمارات خارجية تجاوزت 128 مليار دولار أمريكي، لتكون الإمارات على قمَّة هرم جذب الاستثمارات في المنطقة، وضمن أهم عشر مقاصد للاستثمار في العالم. وقد ساعد ذلك كله على تنويع القاعدة الإنتاجية في الدولة، بحيث بات 70% من دخل الدولة يأتي من خارج قطاع النفط، في حين أن الهدف المنشود قريبا أن يتولَّد 95% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة من خارج قطاع النفط، ومن قطاعات الخدمات الرئيسة بشكل خاص. التعلم من التجربة الإماراتية مطلب لا بدَّ منه، ومنفعة يجب ألَّا نفوتها بأي شكل من الأشكال.

التعليقات مغلقة.