صحيفة الكترونية اردنية شاملة

قرار الرقابة منع مشهد في أغنية “الدنيا ربيع” لسعاد حسني

شيئ لا يصدقه لا منطق و لا عقل إنساني سوي أو طبيعي، أمر يدعو للذهول، بل إنها دلالة على أن الذي استصدر قرار منع هذا المشهد من هذه الأغنية المشهورة مؤخرا في دائرة الرقابة في مصر هو إنسان رجعي و خالي من الثقافة تماما و لا يمارس المنطق المهني بعمله…بل على أكيد لا يعمل بالمكان المناسب إطلاقا؟؟؟!!! تم إنتاج فيلم أميرة حبي أنا في 23 كانون أول من عام 1974 حيث عُرِضَ و لأول مرة في سينما رويال في الإسكندرية في مصر، و هو عن رواية الأديب الكبير نجيب محفوظ، فهو فلم روائي طويل من فئة “الغنائي الرومنسي” بإمتياز، و يحتوي على لوحات راقصة قام بها و بدور البطولة في الفيلم مجموعة كبيرة من الفنانين المقتدرين دراميا، فهو من بطولة (مع حفظ الألقاب) حسين فهمي و سعاد حسني و عماد حمدي و كريمة مختار و سهير البابلي و سمير غانم و غيرهم من الفنانين المعروفين، و يُعَدْ هذا الفيلم من أكثر الافلام التي اشتهرت لسعاد حسني حيث تمتاز المسرحيات الغنائية فيه و اللوحات الموسيقية و الغنائية فيه بالحرفية العالية حيث كتب كلمات الإغاني و لَحًنَ الموسيقى شعراء و ملحنين كبار في مصر، كتب السيناريو و الحوار للفلم صلاح جاهين / ممدوح الليثي / حسن الإمام، كلمات الأغاني صلاح جاهين و ألحان كمال الطويل و محمد الموجي، الموسيقى التصويرية فؤاد الظاهري، فالذي أعد هذا الفيلم من الألف الى الياء هم فنانون و أصحاب مِهَنْ أكفاء جدا…

بعض من تفاصيل الفلم : أميرة (سعاد حسني) شابة جميلة و جذابة، و هي موظفة جديدة في مصلحة كبيرة، و يحمل لها قدرها الكثير، فَتُغَيِرْ بالصلحة أمور كثيرة بسبب شخصيتها المليئة بالطموح و الطاقة و العطاء و بسبب موهبتها في التمثيل و الغناء…و لكن لتطال التغيرات أمور كثيرة في حياتها الشخصية ايضا، فتتعرف على مجدي (حسين فهمي) و هو مسؤل ذو شأن كبير في المصلحة، و سرعان ما تتعرف على سمعته السيئة…فمجدي لا يتمتع بشعبية كبيرة بين زملائه فهو إنسان منطوي على ذاته و طريقته في مخاطبة الموظفين الآخرين جافة جدا، مع مرور الايام تنجح أميرة في نشر جو رائع من البهجة السرور في مكان عملها، و تعيد للنشاط الغنائي و الإستعراضي هيبته، فتنظم فريق استعراض مسرحي كبير للمصلحة، و تنجح في تنظيم بروفات دورية على مسرح الشركة، فيشعر الكل بشخصيتها الراقية و بلمستها الناعمة و الموهوبة كزميلة لهم، و لكن يجمعها قدرها في المصلحة بقصة حب سرية ملتهبة مع مجدي الذي يعاني من المعاملة الجافة من زوجته الأولى (سهير البابلي)…فسرعان ما يجد الراحة المفقودة بحياته بين احضان أميرة…و نكتشف بأن الحب متبادل بينهما فتنغمس معه بحبه و من دون أن يشعر أحد بهذا الأمر حتى أهل بيتها، و يعقدان قرانهما بالسر…و تحاول أميرة تغير طباع مجدي من إنسان إتكالي على نفوذ حماه اللى عصامي، فيحاول إرضاءها و يقطع الوعود لها بأنه سَيُطَلِقْ إمرأته الأولى حيث سيعتمد على نفسه بدل من نفوذ حماه في حياته المهنية…و نراه يطمئتها بأنه سيكون لها وحده في القريب العاجل…و لكن لتتفاجئ أميرة في كل مرة بأنه ينكسر امام شخصية حماه و بأنه غير قادر على الوفاء بوعوده لها…و في خلال مشاهد الفيلم المثيرة التي تملئها سعاد حسني رحمها الله بجمال حسها الفني و بهاء إطلالتها و روعة غنائها الإستعراضي و موهبتها الراقية في التمثيل…نرى العروض المسرحية الجميلة و المبهرة…و ما أجمل مشاهد مسرحية شهرزاد حيث تقوم بعرضها مع فرقتها في مرحلة حساسة من علاقتها مع مجدي…في وقت يتخلى عن وعده لها امام مغريات حماه الكبيرة ليبقى زوج أبنته…و ايضا الدينا ربيع و الجو بديع…فغنتها و هي في رحلة مع زملائها وسط أجواء الربيع الجميلة…و بمبي و كلماتها التي عكست اجواء رومنسية ساخنة مع مجدي حينما وصلت علاقتهم الغرامية الى نشوتها في الفيلم…في آخر مشاهد هذا الفيلم الكبير يكسر مجدي قيد المغريات و هيبتها و الخوف من حماه و يترك هذا العالم الذي تسبب له بالتعاسة لينتصر حبه مع أميرة…

هذا الفليم ذو قيمة فنية كبيرة جدا و مرفوض كل الرًفْض محاولة الرقابة في مصر تفصيله على ذوقها الشخصي و ذوق بعض التيارات الفكرية التي لا تقدر روعة الفنون و الغناء و التمثيل كمواهب بشرية…و حتى و ان كان هنالك مأخذ على مناظر ما في أغنية الدنيا الربيع ليس من المنطق إطلاقا قصقصت الأعمال الفنية بعهد أصبح العالم كله كالقرية الصغيرة مربوط مع بعض بواسطة عصر الأقمار الصناعية و الستلايت الذي أصبح في كل منزل و مقهى في مدننا و بمتناول العالم أجمع…فإن منعوا منظر هنا أو منظر هنالك في الافلام…أو إن منعوا المناظر الجريئة من الافلام فهل ستدخل الرقابة في مصر داخل منازل الناس و تُغَيِرْ المحطات لهم كلما ظهر على الشاشة منظر جريء أو فلم لسعاد حسني؟؟؟ ما هو الميزان السائد عند دوائر الرقابة في مصر و الوطن العربي بالضبط؟؟؟؟ لا أعلم…و المصيبة الأكبر أن هذا القرار بمنع مشهد من أغنية الدنيا ربيع يأتي بعد إنتاج العمل بثلاثة و اربعين سنة؟؟؟!!! بعد أن شَبِعَتْ الناس و الأجيال المتعاقبة من هذا الفيلم و حفظت كل مشاهده و كلمات اغانيه من كثرة تكراره؟؟؟ أظننا في المنطقة العربية قد تعلمنا دروس مهمة قبل ثورة 30 يونيو في مصر…بأن اعادة عجلة الزمن الى الوراء مستحيلة فثقافة الناس زادت كثيرة عما قبل و لَعِبَ دور “الأخ الأكبر يراقبك” كما في رواية 1984 لجورج أورويل أصبح من زمن لا يناسب الإنفتاح الفكري للناس…زمن دولة السيطرة على ثقافة و فكر الناس و زمن دولة تُغَذي بالملعقة الناس و ما يجب أن يشاهدوه و أن يطالعوه أصبح من غياهب ماضي عتيق جدا لا يناسبنا على الإطلاق، كان هذا قبل زمن الديمقراطية و الحريات الذي نحن نعاصره حاليا..و يحضرني ايضا معادلة لم افهمها و لن أفهمها إطلاقا…معادلة اعتباطية لا يطبقها إلا الهمج في عصر يتقبل فيه المرء إنسانيته بالكامل و حضارته الإنسانية بالكامل…منع القبل التي تدل على الحب و المشاعر و الأحاسيس و المناظر التي سُمِيَتْ بالجريئة بالوقت الذي تملئ نشراتنا الإخبارية مناظر القتل و الدمار و ويلات الحروب، فهذا ليس ميزان صحي إطلاقا…فهل ثقافة الدمار و البشاعة و العنف هي السائدة في عالمنا بينما ثقافة الجَمَالْ و القبل و المشاعر و الأحاسيس محرمة و المناظر الجربئة ليست مقبولة؟؟؟

مقص الرقابة أصبح عبثيا في عالمنا و في عصر ترابطت ثقافة الناس و الشعوب به مع بعض بصورة كبيرة و وثيقة بواسطة التطور في وسائل البث المرئي و المسوع، فلا أرى جدوى مما فعلت الرقابة إطلاقا مع أغنية الدينا ربيع…و لا حتى ما فعلته بعض المحطات المصرية لمسرحية العيال كبرت في الماضي القريب حينما قطعت بعض المشاهد الذي تجرئ به بعض من أولاد عائلة السكري بالحديث مع والدهم؟ فإذا نظرنا الى النص المسرحي و سياقه الدرامي و سألنا إذا فعل مخرج هذا العمل هذا الأمر لأنه الصواب…أم ليخدم غاية كوميدية في المسرحية؟؟؟ سنصل الى أنه خدم غاية كوميدية بالعمل بصورة أساسية ثم ادان هذه التصرفات كلها حينما عاد الأولاد لرشدهم في نهاية المسرحية و عادت الأخلاق اليهم من جديد؟! اساسا هذه المسرحية هي كلاسيكية و مر دهر عليها فما هي القيمة المرجوة من قصقصتها على بعض الفضائيات؟

العمل الدرامي ليس قطعة قماش تشتريه الإمرأة من اي محل للأقمشة…ثم تعطيه للخياط أو للترزي لكي يصنع منه فستان على ذوقها الشخصي؟ هنالك سيناريو و رؤية اخراجية و تُـقَـيًـمْ هذه الأعمال الدرامية سواء كان مسلسلات أو أفلام روائية طويلة أو قصيرة أو وثائقية أو مسرحيات او تمثليات من باب متكامل من أولها لآخرها قبل أن يتم التعامل معها…لا اعلم و لكن هذه مؤشرات خطرة تأتينا من دائرة الرقابة في بلاد درامياً عريقة و ثقاتفياً صاحبة تجربة مخضرمة بالفنون المسحرية و التمثيلية و يجب على صناع الدراما في مصر أخذها بعين الإعتبار و علاج الأمر فورا، لأنه بات غير مقبول إطلاقا…

التعليقات مغلقة.