صحيفة الكترونية اردنية شاملة

زراعتنا ثروتنا

اُقتبسُ عنوان المقال من مؤتمرٍ تابعته بالصدفة على القنوات التلفزيونية اللبنانية تحت عنوان “تفاحنا ثروتنا”،وكان هدفه مناقشة أزمة مزارعي التفاح في لبنان، والتي تتمحور حول تراجع الأسواق الخارجية والاستهلال المحلي للتفاح اللبناني، وقد جمع هذا النقاش كافة أطياف المعادلة الزراعية من مزارعين ومنتجين وصناعيين في مجال الزراعة وجهات رسمية ومؤسَّسات مجتمع مدني. وأعجبني أنَّالمؤتمر ركَّز بشكلٍ كبيرٍ على ضمان جودة الإنتاج، وتشجيع الاستهلاك المحلي بين كافة الجهات الاستهلاكية، بما في ذلك حثّ الفنادق على وضع المنتج الزراعي المحلي في الغرف الفندقية، شريطة أن يكون ذلك المنتج بجودة عالية، وهو بالضرورة ما يشتهر به الإنتاج اللبناني من التفاح، كما تمَّ التركيز على كيفية فتح أسواق جديدة، بل والجهود التي وصلت إلى فتح أسواق في روسيا وإفريقيا وآسيا، لتجاوز أو القفز على التحديات التي تفرزها حاليًّا أزمات المنطقة،وخاصة الأزمة السورية التي حرمت لبنان من اتصاله البري بمنطقتي الخليج وأوروبا. الشاهد من كلِّ ما سبق، هو أنَّالحوار الحيوي الحضاري العملي والمنطقي والعقلاني بين كافة عناصر الأزمة، جعل من الممكن حلَّ المشكلة ووضع آليات عملية لمزارعي التفاح في منطقة كرسوان في لبنان وفي غيرها، وقد كان اللقاء عصفاً فكريًّا تعلَّم فيه الجميع من بعضهم، وقد خصَّص التلفاز، في ثلاثة قنوات على الأقل، مساحة كاملة للمتابعة والاهتمام بالقضية. مشكلة الزرَّاع والمزارع في لبنان لا تختلف عنها في الأردن، المشكلة الحقيقية أن مُزارعينا، وخاصة أصحاب المُلكيات الصغيرة، وهم كُثُر، لا يلقون العناية الكافية التي تُؤهلهم للمنافسة في سوق كبير وضخم، زراعتنا هي قوتنا التي إن تمَّ التركيز عليها ودعمها أصبحت شريان حياة للاقتصاد الوطني، ليس فقط في الأمن الغذائي، وهو الأمر الأهم، ولكن أيضاً في دعم الاقتصاد الوطني بنواتج الصادرات من العملات الأجنبية، وفي تشغيل العملة، وفي النفاذ إلى الأسواق العالمية، وفي التحوُّل إلى روزنامات زراعية تساعد على تبادل المنتجات، وخاصة الفائض الزراعي بمنتجات غذائية تشكِّل فائضاً زراعيًّا لدى الآخرين، وخاصة في مجال القمح، وبعض المنتجات الزراعية الاستراتيجية الأخرى. قطاع الزراعة الذي افتقر إلى الاهتمام المناسب على مدى سنوات طويلة جعلت مساهمته الإنتاجية لا تتجاوز 4% من الناتج المحلي الإجمالي في أحسن ظروفه،يعاني من غياب استراتيجية زراعية تشاركية وحقيقية تشمل تحقيق أهداف استراتيجية للمتعاملين والمعنيين في القطاعكافَّة. فالقطاع يستفيد منه القلة ممَّن مكَّنتهم ظروفهم من مساحات زراعية أو تقنيات زراعية أو إمكانات مالية كبيرة، أمَّا المُزارع الصغير فهو يعاني من قلة الاهتمام والتوجيه، حسب ما تُوحي به المعطيات على أرض الواقع، وما ينتج عن ذلك من إتلاف محاصيل كاملة أو فتحها للرعي، لا لشيء إلا لقلة التواصل أو عدم تقديم النُصح المناسب للمُزارع في مجال فترات الزراعة وكمياتها المطلوبة، ونوعية الزراعة، وجودتها، وتقنيات استخدام المبيدات المناسبة وتقنيات الرش والهندسة الزراعية. قطاع الزراعة الأردني يُنتج سنويًّا ما يوازي 1.1 مليار دولار أمريكي، ويغطي بالكاد 20% من إجمالي احتياجاتنا الغذائية، قطاع الزراعة الإسرائيلي الذي تتوازى خصائصه الجغرافية والمناخية والزراعية وبعدهالجيوسياسي مع الأردن ينتج سنويًّا قيمة تزيد على 9.5 مليار دولار، ويغطي نحو 95% من الاحتياجات الغذائية للدولة. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: لماذا يشكِّل قطاع الزراعة في الأردن عبئاً على اقتصاد الدولة، في حين أنه داعم للاقتصاد في دول عديدة؟! أي كيف يمكن أن نصل إلى حقيقة أن تكون “زراعتنا ثروتنا”؟ والجواب الفعلي يكمن في صياغة استراتيجية زراعية حقيقية وشفَّافة بالتشارك الفعلي مع الجهات المعنية كافَّة، ووفق آلية محاسبة وحاكمية رشيدة، وبالاستفادة من أفضل الممارسات العالمية. استراتيجية زراعية تقوم على النقاط الأساسية التالية: أولا:وضع معايير جودة عالمية للمنتجات الزراعية، والقيام بعمل توعية كافية للمزارعين، وخاصة البسيطين منهم، والإشراف على تنفيذ متطلبات الجودة بشكل حازم مع تحمُّل الدولة الدعم الكامل لمتطلبات تحقيق ذلك، وخاصة في مجال استخدام المبيدات، وفي مجال القطف بما في ذلك الأجهزة والمعدات المطلوبة، مع إمكانية الاستثمار في ذلك مع جهات في القطاع الخاص. ثانياً: تحوُّل الإرشاد الزراعي إلى إرشاد حقيقي يقوم على أسس البحث والتطوير، من خلال مراكز البحث الزراعي التابعة للوزارة أو التابعة للجامعات، وهناك دعم عالمي في هذا المجال. ويمكن للأردن أن يحصل على ذلك الدعم من خلال الجامعات ومراكز البحث وبنسب كبيرة، وخاصة أنَّ نتاج البحث والتطوير ستستفيد منه الجهة الداعمة والاقتصاد على حد سواء. لا يمكن أن يبقى دور المرشد الزراعي منحصراً في التفتيش وأخذ عينات، ليس جميعها للفحص فعلاً! ثالثاً: لا بدَّ من تشجيع قيام شركة مساهمة عامة في مجال الخدمات اللوجستية للزراعة،وخاصة في مجال التغليف والنقل، بل وفي مجال البحث والتطوير والتسوُّق. على أن يتمَّ تشجيع قيام تعاونيات زراعية تتملَّك نسبة لا تقل عن 25% من الشركة، ويُحدَّد بين 25-50% من أسهم الشركة لشركاء استراتيجيين في مجال التقنيات المتعلقة بالتغليف والتوزيع والتسويق واللوجستيات الزراعية، ويبقى 25% أو أكثر لغايات الاكتتاب العام. على أن تُتْرَك إدارتها للشريك الاستراتيجي، وأن لا تتدخَّل التعاونيات أو الوزارة في إدارة شؤون الشركة، حتى نبتعدَ عن ضغوط اجتماعية وسياسية وبيروقراطية قد تحول دون تحقيق أهداف الشركة وتحقيقها للأرباح، بل واستمراريتها. رابعاً: يتطلَّب ذلك كله أن ينحصرَ دور وزارة الزراعة في المُخطِّط، والمُشرِّع والمُنظِّم لعمل القطاع، مع التركيز بشكل كبير على الحفاظ على المُزارع الصغير، والتأكُّد من الالتزام بالسياسة الزراعية وبالضرورة في مجال الروزنامات الزراعية، وفي مجال الالتزام بفترات الرش وتقنياته وفترات الأمان الزراعية، ووضع استراتيجية متوسطة الأجل لزيادة حجم التغطية الزراعية للأمن الغذائي للبلاد. ومن جهة أخرى يكون للوزارة الدور الأكبر مع الوزارات الأخرى، وخاصة الصناعة والتجارة والخارجية والتخطيط والتعاون الدولي في مجال فتح الأسواق الجديدة للمنتجات الأردنية، وفي حماية مصالح القطاع، وفي توسيع دوره خارج نطاق الأسواق التقليدية. قطاعنا الزراعي يمكنه حقيقةً أن يُغطِّي النسبة الكبرى من احتياجاتنا الغذائية في ظل التنوُّع الجغرافي والمناخي الذي يتمتَّع به الأردن، ودعمه قضية وطنية مهمة لا تتعارض مع أي اتفاقيات دولية، حيث إن دول العالم المتقدم قبل النامي، تقوم بتقديم أكبر دعم للقطاع الزراعي؛فهو قطاع تمَّ تصنيفه خارج متطلبات التجارة الحرة،وبالتالي لا يُحْظَر دعمه في أي اقتصاد. هذه أفكار عامة يمكن دراستها بشكل أكبر مع الجهات المختلفة، ولكن تبقى“زراعتنا ثروتنا” والحفاظ عليها مسؤوليتنا جميعاً.

[email protected]

التعليقات مغلقة.