صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الحــرب الـهجــينة في العصر الحديث

هذا المقال التخصصي والذي يهم العسكريين أكثر مما يهم المدنيين، يرتبط ارتباطا وثيقا بمقالي السابق الذي حمل عنوان ” الجيوش التقليدية إلى أين ؟ ” ويعتبر مكملا له. وقد رأيت من المناسب نشره استكمالا للموضوع وتعميما للتوعية والفائدة، علما بأنني تجنبت الدخول في تفصيلاته الفنية، لسهولة فهمه من قبل القراء غير المختصين.
لقد ظهر مصطلح ” الحرب الهجينة ” في أواخر عام 2006، لوصف الإستراتيجية التي اتبعها حزب الله في قتاله مع القوات الإسرائيلية الغازية لجنوب لبنان. حيث استحوذ ذلك المصطلح على مناقشات القادة في المستويات العليا للدول المتقدمة، باعتبار أنه سيكون أساسا للإستراتيجيات العسكرية مستقبلا.
عرّف العقيد فرانك هوفمان من الجيش الأمريكي الحرب الهجينة بأنها : ” الاستخدام المتزامن والمتقن، لمزيج من الأسلحة التقليدية والتكتيكات غير النظامية، والإرهاب، والتصرف الإجرامي في ساحة المعركة من أجل تحقيق أهداف محددة “.
أما تعريف حلف الناتو لها فهو ” الحرب الهجينة هي الاستخدام المتكامل لأنواع مختلفة من الإجراءات العسكرية وغير العسكرية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية الشاملة “.
لقد أظهرت الحروب الحديثة، أن الدول الكبرى باتت تمتلك تفوقا عسكريا كبيرا في الحروب التقليدية، مدعوما بقدرات تكنولوجية متقدمة تشمل مجالات السايبر ( Cyber )، بحيث باتت معه أية محاولة لدولة صغيرة في مواجهة دولة كبيرة، محاولة فاشلة وأقرب إلى الانتحار منها إلى المقاومة. والسايبر هو مصطلح حديث يستخدم لوصف الفضاء الذي يظم الشبكات المحوسبة، ومنظومات الاتصال والمعلومات، وأنظمة التحكم عن بعد.
من المعروف أن الجيوش تواجه بعضها في الحروب التقليدية بقوات نظامية، تعتمد في قوتها على الكفاءة القتالية والقدرة على احتلال الأرض. فعندما تتعرض دولة صغيرة للغزو بقوات متفوقة في الحجم ومستعينة بمجال السايبر، من غير الممكن للدولة المعتدى عليها أن تصمد بمواجهة ذلك الغزو. وفي هذه الحالة لا سبيل للأخيرة إلا اللجوء إلى الحرب غير التقليدية ( الهجينة ) لمقاومة الغزو وحماية أراضها.
والحرب الهجينة تتكون من دمج الأساليب القتالية التقليدية وغير التقليدية، واستخدام المعدات وفنون القتال والوسائل الإلكترونية الدفاعية في بيئة معينة، لتحقيق النتائج الإستراتيجية المرغوبة. لا تخضع هذه الحرب لشكل معين أو قواعد ثابتة، ابتداء من القيادة وانتهاء بالعمليات الجارية على الأرض. والهدف النهائي منها إنزال أكبر قدر من الخسائر بالعدو وتحطيم قدراته القتالية وطرده خارج الحدود.
وهكذا فإنها بذلك تخالف الأسس المتعارف عليها في الحروب السابقة، لأنها لا تسير وفق نهج ومبادئ القتال التقليدية، التي تشكل الأساس الفكري لأغلب جيوش العالم. بل تعدت ذلك لتصبح شكلا ونمطا مغايرا للصراع، الذي لم يعد فيه القتال حكرا على الجيوش النظامية، ومهارات العسكريين المحترفين.
لقد أثبتت الحروب الحديثة أن الدول التي تقاتل وفق أسلوب الحرب الهجينة، تشكل تحدّيا مهمّا أمام الدول التي تتبنى أساليب القتال التقليدي، حتى وإن كانت مدعومة بالتقنيات الحديثة، لكونها تعمل بأسلوب حرب العصابات ذات المجموعات الصغيرة، التي لا تشكل أهدافا مغرية للعدو، إضافة لمعرفتها بطبيعة الأرض ومشاركة السكان المحليين لها في المدن والقرى والأرياف في مقاومة المحتل.
لقد أثّرت التكنولوجيا الحديثة على شكل الحروب والنزاعات المعاصرة، وجعلت ممارستها من قبل الدول الكبرى أكثر تعقيدا من ذي قبل، في محاولتها فرض سيطرتها على الساحة الدولية. ولهذا لم يعد حسم المعارك والحروب وإخضاع الشعوب بالسهولة التي كانت عليها في وقت سابق. فالدول الصغرى التي أصبحت تعتمد أساليب الحرب الهجينة في سياساتها الدفاعية، واستغلال كافة مواردها البشرية والطبيعية والاقتصادية، للدفاع عن نفسها وتعزيز قدرتها، تستطيع الصمود ومواجهة أي اعتداء عليها من قبل الدول الكبرى.
تعتمد الحرب الهجينة على استغلال وسائل الاتصالات الإلكترونية الحديثة كلما أمكن ذلك، لحشد الدعم المعنوي والشعبي والرأي العام الدولي، لمساندة قضية الدولة الصغيرة التي تتعرض للاجتياح. وأصبح من غير الحكمة أن تورط الدولة الكبرى نفسها بغزوات برية، ضد عدو يستخدم أسلوب الحرب الهجينة، لأنها ستغرق في مستنقع يصعب الخلاص منه.
ومن الأمثلة التي طبقت بها الحرب الهجينة بنجاح ، ما أشرت إليه في مطلع هذا المقال، عن مواجهة حزب الله اللبناني للقوات الإسرائيلية في الحرب بينهما عام 2006، حيث اعتمد مقاتلوه تكتيكات حرب العصابات، واستخدام الصواريخ المضادة للدروع والسفن، ضد قوات نظامية متفوقة. وتمكنت صواريخه من تهديد الجبهة الخلفية للعدو وإثارة الذعر في سكانها. إضافة لذلك فقد تمكن الحزب من اختراق شبكات اتصال القوات الإسرائيلية، والتجسس على حركاتها ومنعها من اختراق صفوفه.
أما التقصير في عدم لجوء الدولة الصغيرة إلى الحرب الهجينة، فيظهر جليا بما حدث لدولة الكويت عام 1990، عندما اجتاحتها القوات العراقية أراضي الكويت خلال ساعات قليلة، بسبب التفوق العسكري الكبير للجيش العراقي، وغياب التنظيمات غير التقليدية التي تتبنى أساليب الحرب الهجينة لدى الكويت، لتقاوم القوات الغازية.
يتضح لنا مما تقدم، أهمية الحرب الهجينة والمزاوجة بين مفهوم العمليات السائدة في حروب الجيوش التقليدية، وبين مفهوم الحروب الهجينة، لكسر حدّة التفوق العسكري بما يشكل حرب الضعيف ضد القوي. وهذا يستدعي من الدول الصغيرة تشكيل قوات خاصة أو ما يسمى بقوات النخبة تتعاون مع القوات التقليدية بتقنياتها الممكنة، لمواجهة الغزو الأجنبي الذي يهدد البلاد لحماية أراضيها من أي اعتداء.

التعليقات مغلقة.