صحيفة الكترونية اردنية شاملة

خواطر عن التحريمات و التشدد و العنصرية

اذا رجعنا بذاكرتنا الى قبل ثورة 25 يناير في مصر كانوا الفنانين يُمْدَحوا كثيرا من قِبَلْ جمهور عريض في مصر و الوطن العربي…و لكن في خلال اشهر قليلة بعد هذه الثورة الكبيرة انقلب هذا الجمهور عليهم و انقلب المديح الى الشتائم…فاصبحوا اكثر شريحة في مصر تتلقى الشتائم…واه عجبي، كنت أدخل الى صفاحتهم من حين لآخر لأجد الأحوال مقلوبة كليا، و إذا توقفنا قليلا عند هذه النقطة لنناقش بعض الحيثيات فسنلاحظ بأنه حتى المديح أصبح من النوادر ببلد اشتهر بالإنتاج الفني بآخر عشرة عقود من الزمن، فأين مديح البشر الذي كانوا يتزينون به أشهر فنانين مصر و الوطن العربي؟ أسأل نفسي كثيرا عن لماذا لا تنقلب الأمور في أمريكا بهذا الشكل…لماذا مجتمعنا العريي اضحى من دون ثوابت حقيقية يتمركز عليها، لماذا نحن كالقش من دون وزن حقيقي نتغير مع سرعة اتجاه الريح المتقلبة فإبان الإنتدابات الأجنبية لبلادنا كنا بحال و بعد ثورات الأهلية التي اجتاحت المنطقة العربية مؤخرا كنا بحال و الآن أصبحنا نحن بحال آخر…من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، ألم نفقد بلداننا و اقتصادنا من هذه التقلبات السريعة؟ ألم تنزف مجتمعاتنا من الحوادث المؤلمة و الضحايا بسبب هذه الثورات الكبيرة و مشاكلها الكبيرة؟…بل تطورت الدنيا بأكملها من حولنا سياسيا و اقتصاديا و بنياويا و تربويا و اجتماعيا و نحن نسير الى الوراء مرهقين و منقسمين لأننا لم نفهم او نعي ان المفتاح موجود بين ايدينا…التشدد و التزمت الديني دمرنا و دمر المجتمع و لم يعد نافع بعصر أصبحت فيه شريحة واسعة من مجتمعاتنا مثقفة و واعية و لِتُفَرِقْ بين تجارة الدين و التعصب الأعمى و بين التيارات الدينية الوسطية التي تبني و لا تسعى لدمار المجتمع…فلا ثوابت بهذا العالم إطلاقا ما دامت القناعات الذاتية للبشر في منطقتنا بهذا الشكل المريب…في الأمس فقط…في ماضي ذهبي ليس ببعيد…كانت تغني أم كلثوم في حفلاتها أمام جمهور يشبه في أزيائه خواجات اوروبا…نساء مرتدية ملابس أنيقة و بإطلالات عصرية في حينها حيث كانت الحريات الفردية في اقصاها في الوطن العربي فكان اللباس أمر شخصي يخص حرية النساء و لا يفرض من قِبَلْ الدين أو المجتمع، الكل كان يشعر بأن الفنون بأنواعها و الثقافة هي خليلة المجتمع و لم تسمع حتى بالافق البعيدة صراخات تنادي بأن تلك الفنانة لبسها حرام أو الغناء محرم دينيا…دور السينما وقت عرض الأفلام في زمن الفن الذهبي كانت تعج بعشاق السينما و حتى الصُوَر التي التقطتها كاميرات الصحفيين كان تعرض الحشود و هي تتهافت لمشاهدة افلام الفنانيين…خلال خمسة عقود…وقت زمني قصير في حياة اي مجتمع لتتغير معالمه الإجتماعية بهذه الصورة الجذرية…ارتقت ثقافة التشدد الى اقصاها بمجتمع اعتقد أن الدين سيحل جميع مشاكله، و اتسمت هذه الفترة بكثرة التحريمات على مسموحات اعتاد المواطن العربي أن تعيش معه و كأنها جزاء من وجدانه و كيانه…انطفئ جمال المرأة العربية وراء أحجبة النهي لتشعر نصف نساء المجتمع بأنها مكبلة بأغلال لم تتعود عليها…حرام ان تُبْرِزِ شعركِ…حرام التبرج…حرام الملابس التي تبرز غنج الجسد…حرام الغناء…حرام التمثيل…و تجاريا حرام البنوك التجارية…حرام وجود الاثار لتهدد هذه التحريمات الدخل القومية لبلدان عدة…حرام الأدب الذي ألفه أكبر كتاب مصر و الوطن العربي لأنه يتضكم مشاهد جريئة…استعرت بنا ثورات كبلت المجتمع العربي كله بثقافة الحرام المدمرة لنشبه فرس جامحة تجري بحرية في برية الغابات بكل عنفوانها و فجأة اعتلاها غلام لجمها فجأة بصورة عشوائية لترتبك خطواتها و تقع على الارض…عفوا ايها الدين…تحريماتك دمرتنا و هدمت بلداننا…

بعد آخر من التحريمات ايضا طال الحب و أطهر مشاعر البشر، فمازالت الكنيسة في عقلية القرون الوسطى الفقيرة التي عبر عنها العالم الغربي منذ زمن بعيد، فإذا كانت الكنيسة فعيلا تقدس الحب بأنه يجمع جنس البشر و بأنه أساس الحب لماذا تنظر الى الزواج المدني الذي يجتمع به طرف مسيحي مع الغير مسيحي بدافع الحب زنا؟ فهل الحب الذي يجمع البشر بزواج مدني غير إنساني و الحب الذي يجمع عروسين يريدان التكلل بالكنيسة إنساني…لا اعلم كيف تعيش الكنيسة بهذه الإزدواجية فالمسيح حينما شفى المرضى و أطعم الجائع لم يفرق بين البشر…المسيح الذي أحب العالم و كرم الإنسانية لم يفرق بين إنسان بناءا على مذهبه…بل محبته كانت كونية و إلا هل للإنسانية معنايان بالكنيسة؟ هل المؤمن المسحي بشر و غير المسيحي غير بشر؟ إذا كانت الكنيسة فعليا تقدر إنسانية البشر و تقدر الحب الذي يجمع العروسين بالزواج و تقدر معنى مشاعر البشر ستفهم…بأن عقد الزواج المدني يجمع بشر من غير ديانات بدافع الحب؟! فلا افهم لماذا حب مسلمة أو بودية أو هندوسية لمسيحي حرام في نظر الكنيسة، و لا أفهم كيف حب مسيحية لشخص من دين آخر حرام في نظر الكنيسة ايضا؟ أليس الحب حلال و اساس للزواج؟ الإنسانية أعظم من التعصب الذي تعيشه الكنيسة من خلال مفاهيم عتيقة جدا فشلت في أن تلغيها من ايمانها الرعوي، أحببت أن اكتب هذه الكلمات لأنه طفح الكيل من التعصب الديني…يكفي فقد هدم هذا التعصب السلام في مجتمعنا الشرقي كثيرا…فنحن مجتمعات عربية نظهر التعايش في ظاهرنا…و لكن في باطننا مازلنا نتقوقع حول التحزبات و العنصرية و لا نريد التغير الحقيقي الذي سيؤمن لأولادنا ديمومة التعايش ثابتة مرسخة على اساسات صلبة…، أسف لهذه الكلمات فمشكلة التعصب و التحريمات بكامل ابعادها يجب أن تنتهي من مجتمعاتنا و لن يحصل هذا إلا بتوسيع المدارك الثقافية للمجتمع…و مع الأسف مازلنا الى يومنا هذا نتقوقع حول ثقافات اجتماعية غير قادرة على ردع المشاكل بعيدا عن ديارنا. 

ألن ننهض من المستنقع الكريه الذي نحن فيه و نرى الإستقرار…و اه عجبي… 

التعليقات مغلقة.