صحيفة الكترونية اردنية شاملة

من يحاسب عرّابي مشروع المحطة النووية ؟

طالعتنا الصحافة المحلية هذا اليوم بخبر نشرته ” وكالة بلومبرغ ” الروسية، يفيد بأن الأردن قرر وقف مشروع بناء محطة الطاقة النووية، الذي تم الاتفاق على بنائه في الأردن، بين هيئة الطاقة الذرية الأردنية وشركة روس آتوم الروسية، بطاقة قدرها 2000 ميجا واط وبكلفة 10 مليارات دولار.

الحكومة الأردنية أجازت هذا الاتفاق في حينه، وتم التخطيط لتشغيل أول مفاعل في المحطة مع بداية العقد الثاني من القرن الحالي، أي في بداية عام 2011. ولكن تم تجاوز الموعد بسبع سنوات دون أن يبدأ التشغيل أو تظهر مخرجات المحطة على الأرض. عزت الحكومة الأردنية وقف المشروع حاليا بسبب كلفته الباهظة – وكأنها لم تعرف كلفته مسبقا – واستبداله بوحدات صغيرة قدرتها 200 ميجا واط باستخدام التقنيات الروسية.

وكانت هيئة الطاقة الذرية، قد أنفقت خلال السنوات العشر الماضية على مشروع البرنامج النووي 100 مليون دينار ( حوالي 142 مليون دولار ) أي بمعدل 10 ملاين دينار سنويا ( حوالي 12 مليون دولار ) دون نتيجة تذكر. والآن بعد أن وقع الفأس بالرأس صحت الحكومة من نومها، لتجد أنها قد دخلت في عش الدبابير ووجدت غذاءها علقما، بدل أن تجده عسلا في خلية مغايرة.

لم تقتنع الحكومات الأردنية المتعاقبة بتحذيرات ونصح العلماء والخبراء، وحتى لم تسمع أصوات الناس في الشارع، التي تعارض هذا المشروع من أساسه. واستمرت الهيئة سادرة في غيها تنفق الفلوس وترسل البعثات والوفود حتى غير المتخصصة منها إلى الخارج لإقناعها بجدوى المشروع، إلى أن صدمتها الحقيقة المرة هذا اليوم بعد أن تجاهلتها لسنوات طويلة.

لقد كتب العلماء والخبراء والكتاب عشرات المقالات بمعارضة هذا المشروع، ولكن الحكومة وهيئة الطاقة أصمتا آذانهما عن سماع تلك الأصوات. كما أبعدت الهيئة العديد من العلماء المخلصين عن هيئة الطاقة الذرية، لمجرد أنهم تحدثوا مع القائمين عليها بكلمة حق تبين عدم جدوى المشروع. وقد كتبت شخصيا في معارضة هذا المشروع عشرة مقالات كان أولها بتاريخ 6 / 6 / 2011 بعنوان ” أوقفوا مشروع الانتحار النووي “. حذرت به من ناحية عامة بمخاطره المتمثلة بالنواحي المالية والمائية والبيئية والأمنية. جاء في آخر فقرة منه ما يلي :

” في الختام أتوجه بنداء حار إلى المسؤولين في الحكومة، وفي هيئة الطاقة الذرية الأردنية، لأقول بلغة واضحة : إذا كنتم تخشون الله وتحرصون على سلامة أبناء الوطن، وتنوون الحفاظ على بيئتهم نظيفة من المسرّطنات حاضرا ومستقبلا، فأوقفوا فورا هذا المشروع – مشروع الانتحار النووي – لاسيما وأنه مازال في بداياته، واستبدلوه بمشروع الطاقة المتجددة، لأن العاقل من اتعض بغيره والجاهل من اتعظ بنفسه “. فتصدى لي ولغيري من الكتاب بعض كتاب القطعة بالنفي والتكذيب، وإظهار فوائد هذا المشروع الخيالية.

والآن وبعد أن سقطت ورقة التوت عن عورة هيئة الطاقة الذرية، وسقطت أيضا ورقة التين عن عورة الحكومة وانكشفت الحقائق، وتراجع الجهابذة عن مشروعهم، أجدني مدفوعا بوازع الضمير لأسأل ما يلي : 1. من يتحمل مسؤولية هدر 100 مليون دينار دفعت من جيوب المواطنين في هذا المشروع الفاشل، رغم تحذيرات الخبراء من عدم جدواه ؟ 2. لماذا جرى تسويق هذا المشروع بكل إصرار ومن المستفيد منه ؟ 3. هل سنرى في الأيام القادمة تحقيقا يُفتح بحيثيات المشروع ونفقاته، أم سيسدل الستار عليها كما أسدل على غيرها من قبل ؟ 4. لو وقع هذا الفعل في ماليزيا، فهل سيتغاضى ويتسامح مهاتير محمد مع عرّابيه أم يضعهم خلف القضبان ؟ أسئلة تبحث عن إجابات شافية من حكومتنا الموقرة، التي تتميز بشفافية عالية في كل أفعالها . . !

التعليقات مغلقة.