صحيفة الكترونية اردنية شاملة

تصرفاتهم لا تدل على وجود ضغوط خارجية !.‎

 يَروي مواطن احداث يومه في رمضان قائلاً  : كنت في الصباح على الدوار الثامن فشاهدت احد المسؤولين الكبار ( على حد تعبيره ) يجلس الى جانب سائقه في سيارة فخمة ، سألت عن ثمنها قيل لي انها تتجاوز ال ١٠٠ الف دينار ، اي انها بحسابات عملة المديونية تساوي  ١٥٠ الف دولار ). ويتابع ، وكنت على الدوار السابع فشاهدت مسؤولا آخر في نفس الوضع يركب سيارة لا تقل قيمة عن المبلغ المذكور ، وصدف – كما يقول أني كنت ، قبل الافطار بنصف ساعة ، على الدوار المقابل لمدينة الاعمال بالقرب من المدينة الطبية واذا بالسير مغلق باشارة من شرطي المرور وبعد انتظار غير طويل مرّ موكب احد المسؤولين الكبار تحيط بسيارته  سيارتين او ثلاثة من السيارات السوداء  ، فأرجوك ساعدني في الفهم ، هكذا قال محدثي  ، هل هذه المشاهد تدل على ان البلد في ضائقة تستدعى كل هذا الهجوم على جيوب المواطنين ،من رغيف خبزهم الى أجرة منازلهم وأقساط شققهم ،وأقساط مدارسهم ومن سلة مشترياتهم اليومية في ضريبة المبيعات !؟. الم يكن من العدل ان يبدأ هؤلاء المسؤولين بأنفسهم ( تقشفاً يُرى بام العين )،خاصة وهم من تولى امرنا عندما تسلموا مديونية منضبطة في حدها الأدنى فجعلوها جبالاً  من الرمال جاثمة فوق صدورنا!.
          الحقُ ،  لم اعرف جواباً على تساؤلاته ، لكنه ساعدني بان أفكر معه في محاولة استكشاف هذه الظاهرة المحيرة التي تتلخص بالتساؤلات التالية :
        ١- هل حقاً يتعرض الاردن لضغوط خارجية ، مالية  وسياسية ، غير مسبوقة ؟ .
       ٢- واذا كانت هذه الضغوط موجودة بالفعل فهل تدل نفقات الدولة والحكومة على وجود هذه الضغوطات ؟. 
       للإجابة على التساؤل الاول أقول ، وهذا رائي ، انه لا توجد ضغوط مالية على الاردن . فإذا كانت هذه الضغوط موجوده فمن المفترض انها تأتي من الدول التي تمنح الاردن أموالاً كمساعدات او قروض مثل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان ودول الخليج ،     والواقع غير ذلك ، فخلال السنوات الثماني الاخيرة دخل الى الموازنة العامة أموالاً من المساعدات والقروض الخارجية ما لم يسبق للبلد ان شهد مثلها في تاريخه ، اكثر من ثلاثة مليارات  ونصف المليار دولار من المنحة الخليجية ( بدون فوائد ) وآخرها مبلغ ال ٢٠٠ مليون المتبقية من المنحة السعودية . فأين هي الضغوط الخليجية ؟. هذا بالاضافة الى المنح والمساعدات التي هي في حالة ازدياد من اليابان وأوروبا .
       اما عن المساعدات الامريكية فلم تتوقف خلال السنوات الماضية بل تصاعدت أرقامها مع كل عام جديد وآخرها الإعلان عن رفعها ( في ظل إدارة ترمب ) الى مليار و٧٥٠مليون وعلى ٥ سنوات مقبلة . فأين هي الضغوط المالية الامريكية !؟.
       وللإجابة على التساؤل الثاني : 
         ان  كل تصرفات مؤسسات الدولة في الإنفاق واقتناء السيارات الرسمية وامتيازات المنصب والسفرات الخارجية وعقد المنتديات والمؤتمرات في الفنادق ،والانفاق الذي، يمكن تأجيله ١٠ سنوات ، في العديد من أبواب الموازنة ،كل هذا ،لا يدل بان المواقع الرسمية العليا ومؤسسات السلطتين التنفيذية والتشريعية تدل ان البلد في ضائقة مالية بسبب ضغوط خارجية .
          كل هذا بنظري غير منطقي ويتعارض مع حكاية الضغوط الخارجية غير المسبوقة  ! 
            واتابع الحديث عن الضغوط السياسية الخارجية وأتساءل اين هي وكيف ولماذا ؟. 
        رغم الازمة ، التي وقعت ، بين عمان وواشنطن بسبب قرار ترمب من القدس المحتلة ، فواقع الامر ان التعاون السياسي والامني بينهما لم يتأثر بشكل يصل الى درجة الضغوط . التعاون الأمني في جنوب سوريا مع الأمريكيين والروس وفِي سوريا وشرق العراق بشكل عام يدل على ان واشنطن وموسكو تعتبران عمان لاعباً إقليمياً  رئيسياً . وفِي اول لقاء بين الملك وترامب اشاد الرئيس الامريكي بالأردن وشعبه وجيشه بكلمات لم يقلها رئيس أمريكي سابق فأين هي الضغوط ؟. لقد حضر جلالته قمة الرياض العربية ( قمة القدس ) كما حضر قمتي إستطنبول حول القدس ونقل السفارة وفِي كل هذه الأحداث لا يوجد مظهر واحد يدل على ضغوط مالية  او عقوبات امريكية بسبب هذه المواقف الاردنية ، كما فعلت إدارة بوش الأب عام ٩١ مع الاردن عندما أوقفت المساعدات المالية والعسكرية وحاصرت ميناء العقبة ، واذكر ان أساريرالمسؤولين الاردنيين انفجرت فرحاً عندما أدرجت واشنطن ، بعد عام او عامين ، مبلغ ٢٥ مليون دولار كمساعدات سنوية  للأردن  اذ اعتبر ذلك كمؤشر على بداية تراجع الضغوط .
      بصراحة ارى ان الضغوط واقعة على الشعب الأردني وليس على حكومته . 
    الحكومة لم تتراجع المساعدات  ولا القروض  الخارجية  لها ، و زادت أموال خزينتها بما فرضته من ضرائب على الشعب .  وما يقال عن  قروض متوقفة ب ٩٠٠ مليون دولار من اليابان وأوروبا بانتظار شهادة من صندوق النقد الدولي الذ ي يشترط بدوره لإصدارها فرض قانون ضريبة الدخل الجديد ، ما هو الا مثال على ان من يتعرض للضغوط هو الشعب وليس الحكومة ، وان الحكومة تتصرف وكأن ميدان المواجهة هي مع الشعب وليس مع الصندوق ومن يقف خلفه ( في كل الحكومات المنتخبة تتحول المواجهة مع الصندوق والمديونية الخارجية الى تحشيد الشوارع بالمظاهرات الساخطة ضد الاستعمار الجديد ، الصندوق الدولي وآخرها ما يحدث في الأرجنتين وقبلها في اليونان وإسبانيا الخ ). !.
        وعلى العكس ، فان واقع استمرار المساعدات الامريكية وتزايدها رغم وجود أزمة القدس المحتلة يدفع للتساؤل فيما اذا كان الاردن الرسمي  قد رضخ فعلا للضغوط الامريكية ؟ وبان توجيه المزيد من الضغوط على الناس وجيوبهم ومصادر رزقهم بالضرائب ، وباستخدام صندوق النقد كأداة ، هو من اجل إعداد المناخ والأرضية على المستوى الشعبي لاستقبال ما يسمى ب ( صفقة القرن ). التي تعتبر الضربة القاضية للقضية الفلسطينيية ، قضية الشعب الأردني كما هي قضية الشعب الفلسطيني !!. 
      أقول : ان شاء الله ان لا يكون هذا صحيحاً ، وان شاء الله سيبقي الاردن ، الرسمي والشعبي ، سداً بوجه الضغوط التي تستهدف هويته ومقدساته ووجوده . لكن .. نريد فقط من يخرج للأردنيين من هذه الحكومة ومن الدولة ويتكلم بالتفصيل عن هذه الضغوط والاهم ان يحدد الموقف الوطني منها حاضرا ومستقبلا .. كما فعلنا في مراحل سابقة وامام ضغوط اخطر . الاردنيون ، المواطنون ، شركاء في المصير،  ولو تتفضل القيادة السياسية بان تخاطبهم وتعبئهم وتشرح لهم عن ماهية هذه الضغوط  ، لكي تزيل القلق من النفوس وتبصرهم على ما ستفعله الدولة وما هو مطلوب من الشعب ان يفعل . الاردنيون  سيقابلون الخطوة الصادقة بعشرة من امثالها ، لان في استنهاضهم قوة للدولة وهزيمة لكل الضغوط الخارجية …  الاردنيون سباقون في التضحية من اجل وطنهم ودولتهم وكرامتهم وهم قادرون ان يعيشوا على الكفاف  ان اقتنعوا بخطورة ما يواجهون . 
       جميع  تصرفات اهل الحل والربط لا تدل بان البلد يواجه ضغوطاً وتحديات مصيرية ، ما تدل عليه،  ان كل شئ على حاله ،    لو كانت هناك ضغوط لكانت هناك حكومة تملك خطابا وطنياً يهتم بما هو مقبل من اخطار من غرب النهر ، من اسرائيل ومن زحفها الاستيطاني وغطرستها واهاناتها غير المسبوقة  ، من نتنياهو ومن صفقة ترمب الموعودة التي تنبع منهااخطار وجودية بكل معنى الكلمة ، فإذا راحت القدس وفلسطين راح الاردن وعمان ومعها قائمة طويلة من العواصم ، ان مقولة ” أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض تتدحرج من سقوط بغداد الى اليوم ” فهل من يضع العصى في الدولاب ؟.
  نريد حكومة بخطاب وطني يحذر وينذر بالاعتماد على استنهاض الاردنيين للالتفاف امام قضاياهم الكبرى وبوجه تحديات العدو التي هي على الأبواب ، مستلهما كل أوراق القوة الاردنية الجيوسياسية والامنية وقوة الرفض والقبول للمشاريع والمخططات  ..  لا حكومة شغلها الشاغل أدارة رؤوس الناس بما يأكلوا ولا يأكلوا ، بما يكسبوا وما ينفقوا ، حتى اصبح (عد الدراهم )قضية وطنية تشغل كل العباد  !!. اذا كان هناك ضغوط خارجية ، فالمواجهة تكون بإعادة ترميم الجسور مع جميع  فئات الشعب بخطاب سياسي  للدولة والحكومة ، يشعر فيه المواطنون  بأنهم  ليسوا  مجرد افواه وأرانب وجيوب تدفع ( في لعبة مزرية اسمها شفتك وما شفتك ) ، اخرجوا الناس من دائرة من يدفع ومن يجبي هذا اضعف الإيمان اذا كُنتُم فعلا جادون في القول بان هناك ضغوطا خارجية غير مسبوقة    .

التعليقات مغلقة.