صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ما بين الضريبة والإضراب

على الرغم من الحملة الإعلامية غير المسبوقة التي قامت بها الحكومة للترويج للمشروع الجديد لقانون ضريبة الدخل المعدل والدفاع عنه، إلاّ أنه جوبِه برفض شعبي كبير. وتجسد ذلك في حملات الإضراب والدعوة لها من مختلف القطاعات الأهلية والاقتصادية للتعبير عن رفض هذا القانون.

وحيث تشدد الحكومة على أنّ هذا القانون يهدف في المقام الأول إلى إصلاح النظام الضريبي، إلاّ أنّ الزيادات الضريبية المقترحة فيه لم تترك مجالاً للشك بأنه يهدف إلى زيادة الإيرادات الحكومية في ظلّ هذه المرحلة التي تشهد تنامياً لحجم المديونية.

الدفاع عن الزيادات الضريبية المطروحة في مشروع القانون هي مهمة شبه مستحيلة في هذا الوقت الذي تمر فيه الأسواق بحالة ركود اقتصادي غير مسبوق، لأنها ستعطل أي مساعٍ للتحفيز الاقتصادي؛ الذي يتطلب في الأصل إجراء تخفيضات ضريبية لتشجيع المستهلك على زيادة إنفاقه لزيادة الطلب في السوق وإيجاد فرص عمل جديدة.

على أرض الواقع، ستمس هذه الزيادات الطبقة الفقيرة والوسطى. فلو افترضنا جدلاً أنّ الطبقة الفقيرة ستستفيد من حدود إعفاءات القانون، إلاّ أنها ستتأثر بارتفاع الأسعار الذي سينتج عن هذه الزيادات. أما الطبقة الوسطى؛ فنحن بحاجة لإعادة تعريفها في حالة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار التي يشهدها الأردن. وبعيداً عن الأرقام التي تقدمها الحكومة، فالواقع الذي لا يخفى على أحد هو أنّ معدل دخل الطبقة الوسطى، إن لم تكن الشرائح العليا من الطبقة الفقيرة أيضاً، يفوق حدّ الإعفاء الذي يقرره مشروع القانون الجديد والمقدر بـ ٦٦٦ دينار شهرياً.

الزيادة الضريبية أيضاً ستزيد من معاناة الصناعة الوطنية خصوصاً مع انتهاء برنامج “إعفاء أرباح الصادرات من ضريبة الدخل” نهاية هذا العام، وستخرج تماماً عن أهداف الخطة العشرية للدولة الرامية لتحقيق النمو في القطاع الصناعي وزيادة فرص العمل لزيادة إجمالي الناتج المحلي في مواجهة المديونية.

صياغة أحكام القانون المعدل تعاني من عدم التنظيم والوضوح وفقدان التراتبية في زمن أصبح فيه وضوح التشريعات حقاً من حقوق الإنسان. الأمر الذي قد يغذي النزاعات والتضاربات في تفسير القانون مستقبلاً، ومما قد يتطلب إجراء تعديلات مستمرة لإيضاح نصوصه، حتى لدائرة الضريبة نفسها.

أمّا التعديلات الأخرى التي جاء بها مشروع القانون، فلم تعالج كلياً سلبيات النظام الضريبي والسلطات التقديرية الواسعة لدائرة الضريبة التي طالما أرهقت الاقتصاد الأردني وبيئته الاستثمارية. على سبيل المثال، لم يتمّ إلغاء آلية “المبلغ المرتجع” في تبليغ المكلفين التي تحول في غالب الأحيان إلى انتفاء علم الكثير من المكلفين بالقرارات الضريبية الصادرة بحقهم، وكان يجب استبدال آلية تبليغ المكلفين بوسائل تبليغ إلكترونية واسعة الانتشار، كرسائل الهاتف النقال. كما نصّ مشروع القانون المعدل على نقل عبء الإثبات في قرارات الدائرة التقديرية على الدائرة بعد أن كانت على المكلف، إلاّ أنها أعادت عبء الإثبات على المكلف في مرحلة التقاضي، مما أفرغ التعديل من معناه وأوجد تناقضاً ضمن نفس القانون. كما نصّ مشروع القانون على تخفيض مدة إصدار القرار في الإقرارات الضريبية إلى ستة شهور بعد أن كانت سنتين، ولكن أعطى المدير صلاحية تمديدها إلى مُدد أخرى غير محددة في أحوال استثنائية، مما قد يفرغها من المعنى المقصود عند التطبيق.

تغليظ العقوبات على التهرب الضريبي لم يراعِ بالطبع مبدأ تناسب العقوبة مع الجرم. فتغليظ العقوبات في ظلّ إجراءات النظام الضريبي المُعقد والسلطات التقديرية الواسعة للدائرة هو أمر غاية في الخطورة، وقد يؤدي ذلك إلى خروج الكثير من رؤوس الأموال والاستثمارات خارج البلاد. لن تكون هناك مشكلة طبعاً في تغليظ العقوبات إذا تمّ تحديد الجريمة المالية بدقة وتمّ الحدّ من السلطات التقديرية الواسعة للدائرة.

عقد الفريق الاقتصادي للحكومة سلسلة من الحوارات الوطنية حول مشروع القانون، وسنحت لي فرصة حضور إحداها في “المجلس الاقتصادي والاجتماعي”. وعلى الرغم من انفتاح الوزراء على الحوار مع الحضور، إلاّ أنه كان واضحاً حرص إدارة “الإقتصادي والإجتماعي” على عرض وجهة النظر الحكومية، أكثر من إتاحة الفرصة لإجراء “حوار” حقيقي بنّاء يتيح المشاركة في صنع القرار المتعلق بهذا القانون بين الحكومة والقطاعات الاقتصادية المختلفة، وهو ما انعكس بالطبع على التغطية الإعلامية للجلسة التي ركزت فقط على وجهة النظر الحكومية حول فوائد مشروع القانون. وهذا يفسر أيضاً مشكلة عدم وجود حوار “فعّال” بين الحكومة والقطاعات المختلفة، الأمر الذي أدى إلى لجوء القطاعات الأهلية والاقتصادية إلى الإضراب.

وبعد أشهر من التجاذبات والنقاشات حول القانون، كان التصريح الوحيد الصادر عن اللجنة المالية لمجلس النواب هو أنه “لم تصل نسخة منه بعد إلى المجلس”. وعليه لن يعول الناس على المجلس في تحقيق أثر في مواجهة مشروع القانون، وهو ما قد يعني استمرار دعوات الإضراب واستمرار اتساع فجوة الثقة بين المواطن والحكومة، إن لم تقم الحكومة بإلغاء الزيادات الضريبية في مشروع القانون، وتتأنى في صياغة نصوصه “الإصلاحية” بما يحقق بالفعل إصلاحاً للنظام الضريبي.

الحكومة مطالبة بأن تكون مبتكرة في سياساتها، وبإمكانها العمل على الحدّ من المديونية من خلال ضبط إنفاقها في المقام الأول. كما بإمكانها زيادة إيراداتها دون اللجوء إلى الزيادات الضريبية المرهقة، من خلال إيجاد خدمات جديدة، إضافة إلى تفعيل قوانين كقانون حماية الإنتاج الوطني لتحقيق عوائد من إجراءات مكافحة الإغراق، وقانون المنافسة لرفع تنافسية الاقتصاد الأردني.

 

التعليقات مغلقة.