صحيفة الكترونية اردنية شاملة

سياسات النمو الاقتصادي المراعي للتحدي المالي في الاردن

وبعد أن حُسمت مسألة أولوية النمو الاقتصادي المولّد لفرص العمل ضمن أجندة الحكومة الجديدة في المرحلة القادمة، فان سؤال المليون دينار هو: كيف نحفز النمو المستدام والتشاركي رغم الصدمات الخارجية ودون التأثير سلباً على عجز الموازنة والمديونية العامة؟ أو ما سماه هذا المقال ب “النمو المراعي للتحدي المالي”. وسنبدأ بالدروس المستقاة باختصار دون الظهور بمظهر “الحكيم بأثر رجعي”.

فمن يتابع الاعلام الاقتصادي المحلي، يعلم بأن العديد من الاقتصاديين غير الحكوميين -ومن ضمنهم هذا الكاتب- كان ولا يزال مع الرأي القائل بأولوية النمو المستدام باعتباره أساساً متيناً للعديد من الأهداف الاستراتيجية في الأجل المتوسط والطويل، بما فيها توازن المالية العامة.

فمن خلال زيادة ايرادات الشركات والأفراد وبالتالي دخلها الخاضع للضريبة ومن خلال تقليل النزعة نحو التهرب والتجنب الضريبي والانتاج غير الرسمي وغير المنظم، فان النمو القوي والعريض يدعم الاستقرار المالي بشرط: ضبط وترشيق النفقات العامة وتحسين الخدمات العامة وتعزيز حساسية الايرادات العامة للنمو المقاد من قبل القطاع الخاص.

والكاتب لم يكن متحمساً للحكمة السائدة لبرامج صندوق النقد القائلة بالتوازن والتقشف المالي بأي ثمن. تلك النظرية التي لم تحقق النمو ولا التوازن المالي ولا التوازن الاجتماعي. وتبقى الموازنة العامة وسيلة وقيداً وليست هدفاً تنموياً نهائياً بحد ذاتها. مشكلة  التناقض Trade-off بين النمو الاقتصادي والتوازن المالي ربما تكون حقيقية في الأجل القصير فقط. فكيف نتجاوز هذا القيد المالي في الأجل القصير؟. باعتقادي لا مشكلة جوهرية في زيادة مؤقتة في المديونية العامة بشرط تحقيق نمو أفضل ومضمون ومستدام. لكن لا مانع من اعطاء أولوية للنمو المراعي للقيد المالي.

يمكن تصنيف السياسات الداعمة للنمو المستقبلي في المملكة الى ثلاثة أنماط: (1) سياسات عامة مؤسسية وتشريعية وأخرى، و(2) سياسات قصيرة الأجل لانعاش الطلب الكلي وأبرزها: سياسة تشجيع الصادرات الداعمة للطلب الخارجي، والسياستين النقدية والمالية الداعمتين للطلب المحلي، و (3) سياسات متوسطة وطويلة الأجل لتقوية العرض الكلي (وهي أكثر تنوعاً وصعوبة لأنها تتطلب اصلاحات هيكلية والخروج عن المألوف Path Dependence). وباستبعاد خيار السياسات المالية التوسعية كسياسة عامة ودائمة وأساسية للتحفيز الاقتصادي، يبقى لدينا خيارات رئيسة بديلة تتمثل بالآتي:

أولاً: خيارات عامة واستراتيجية: ومنها انتقاء فريق اقتصادي منسجم ومقتنع بأولوية النمو التشاركي والمستدام. وهذا يتطلب أساساً اختيار وزير مالية ذو عقلية اقتصادية عريضة. والا سنبقى في مصيدة الجمود المؤسسي الذي كان دوما عائقاً امام التطوير. واصدار قانون جديد للتخطيط الوطني بدلاً من القانون المؤقت لعام 1971. ومراجعة خطة تحفيز النمو الاقتصادي الاردني وأجندتها وهي بالمناسبة لا تضاعف الجهود كماً ونوعاً لضمان مضاعفة النمو المستهدف من 2.5% الى 5%. وأيضاً السعي للحصول على منح خارجية دون املاءات. وتطوير وتنفيذ برنامج للشراكة في صنع السياسة الاقتصادية مع القطاع الخاص.

ثانياً: سياسات في جانب الطلب: سياسات نقدية توسعية وسياسات تشجيع الصادرات وتطوير التنافسية الدولية بأدوات غير مالية بصورة أساسية (كتسهيل انشاء شركات وبيوت تصديرية متخصصة مع ضمان التنفيذ ضمن أشهر وليس سنوات!). وسياسات مالية تحفيزية انتقائية وليست عامة ودائمة (مثال: اعفاءات مؤقتة للمشاريع الجديدة في القطاعات ذات الأولوية) تمول من خلال اصدار صكوك اسلامية للأفراد والبنوك.

ثالثاً: سياسات في جانب العرض: سياسات تحسين انتاجية الانفاق الحكومي وكفاءة الخدمات العامة (تطبيق صارم للموازنة الموجهة بالنتائج وبمتابعة مركزية قوية). وسياسات صارمة لتخفيف العبء التنظيمي والرقابي غير الضروري امام الاستثمارات الجديدة والقائمة للقطاع الخاص. وسياسات متسارعة لتشجيع الاستثمار العام في اطار برنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص المنفذ حالياً من قبل وزارة المالية. وتصميم وتنفيذ سياسة صناعية وطنية تحدد أولويات قطاعية وأنشطة واعدة يقدم لها الحوافز الرقابية والمالية ضمن معايير وشروط.

برأي الكاتب، فان الخيار الاسرع والأكثر مردودية في الأمد القصير هو خيار السياسة النقدية غير التقييدية وخيار تنمية الصادرات الخدمية والسلعية، مع العمل المتوازي ضمن الخيارات الأخرى متوسطة الأجل وعدم تأجيلها. وكاتب المقال مع توفير حوافز مالية مؤقتة ومحصورة بالشركات الصغيرة والمتوسطة التي لم تصدّر في الماضي وأصبحت تصدّر حالياً بحصة معقولة من اجمالي انتاجها، كما لا يزال الكاتب يدعو الى اطار مؤسسي أقوى وأكثر انسجاماً لهدف تشجيع الصادرات الوطنية!.

 

التعليقات مغلقة.