صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الاستثمار الرأسي والاستثمار الأفقي

في إنجاز جديد لدولة الإمارات العربية المتحدة، فقد حلَّت الدولة في المركز 30 عالمياً والأول على المنطقة ككل في جذب الاستثمارات الخارجية خلال العام 2017، متقدمة 5 مراكز عن ترتيبها في العام السابق. وذلك وفقاً لتقرير الأنكتاد – مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. حيث استطاعت دولة الإمارات جذب ما يزيد على 10 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لتستحوذ بذلك على نحو 36% من إجمالي التدفقات الاستثمارية الخارجية الوافدة إلى المنطقة العربية ككل. هذا النموذج العربي يدل على إمكانية تجاوز كافة المعوقات التي تحيط بالمنطقة جيوسياسياً، والقفز نحو الفضاء العالمي إذا ما تمكنت الدولة من رسم سياسات استثمارية وحقَّقت طموحات المستثمرين المحليين والعالميين. والشاهد هنا أنَّ النموذج الماثل أمامنا استفاد بشكل كبير من التطبيقات المُثلى العالمية في تأهيل بيئته الاستثمارية على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية، ليتحول هو نفسه بعدها إلى إحدى تلك النماذج والتطبيقات المُثلى التي يتمنى العديد أن يكون مثلها أو أن ينقل عنها.

ولعلَّ مفتاح ذلك يتمثَّل في تحقيق مبدأين أساسيين، الأول: الاستثمار رأسيًّا في تنافسية الاقتصاد، والثاني: الاستثمار أفقيًّا في القطاعات الاقتصادية. وللتوضيح فإنَّ الاستثمار الرأسي يعني ببساطة، العمل على جودة الخدمات والبُنى التحتية في الاقتصاد، وخاصة في مجال الخدمات الحكومية، تبسيطاً وشفافية وعدالة، وعبر بُنى تحتية تتقدمها خدمات الاتصالات والنقل والصحة والتعليم. الاستثمار الرأسي يعني الجودة والتميز في الأداء، ويعني التركيز بشكل أساسي على إسعاد المتعاملين، وعلى جعل تجربتهم في التعامل مع تلك الخدمات واستخدامهم للبُنى التحتية مفتاح نجاح استثماراتهم.

وعليه فإنَّ السر الوحيد الذي يجب تعلمه هو “تميز وجودة وتنافسية الخدمات”؛ أي إنَّ السر يكمن في مستوى اهتمام الاقتصاد في إيجاد خدمات عامة وخاصة تنافسية ومتميزة وذات جودة عالية، وخاصة حينما يأتي الأمر إلى الخدمات الحكومية التي يُفترض أن تكون أول ما يتعامل معه المستثمر حينما يلج إلى أي دولة، وهذه الخدمات إن لم تكن سهلة وشفَّافة ومحوسبة وضمن تطبيقات إلكترونية ذكية، فلن يكون لها أن تجذب أي استثمار، بل إن تخلف الخدمات الحكومية يجعل الاستثمارات القائمة في الدولة تتوسَّع خارج الدولة، وأحياناً تهاجر تماماً من الدولة.

أما عند الحديث عن الاستثمار الأفقي، فإنَّ ذلك يعني قدرة الاقتصاد على جذب استثمارات تتواءم وإمكاناته وموارده الاقتصادية في قطاعات الزراعة والصناعة؛ أي أن يبحثَ الاقتصاد عن سبل تشجيع جذب استثمارات تساعد على توسع قطاع الصناعة مثلاً في المجالات التي يتوافر لديه فيها مواد خام، أو وفرة في المحاصيل، أو في الموارد البشرية المدربة، وهنا تأتي أهمية دراسة الخارطة الاقتصادية للدولة ومحافظاتها، وتجهيز مجموعة من فرص الاستثمار التي يمكن للمستثمر الخارجي أن يستغلها مع إعطاء كافة أوجه الخدمات العامة والخاصة التي تُسهل على ذلك الاستثمار الولوج إلى تلك الفرص.

دور المخطط الاقتصادي أن يعمل على الجهتين؛ الاستثمار الرأسي والاستثمار الأفقي. بيد أنَّ الاهتمام بقطاع الخدمات هو مفتاح الحل لجذب الاستثمارات، وخدمات الحكومة هي المفصل في ذلك كله. لدينا العديد من الفرص التي يمكن تحقيقها، إن تم تحسين قطاع الخدمات لدينا، عندها ستتطور كافة قطاعاتنا من زراعة وصناعة وخدمات سياحية وغيرها من الخدمات دون استثناء.

وأختم بالقول: إنَّ أحد روافد قطاع الخدمات في دبي هو خدمات المركز التجاري العالمي، وهي خدمات إقامة معارض على مدار العام. هذا المركز الذي يقع على قطعة أرض لا تُذكر ضمن مساحة إمارة دبي، أدخل على الدولة 13 مليار دولار خلال العام المنصرم، وهو رقم يشكِّل ما يقرب من 35% من الناتج المحلي الإجمالي للأردن. والشاهد أنَّ الإرادة والعمل الدؤوب لا بدَّ أن تحقق الكثير حينما نُصِرُّ على التميز والجودة، وعلى الوصول إلى أفضل النماذج العالمية.

[email protected]

التعليقات مغلقة.