صحيفة الكترونية اردنية شاملة

سيناريوهات التصعيد الأمريكي – الإيراني

منذ تولي الإدارة الأمريكية الحاليه ، تبنت الموقف الإسرائيلي من إيران وصعدت مواقفها تجاه إيران وألغت الإتفاق النووي مع إيران، وفرضت عقوبات جديدة على إيران أخطرها منع بيع النفط الايراني الذي سيبدأ في شهر نوفمبر القادم، علما بأن إيرادات إيران من النفط تزيد عن (85%) من العملة الصعبة، وتدرس الإدارة الأمريكية حاليا تشكيل تحالف أمني وسياسي جديد مع دول الخليج ومصر والأردن بهدف التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة (ناتو عربي) ،وأُطلق عليه مؤقتاً اسم “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي” ،وسيتم الاعلان عنه خلال قمة تقرر مبدئياً أن تعقد في واشنطن في 12 و13 /تشرين الأول القادم .

ومن جانبها صعدت إيران تهديداتها وتبدي استعدادها لخوض (أم المعارك) مع الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة ومنع تصدير النفط للعالم عبر مضيق هرمز في الخليج الذي تسيطر عليه وعبر باب المندب في البحر الأحمر من خلال الحوثيين .

وتشير التسريبات الأمريكية الى أن الأهداف الأمريكية من التصعيد هو : قصف المنشآت النووية الايرانية ، تغيير النظام الايراني، تغيير السلوك الايراني وتقليص نفوذها في المنطقة ،وفيما يلي تقييم للسينايوهات المتوقعة :

أولا : سيناريو شن هجوم على إيران : رغم عدم التكافؤ العسكري بين إيران والولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة ، الا أن الحرب على إيران لن تكون نزهة، فإيران قوة إقليمية لديها إمكانيات عسكرية وصاروخية وتستطيع إغلاق مضيق هرمز من خلال مهاجمة ناقلات النفط وزرع الألغام البحرية، كما أن إيران لديها وكلاء في المنطقة لديهم القدرة على زعزعة إستقرار المنطقة (الحوثيون في اليمن ،حزب الله اللبناني ،حركتي حماس والجهاد الاسلامي في غزة ،الجاليات الشيعية في الخليج والعراق وسوريا ولبنان )، وستكون منطقة الخليج وإسرائيل مسرحا للعمليات العسكرية .

ثانيا: سيناريو تغيير النظام : 

1. من خلال دعم إنقلاب عسكري : إيران دولة (عقائدية مذهبية) حصنت نفسها منذ نجاح الثورة الاسلامية عام 1979، بخلق أجهزة عسكرية وأمنية عقائدية جديدة بديلة عن الاجهزة التقليدية لحماية الثورة من الانقلابات العسكرية والثورات الشعبية، فقد تم تشكيل الحرس الثوري كند للجيش النظامي، وتشكيل استخبارات الحرس الثوري (قوات القدس) المتخصصة في تصدير الثورة الى الدول المجاورة، وأيضا تشكيل قوات الباسيج (المتطوعين ) المتخصصة في قمع أي مظاهرات وحراكات شعبية في المدن ضد النظام، إضافة الى أجهزة الشرطة . 

2. من خلال ثورة شعبية : تعاني إيران من أزمة إقتصادية خانقة نتيجة العقوبات الغربية وإنخفاض أسعار النفط وإرتفاع الأعباء المالية للتدخلات الايرانية في المنطقة (العراق ، سوريا ، اليمن ، العراق ، لبنان، البحرين ، فلسطين )، إضافة الى إرتفاع الموازنة العسكرية والأمنية وبرامج التسلح النووي والصاروخي ، كل ذلك إنعكس سلبا على مستوى معيشة المواطنين وإرتفاع نسبة البطالة والفقر والتضخم النقدي نتيجة إرتفاع أسعار السلع والخدمات، إن فرض مزيد من العقوبات الإقتصادية سيفاقم الأمور والأوضاع المعيشية في إيران، ولوحظ بعد فرض العقوبات الأمريكية تدهورت قيمة العملة الوطنية الإيرانية (الريال) الى مستويات غير مسبوقة (الدولار يساوي 192 ألف ريال) وما صاحبها من مظاهرات وإضرابات في بازار طهران بسبب هذه الأوضاع .

كما أن العامل الديمعرافي و الإثنيات( عرب، أكراد، بلوش ، أذريين ،يهود….الخ) والتي تزيد نسبتهم عن (60%) من الشعب الإيراني، بينما العرق الفارسي لا تزيد نسبتهم عن (40%)، مما يشكل تهديدا للنظام .

ثالثا: سيناريو التوصل الى صفقة وإتفاق لتغيير السلوك الإيراني، وهو السيناريو المرجح للأسباب التالية :

1. إستبعاد نجاح السيناريو العسكري، لما يترتب عليه من عدم إستقرار في المنطقة وحدوث أزمة نفط عالمية، وحجم الخسائر المتوقع لإستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج ودول الخليج وإسرائيل،وكذلك عدم جدية الرئيس الأمريكي في اللجوء لهذا السيناريو ، كونه رئيس يؤمن بالصفقات،ويتبع إسلوب التصعيد والوصول لحافة الهاوية قبل التوصل الى صفقة(ومثال ذلك الملف الكوري الشمالي مع اختلاف الظروف ووجود إسرائيل في الملف الإيراني والتي تحرض على ضرب ايران) . 

2. إستبعاد نجاح تغيير النظام الإيراني سواء بإنقلاب عسكري أو ثورة شعبية، فالنظام الإيراني لايزال قويا ومتماسكا ومسيطر على الأوضاع الداخلية ، كما أن التدخلات الخارجية توحد الإيرانيين وتعزز وضع المحافظين (المتطرفين) في النظام على حساب الإصلاحيين، علما بأن المعارضة الايرانية متواجدة في الخارج ووضعها ضعيف في الداخل .

3. التحدي الاقتصادي هو الذي يهدد إستقرار النظام الإيراني، والعقوبات الأمريكية الجديدة ومنع بيع البترول الإيراني سيزيد من حالة عدم الاسقرار الداخلي والاحتجاجات الشعبية ، لكن لدى إيران خبرة في التعامل مع الأحداث الشعبية(أحداث 2009) ، كما أن لديها خبرة في التعايش مع العقوبات الغربية منذ عام 1979 ،إضافة الى علاقاتها القوية مع روسيا والصين التي قد تساعدها في التغلب على العقوبات، كما أن لدى إيران خبرة في تغذية لعبة التنافس بين الشركات الأمريكية والأوروبية، لكسر العقوبات .

4. النظام الإيراني عقائدي في القضايا الداخلية (شعارات ثورية)، لكنه برغماتي وعملي في القضايا الخارجية ويسعي لتحقيق مصالح إيران كدولة عبر التفاوض والصفقات،ومثال ذلك الاتفاق النووي عام 2015 ، والذي سبقه إتصالات سرية إيرانية – أمريكية في سلطنة عمان ، علما بأن مصلحة إيران القومية والإستراتيجية هو إجبار الغرب والولايات المتحدة على الإعتراف بنفوذها كقوة إقليمية مهيمنة في الخليج كما كانت أيام الشاه قبل عام 1979، وذلك من خلال إمتلاكها لأوراق مهمة للتفاوض لتحقيق هذا الهدف( البرنامج النووي ، البرنامج الصاروخي،الورقة العراقية ، الورقة السورية ، الورقة اللبنانية، الورقة اليمنية، ورقة الجالية الشيعية في الخليج والعالم،والورقة الفلسطينية)، مع الإشارة الى ان إيران تتقن فن التفاوض والنفس الطويل وكسب الوقت لتحقيق أهدافها. 

5. لا يستبعد حاليا وجود مباحثات وإتصالات سرية أمريكية – إيرانية بوساطة عمانية أو روسية أو أوروبية ، وقد أعلن الرئيس الأمريكي إستعداده للقاء القادة الإيرانيين ،وهذا مؤشر بوجود مثل هذه الإتصالات. 

6. على ضوء ذلك يرجح التوصل الى صفقة وإتفاق أمريكي – إيراني مقبول لكل الأطراف ، يعالج الخلل في الإتفاق النووي وإضافة موضوع البرنامج الصاروخي للإتفاق، وكذلك معالجة التدخلات الإيرانية في المنطقة بما يحقق المصالح الامريكية والإسرائيلية . 

7. في الختام ننصح دول الخليج العربية وخاصة المملكة العربية السعودية عدم الإنخراط بالمخططات الأمريكية والإسرائيلية للتصعيد العسكري مع إيران،لأنها ستكون مسرحا للعمليات العسكرية وتتحمل تمويل الحرب ،وسبق للإدارة الأمريكية السابقة أن أجرت إتصالات سرية مع إيران في سلطنة عمان دون إطلاع السعودية ودون مراعاة مصالح الدول الخليجية والذي أسفر عن توقيع الإتفاق النووي مع إيران 2015 ، ولم يتضمن الإتفاق منع التدخلات الإيرانية في الخليج (خاصة في البحرين والسعودية) واليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين ، علما بأن ما يهم الولايات المتحدة من الملف الإيراني هو ضمان مصالحها العليا بإحتواء إيران لصالحها ولصالح إسرائيل فقط دون إهتمام بالمصالح الخليجية . 

والمطلوب من دول الخليج أولا ترتيب بيتها الداخلي وتوحيد موقفها من إيران، اذ أن ثلاثة دول ( قطر والكويت وسلطنة عمان) تتخذ مواقف مختلفة عن السعودية والامارات والبحرين تجاه إيران ، والخيار الأسلم لدول الخليج هو الإبتعاد عن الخيار العسكري والإكتفاء بخيار دعم العقوبات على إيران للضغط عليها لتغيير سلوكها وتدخلاتها في المنطقة العربية ، ودراسة إمكانية قيام الدبلوماسية السعودية بفتح قناة إتصال وتفاوض سرية مع إيران لمناقشة القضايا مثار الخلاف بين البلدين لضمان مصالحها في أي صفقات قادمة .

التعليقات مغلقة.