صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مسلسل “ومشيت” و شرح عن بنيته التراجيدية

تعقيبا على بعض التحاليل الدرامية و النقد الغير دقيق الذي انتشر على بعض المواقع الصحفية و الثقافية اللبناينة حتى مع كل أسف المشهورة منها…مما تسسبب لي بالصدمة الكبيرة، قررت ان اكتب هذه المقالة المختصرة عن العمل لأوضح بعض النقاط التي لم يتم شرحها بالإعلام بالصورَةِ المَرْجُوَةِ للسادة المشاهدين و القرأ، مسلسل و مشيت ينتمي الى عائلة الأعمال التراجدية بصورة اساسية حتى و ان احتوى على قصص العلاقة الرومنسية…فوتيرة الأحداث المحزنة التي تسيطر على ايقاعه الدرامي تفرض هذه المعادلة الفئوية بقوة…حيث يحاكي مأسي تعرضت لها و مازالت تتعرض لها الأسر اللبنانية من تهجير بسبب الحروب المتتالية و عدم الإستقرار الأمني و السياسي و معاناة الأسر التي تحصد الإنفجارات و الأعمال الإرهابية أبناها…فهنالك مايدة  (كارين رزقالله) المرأة المُثْقَلَةِ بالأَوْجاعِ بسبب ذكريات مؤلمة في حياتها و التي تعود من الغربة المريرة الى لبنان في اولى حلقات العمل…و التي تحمل ايضا سراً مؤلما إن خرج الى العلن لإبنتها و أهلها سيكون كارثة كبرى عليهم…و بعودتها تسبب الإرباك الشديد لزوجها الضابط بالإستخبارات اللبنانية و لعشيقته…فتدخل على حياتهم فجأة من دون استئذان من جديد لتوقف علاقتهم و لتقلب حياة أمل (بديع أبوشقرا) رأسا على عقب…فمع تطور الأحداث بهذا العمل المثير تبدأ عواطفه نحوها بالعودة اليه مرة آخرى بعد أن قطع الأمل بأنها حتى على قيد الحياة…و هنالك مرتا…الأم التي تعاني من صدمة عصبية بسبب استشهاد ابنها الضابط بالجيش اللبناني و هو يؤدي مهامه بشرف و امانه عالية…ام باكية طوال حلقات العمل نائحة على فراق ابنها غير قادرة على التواصل بصورة طبيعية مع الواقع من حولها…تكاد لا تفعل شيئ في مهامها اليومية إلا و تحاكي اثناءه صورة لإبنها و كأنه على قيد الحياة…دور كبير مؤلم أدته رندا الكعدي بصورة مؤثرة جدا حاكة من خلاله آلآم ام الشهيد اللبناني و العربي فجسدت هذا الواقع برائعة درامية أطالب ادارة مهرجان الموريكس دور في لبنان بضرورة الإنتباه له و بضرورة تكريمها عليه، و إكراما ايضا لآلآم امهات الشهداء الذي تجسدت معاناتهم بهذا الدور الكبير…و ليس فقط لأن ما صنعته رندا الكعدي هو تفوق درامي بل لأنه من صنيع فنانة موهوبة جدا استفزت غصة حزن تلو الآخرى في صدورنا و جعلتنا نذرف الدمع لأجله…و لعل ما غازل دور مرتا بروعة و ساهم بتجسيد هذه القضية بقالب درامي تراجيدي مثالي و مبهر هو حزن مايدة على طفلها الذي توفي في اولى ايام زواجها بحادث ارهابي خسيس مما دفعها للفرار من لبنان و هي حامل بإبنتها تالي…ثنائية تراجيدية ساهمت بصورة فعالة بإضفاء هوية العمل التراجيدية عليه…

 

و هنالك تالي (نادية شربل) الإبنة التي تشهد حياتها نقلة نوعية برحيلها من كندا الى لبنان…فتتوالى الصدمات عليها حينما تكتشف بأن والدها مازال على قيد الحياة و لم يمت كما اخبرنها والدتها منذ ايام طفولتها الأولى…فتشعر بأنها ضحية كذبة احاكتها الدتها لتعيشها لمدة ستة عشر سنة…و لا تتوقف الصعوبات في حياتها عند هذه الحقيقة المُرًة الحلوة…حامض حلو كنا يُقَال في حايتها كمراهقة…فبنفس الوقت تجد بان والدها على وشك الزواج من صديقة والدتها…و لا تلبث التأقلم مع عائلتها التي انتقلت من واقع الأُمْ التي اعالت ابنتها بمفردها وسط الغربة المرة و الخوف و مرار الكفاح اليومي الى وجود اب مازال على قيد الحياة…لتكتشف ايضا بأنه يحاول الإبتعاد عن امها التي قررت سلبه متعت الأبوة لعقد و نصف من الزمن، و بعد هذه التطورات تجد نفسها تالي وسط عائلة مفككة الروابط و مهددة بالإنفصال باي وقت…

 

تتوالى الحوادث المؤلمة بهذا المسلسل الذي حمل لنا فاجعة آخرى، ففي خضم حبكة و احداث تتصارع الابطال بهما للتأقلم مع ما يجلبه قدوم مايدة الى لبنان نصل الى ذروة درامية رائعة جدا تتجسد  فيها قمة المعاناة التراجدية بإمتياز…فتوالت في حلقات العمل الصدمات بصورة تقنية شبه مثالية الى ان حمل لنا خبر صراع مايدة مع المرض تطور غَيًرَ من طبيعة الأحداث…فوجدنا أخيرا تفسيرا لتصرفات مايدة و مبررا لإقتحامها حياة أمل و عشيقته دينا (بياريت القطريب) التي تكون صديقتها ايضا…فتغيرت امور كثيرة بين الابطال بعد اعلان مايدة للكل عن مرضها…فراينا خوف أمل عليها الذي كان يقاوم تدفق المشاعر في قلبه نحوها طيلة حلقات العمل…و رأينا غيرته عليها من روبير صديقها و لكن كبرياءه على ما صنعت معه مايده حال دون اعترافه بهذا الواقع الجديد في حياته…فتارة كنا نرى كرهه لمايدة على احفاءها واقع ابنته عنه طيلة ستة عشر سنة الى ان أخيرا عَلِمَ بأمرها…و تارة نراه يهرب من مشاعره نحو مايدة ليحاول ايجاد الملاذ الآمن عند دينا…و ما ساعده بهذه المعادلة هو كفاح دينا للمحافظة عليه…و لكن أخيرا نرى مرض مايدة يكسبها تعاطف الكل نحوها…و خصوصا أمل…فهذا الحدث ينجح بإذابة ما يظهر من خشومة نحوها لتظهر عليه مشاعره الحقيقية نحوهها…

 

في اسرة مايده تكمن ابعاد سياسية تحاكي واقعا من نوع آخر يهدد الكينونة السياسية لدى اللبنانيين…وجود نخبة من السياسين الغير مكترثين إلا للمال و النفوذ و المصالح الشخصية في الحياة السياسية اللبنانية، و والدها النائب الثري المتكبر الذي كان جزءا كبيرا من نكستها في اولى ايام زواجها ينتمي الى هذه الفئة المكروهة من الشعب، فكبرياءه كنائب و رجل ثري حيث أنه وجه من وجهاء منطقته لم تُلَيِنْ قلبه نحو قبول زوج مايدة العسكري البسيط بالبوليس اللبناني في الماضي، مما جعلها تتعذب كثيرا و هي تكافح لإبقاء هذه العلاقة على قيد الحياة…و لكن فاجعة اغتيال ابنها في اول ايام حياتها الزوجية مع عدم وجود التفهم لعلاقتها مع أمل من قبل والدها كان كفيل ليعذبها بصورة لم ترحمها…فيكون والدها سبب من الأسباب لغربتها بعيدا في كندا…و لكن لا أعلم ما هو مقصد الكاتبة من ابقاء فساده السياسي في خلفية هذا العمل الكبير، فلم يتم معالجة حياته المهنية بفعالية إطلاقا…لنراه يرشق بالتهم خلال الحوار على اهماله السياسي للبنان فقط و على فساده…و تبقى هذه الإتهامات عبارة عن كلمات من دون تجسيد درامي حقيقي خلال احداث العمل، مما لا شك به بأن وجود النائب بالمسلسل كان غير مكتمل الابعاد فلا الكاتبة و المخرج يستغلان وجود هذه الشخصية لتجسيد الضرر التي تسببه للبنان و الإستفادة منها درميا بالصورة المثالية…أحترم رغبة اسرة العمل بإبقاء هذه الشخصية في خلفية مُعْتِمَة و لكن كان من الممكن أن يضفي البعد المهني للنائب و لفساده الذي يمارسه إثارة درامية قوية جدا، فالحبكة التراجدية كانت ستجدت بعداً سياسيا بإمتياز كان سياحكي بنجاح اجواء الحزن الشديدة التي رأينها…ألم للعائلات اللبنانية يسببه الإهمال الأمني للسياسيين في لبنان و لمحة للفساد على حقيقته من خلال رواية هذا النائب المريب بشخصيته الخالية من الإنسانية…فحتى حينما بقرر الذهاب مع زوجته و ابنته مايدة لزيارة الطبيب الأجنبي ليأخذ راي طبي ثاني حول مرض مايده نراه يطلب من زوجته الإنضباط في المستشفى و حبس دمعوها لأجل صورته في المجتمع و امام كادر المستشفى كنائب و لا نراه يتعاطف مع حزن زوجته إطلاقا…قساوة فائقة الوصف لشخصية سياسية تقليدية موجودة بالمجتمع مع كل أسف،

 

نحن امام عمل تراجيدي عاطفي عملاق قدموه مراد كبار في السيناريو و الحوار و في الإخراج و في الأداء الفني للفنانين فقد تعملق فريق العمل فيه بصورة مشكورة جدا، و لعلني اراه مثالي الأبعاد…فلن استفيض بالشرح حوله أكثر لأن بقية أحداثه مفهومة للمشاهدين، فسليم و سعيه الدؤوب للإنتقام من عائلة النائب يمكن فهمها، و الإرهابي المجرم معدوم الضمير الذي وقع بقبضة الأمن أخيرا و المسؤل عن وفاة ابن الضابط أمل و مايدة و الذي بعث بقاتل ليقتل اسرته أمر يستطيع المشاهدين فهمه فهنالك في حياتنا الخير و الشر…الصالح و الطالح…المواطن الصالح المُحِبْ لبلاده و المجرم الذي يسعى للشر و لنشر الفساد بالمجتمع…نحن حاليا امام الحلقات الختامية للعمل…و لكن في نهاية المطاف آمل ان تُغَيِرْ هذه الأعمال الدرامية نفوس مريضة و متهمة بالإهمال للمجتمع اللبناني العزيز من خلال المعاناة التي قدمها و حبكته المثيرة و الحزينة…فلنا هذا اللأمل ان تصل رسالته الراقية الى المجتمع و ان تنتهي قصص فساد كثيرة لا تسبب للمواطن اللبناني إلا التعاسة…و الدماء…و الحزن…و الدمار…و الدموع المريرة…لنا هذا الأمل من الله،       

 

التعليقات مغلقة.