صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الرزاز في مُواجهةِ الثِّقَةِ المفقودة

الحديثُ الإعلامي الأول لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز كان موجهاً بشكلٍ مُباشر إلى الشارع الأردني للإجابةِ على تساؤلاتٍ شغلتهم خلال الأيام القليلة الماضية، غالبيتُها كانت وليدة احتقان واستياء تُجاه الحكومة.

الرزاز كان بارعاً في ظهوره الأول، ونستطيع القول انه خلال مؤتمرهِ الصحافي تحدثَ بشكل رئيسي عن فترتين إحداهما قصيرة المدى والأخرى متوسطة وبعيدة المدى.

 في الجانب السريع والفوري حاولَ ان يُخمِدَ حالة الاحْتِقان الناتجة عن بعض القرارات الحكومية السابقة التي شغَلَت الرَّأي العامّ خلال الاشهر القليلة الماضية، ومنها ما يتعلق بضريبّة “الهايبرد” التي وعدَ بدراستها واتخاذ القرار المناسب باتجاهها الاسبوع المقبل بعد تقييم القرار وأثره المالي والبيئي، مع اِحتماليّة كبيرة للتراجع عنه.

كما حاولَ الرزاز اِمتصاص نقمة الشارع فيما يتعلق بمرضى السرطان من خلال إعلانه بتَكَفَّل الحكومة بعلاجهم بعد إِجراء التبويب اللازم لكشوفاتهم، والامر لا يختلف بالنسبة لضبط العملية التعليمية في المدارس الخاصة ومنع المغالاة في رسومها وتنظيم حقوق العاملين فيها، ومُكاشَفة الرَّأي العامّ بحقيقة هيكلة آلية تسعيرة المحروقات وشرحها لهم دون الحديث عن التراجع عنها كما يعتقد البعض.

طبعاً سبقَ ذلك كُله خطوة مهمة فيما يتعلقُ بالحكومةِ ذاتها والتي ابتدأ بها في تَحمُّل كلف التصحيح الاقتصادي من خلال الإعلان عن حزمةِ تخفيضاتٍ في النفقات العامة للدولة بقيمة 150 مليون دينار، والشروعِ في سحب مشروعِ قانون الضريبّة المُثير للجدل، كلها جهودٌ راميةٌ إلى تلبيةِ مطالبِ الشارع وتخفيف درجة الاحْتِقان لديه.

على المديين المتوسط والبعيد ظهَر الرزاز متوازناً في طرحه سواء في علاقة الاردن مع صندوق النقد الدولي او مع المانحين وحتى في وصفِ الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، وانه لا يوجد علاج سحري فوري للخروج من الازمة الراهنة سوى بالبدء بحوارٍ وطني للخروج بتفاهمات حول القضايا الخلافية.

حالة الشارع ومزاجه الحاد اليوم يتطلب -بعد الاجراءات الحكومية الاخيرة – السير بخطوات واضحة في اعادة ترميم الثقة بالخطاب الرسمي الحكومي خاصة في الشأن الاقتصادي، والحقيقة ان المواطن لا يثقُ بالحكومة ولا بخطابها نتيجة التراكمات السلبية التي عاصرها في السنوات الماضية خاصة الاقتصادية منها، والتي جميعها فشِلَت في تجنيب المواطنين تداعيات سياسات التصحيح المالي، لا بل انها ايضا فشِلَت في تحقيق حتى اهدافها المالية المتمثلة اساساً في خفض عجز الموازنة والمديونية ومحاربة حقيقية للفساد.

إذا كان على المواطن أن يتحمل تبعات فشِل الإدارات الحكومية الرسمية للاقتصاد الوطني؛ فإن الحكومة مطالبة أيضاً بتشاركية عالية في تحمل المسؤولية والأعباء المالية من خلال الإدارة الحصيفة للمال العام.

الحكومة مُطالبة بترجمة تعهداتها بإجراءات على ارض الواقع في التعيينات المختلفة التي عادة ما تثير اِشمِئزاز الاردنيين بسبب غياب العدالةِ والشفافية فيها، وان تعالج التشوهات الحاصلة في هيكلة الرواتب في القطاع العام وان تعتمد أُسُس الكفاءة والانتاجية في العمل بدلا من التسلسل الاداري الباهت المعمول به حاليا.

 الحكومة مُطالبة أيضاً بترجمةِ تعهداتها في مكافحة الفساد إلى قرارات واقعية يتَلَمَّسُ أثرها المواطن، وخاصة فيما يتعلق باِسْتِرْدَادِ الأموال المنهوبة، ولا يقصد بهذا الأمر فساد الادارات في الشركات فقط، وإنما يطال ايضا القرارات الحكومية التي كلفت الخزينة مئات الملايين من الدنانير، وأثرت سلباً على العجز والموازنة، ومرت دون أن يُحاسبَ أي مسؤول حكومي على تداعيات قراره الذي كان في بعض الأحيان من الناحية المالية أكبر من كل قضايا الفساد في تاريخ الدولة والدعم أيضاً، مثلما هو حاصلٌ في مشروعِ إعادة الهيكلة الذي قُدّرت كلفتهُ بـ 80 مليون دينار في حين تجاوزت كلفته الحقيقية 450 مليون دينار.

المطلوبُ من الحكومةِ أن تكون قريبة إلى الشارع في همومه وتطلعاته، وأن تعملَ بجدّ على إيجادِ مفهوم دولة القانون وتعزيز ثقافته بين كافة شرائح المجتمع، ولا يكون هذا بالخطابات الاعلامية الرسمية فقط، وإنما يمتد الى الواقع في كل مجالات ونواحي الحياة في الدولة.

أكثرُ شيء مُقلق في العلاقة بين الشارع والحكومة هو فقدان الثقة، وهو أمر ليس وليد قرارٍ معين بحد ذاته، وإنما هو امتداد لسلسة أخطاء تراكمية امتدت لعقود ساهمت في فقدان الثقة التي يتعينُ على الحكومة أن تُعيدَ ترميمها مع المواطنين من خلال الصدق في العمل والانجاز.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.