صحيفة الكترونية اردنية شاملة

نحو استراتيجية للإصلاح والحوار والاقتصادي 

الحديث عن وضع استراتيجية وطنية للإصلاح الاقتصادي وبرنامج إصلاح اقتصادي وطني ليس وليد الساعة، فقد تمَّ تناوله في العديد من المحافل الرسمية والجلسات التشاورية والكتابات المتخصصة، بل إنَّ اللجنة المالية في مجلس الأعيان، وبرئاسة معالي الدكتور رجائي المعشر نائب رئيس الوزراء حاليًّا، قد طالبت بذلك وبشكل مضطرد منذ نحو عشر سنين، وكان ذلك تعليقاً وتعقيباً على الموازنات التي يتمُّ رفعها إلى مجلس الأمة، والتي كان معظمها يخلو من أي جهد حقيقي للإصلاح الاقتصادي، بقدر ما يشكِّل مُسكناتٍ آنيةً لظرفٍ آني بالنسبة إلى الحكومات السابقة.

ولعلَّ أهمَّ ما يمكن أن يُقال في موضوع البرنامج الوطني المنشود قضايا ثلاث رئيسة: الأولى أهمية التشاركية في وضع ذلك البرنامج، والثانية أهمية البناء على الجهود السابقة، والثالثة أهمية التوجه نحو توسيع نطاق الاقتصاد وإنتاجيته اعتماداً على الموارد المحلية الصناعية والزراعية والخدمية. والتشاركية هنا تعني بالضرورة التعاون مع الشريك الرئيس للحكومة وهو القطاع الخاص، المشغل الرئيس للقوى العاملة اليوم، والدافع للضرائب، والمولِّد للاحتياطيات الأجنبية؛ أي الداعم للاستقرار النقدي والمالي للدولة، وبالتالي فالقيام بأي جهد إصلاحي اقتصادي دون مشاركة ممثلي هذا القطاع وخبرائه، هي بمثابة التخطيط خارج السرب. كما أنَّ المشاركة تُحتِّم إشراك المختصين والخبراء من علماء وأكاديميين وممثلي هيئات مجتمع مدني، بما في ذلك الأحزاب ذات البرامج الواضحة. وعليه فإن الأردن اليوم بحاجة فعلية، قبل إعداد موازنة العام القادم، إلى ملتقى وطني تشاركي يضع الخطوط العريضة للبرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي، وبمشاركة الأطراف المشار إليها، إضافة إلى خبراء مختصين من الهيئات الدولية مثل الصندوق والبنك الدوليين، ومؤسسة التمويل الدولية، وحتى المؤسسات المهتمة بالعمل والعمال، وتلك المهتمة بقطاعات محددة مثل السياحة والزراعة والصناعة، وقضايا التنافسية القطاعية.

هذه التشاركية مطلب أساس للخروج ببرنامج عملي قابل للتطبيق والمتابعة والمحاسبة بشفافية. أما أهمية البناء على الجهود السابقة، فهو أمر ليس اختياري في ظل وجود جهود نوعية كبيرة لعلَّ آخرها برنامج التحفيز الاقتصادي 2018-2022، وهناك العديد من الجهود التي تعالج قضايا الاقتصاد بشكل عام، أو تعالج قضايا خاصة في الاقتصاد بشكل خاص، مثل الدراسات الخاصة بقطاع الصناعة “برنامج صُنِع في الأردن” مثلاً، أو مبادرات تنشيط قطاع السياحة مثل برنامج “سياحة” الذي تبنَّته وكالة الإنماء الأمريكية USAI، أو برنامج دعم قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، أو غيرها من البرامج التي مولتها هيئات دولية وخرجت بتوصيات واضحة حول ما هو المطلوب لكافة القطاعات. والشاهد هنا، ألا نبدأ من فراغ، بل يجب أن نبني على ما تمَّ، وأن نتعلَّم من السقطات السابقة، إن وجدت. أمَّا ما يتعلق بأهمية الاهتمام بجانب العرض وتوسيع نطاق الاقتصاد وإنتاجيته، ففي اعتقادي أنَّ هذا هو المخرج الوحيد نحو تنمية ونمو مستدام اقتصاديًّا. وهنا يجب الإشارة إلى أنَّ برامج الإصلاح الاقتصادي تنقسم من حيث التوجُّهات إلى نوعين؛ الأول تثبيتي يتعلَّق بالتخلص من التشوهات الاقتصادية من قبيل الدعم غير الموجَّه للمستحقين، والتدخُّل في الأسعار وغيرها من التشوُّهات الاقتصادية المؤثرة في العجز المالي والعجز التجاري على حدٍّ سواء، والثاني هيلكي يتعلق بتنشيط قطاعات الاقتصاد وفتح الأسواق وجذب الاستثمارات. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الأردن أنهى الجزء الأول بأكثر ممَّا هو متوقَّعٌ منه، حتى إنَّ جميع السلع المدعومة سابقاً تحولت إلى سلع ترفد الخزينة بمبالغ كبيرة نسبيًّا عبر بوابة الضرائب والرسوم بأنواعها، والمثل على ذلك بتحول دعم مشتقات النفط إلى ضرائب ترفد الخزينة بما يزيد على 800 مليون دينار، بعد أن كانت عبئاً عليها، وصل في وقت ما إلى 250 مليون، وهكذا الأمر بالنسبة إلى الخبز، والكهرباء، وغيرها من التشوهات السابقة التي كان من المهم تصويبها. أما اليوم فالمطلوب إصلاح اقتصادي هيكلي يعزِّز تنافسية الاقتصاد، ويجذب الاستثمارات، ويشجع القطاع الخاص المحلي ويساعده ويدعمه ويسهِّل له سبل العمل والتوسع والنفاذ إلى الأسواق الخارجية وتحقيق معادلة التنمية المرتكزة على خلق الوظائق وتحقيق العوائد واستجرار العملة الأجنبية دعماً للاحتياطيات الأجنبية والاستقرار المالي. وقطاعاتنا الاقتصادية جميعها قادرة على ذلك، إن تمَّ التعاون والتعامل معها كشريك في التنمية وليس كمصدر للضرائب والرسوم فقط. ولذلك، فإنَّ الإصلاح يتطلب الترشيق الحقيقي والفعلي والجاد للجهاز الحكومي، وضمن هدف واضح يجعل من الجهاز الحكومي أكثر فاعلية. وعلى الحكومة أن تُرشق خدماتها عبر سياسات التعهيد للقطاع الخاص Out Sourcing، مع تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة على تقديم العديد من الخدمات بدلاً من الحكومة، ما يجعل الشباب أكثر إقداما على تأسيس شركات صغيرة مقابل عقود خدمة مع مؤسسات الدولة، وهو أمر سيخفف الكثير من النفقات المالية والأعباء الإدارية عن الحكومة، ويفتح المجال لوظائف جديدة في القطاع الخاص وعند الشباب من الجنسين. 

وفي الختام، فإنَّ من المهم العودة إلى ملتقى اقتصادي سنوي، كما بدأنا ذلك في نهاية 1999 وبقيادة جلالة الملك، ملتقى يقوم على شراكة فعلية مع القطاع الخاص، والخبراء والمختصين من أكاديميين وأفراد مجتمع مدني، يضع سياسات واستراتيجيات عمل وطنية، ويعقد اجتماعاً سنويًّا مع الحكومة وبمشاركتها بشكل فعال، بهدف مراجعة الأداء وطرح الأفكار الجديدة، وتكون آلية عمله كما هي الحال في المنتدى الاقتصادي العالمي، بحيث تُختار قضايا تهم الوطن في كل عام، ويتم مناقشتها والخروج بتوصيات ملزمة للحكومات، على أن يبدأ كل لقاء سنوي بتقييم ما سبق، واقتراح ما هو مطلوب للمستقبل، بهذا نكون قد سعينا إلى إصلاح اقتصادي وطني حقيقي وفق برنامج إصلاح اقتصادي وطني بحت، سيساعد بلا شكٍّ على الخروج من عنق الزجاجة إلى آفاق العالم المتقدم، وهو ما يستحقه الأردن فعلاً.

[email protected]

التعليقات مغلقة.