صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الأردن بحاجة إلى عملية.. إلى إعادة بناء مستمرة

عانت الدول العربية ومن بينها الأردن منذ الإستقلال من مشاكل بنيوية وهيكلية وسياسة وإجتماعية وإقتصادية وبدرجات متفاوته ، أعاقت بناءها وإستقرارها، وقد لعبت عدة عوامل دوراً رئيسياً في إعاقة بناء هذه الدول:

– دور العامل الخارجي في إنشاء هذه الدول التي إنبثقت عن اتفاقية (سايكس – بيكو) بهدف تحقيق المصالح الاستعمارية الغربية(بريطانيا وفرنسا) ، دون الأخذ بعين الاعتبار المكونات الاجتماعية والديمغرافية والثقافية داخل الدولة نفسها.

– عدم إستيعاب مفاهيم الدولة الحديثة القائمة على المؤسسات ومفهوم المواطنة والتداول السلمي للسلطة، فثقافة المجتمع والنخب التي تسلمت مقاليد السلطة هي ثقافة محكومة بنزعة المحافظة على البُنى التقليدية المتمثّلة بالعائلة والعشيرة والجماعة الإثنية، والطائفة وغيره.

– إشكالية الهوية والاندماج الوطني والاجتماعي داخل الدولة الواحدة، في ظل وجود هويات وولاءات فرعية ، دينية ، مذهبية، طائفية، عشائرية، عرقية، أو مناطقية.

– إشكالية العلاقة بين الدولة والسلطة، فالسلطة الحاكمة وضعت نفسها فوق الدولة، وصادرت دورها، وأصبحت الدولة ملكاً خاصاً لمن يمارس السلطة، كما أن مرتكزات شرعية الأنظمة السياسية العربية تقوم على أسس تقليدية: شخصية القائد الكاريزمية،عشائرية ، دينية ،او عسكرية (شرعية إنقلابات عسكرية )، وليست شرعية قانونية دستورية .

– إشكالية الديمقراطية والتي تعني تجديد النخب الحاكمة، وتداول السلطة عن طريق الانتخابات والمشاركة السياسية، وهذه العملية لا تزال خارج الممارسة السياسية للدول العربية الحديثة، وإن وجدت بعض مظاهر الديمقراطية ، إلا أنها ما زالت ضعيفةً ومشوهة وعاجزةً في أساليبها، ومحكومةً بقيود السلطة وحدود المسموح به فقط، حيث أن القيادة السياسية العربية لا تزال شديدة التأثّر بالشخصية الاعتبارية للزعيم القائد الذي ينفرد بخصوصية تجعله يتسم بالبطولة والشجاعة والإنفراد بالسلطة .

– المعوقات الاقتصادية والاجتماعية، والهشاشة والتبعية التي تعانيها اقتصاديات معظم الدول العربية ،تآكل الطبقة الوسطى ، تهميش مؤسسات المجتمع المدني وإرتفاع معدّلات الفساد، والفقر، والأمية، والهجرة، والبطالة.

– التنافس والصراع بين الدول العربية (أنظمة تقليدية محافظة وأنظمة جمهورية ثورية ويسارية وقومية )،وإنقسام الأنظمة العربية خلال فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرق. 

– قيام الكيان الإسرائيلي،وإحتدام الصراع العربي- الإسرائيلي، وما شكّله من عائقٍ ذاتيٍّ وموضوعيٍّ أمام بناء الدول العربية خاصة الدول المجاورة لفلسطين.

وعلى ضوء ما تقدم، يلاحظ بأن الدول العربية نجحت في بناء سلطة وأجهزة عسكرية وأمنية لحماية الأنظمة السياسية،وفي المقابل أخفقت في بناء دول حديثة،

كما أخفقت في تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية ، وعانت من أزمات سياسية وإقتصادية وإجتماعية بدرجات متفاوته،وهي بذلك تحتاج الى عملية إعادة بناء مستمرة وتكيف سياسي تتماشى مع التطورات والمتغيرات، فقد كانت عملية بناء الدولة تعني بعد الحرب العالمية الثانية، مع إستقلال العديد من الدول في آسيا وإفريقيا وأمريكيا اللاتينية، إقامة مؤسسات مستقرة تستهدف تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتحرر من التبعية والاستعمار، وتحقيق الأمن وصياغة دساتير وهياكل سياسية تقود عملية التنمية، لكن بعد إنتهاء الحرب الباردة آواخر القرن الماضي برز مصطلح إعادة بناء الدولة لمعالجة أوضاع الدول التي أصطلح على تسميتها بالدولة الفاشلة أوالهشة أو الدولة التي تعاني من أزمات.

وقد جاءت أحداث الربيع العربي( 2011) لتؤكد فشل بناء الدول العربية على أسس قانونية والحاجة لإعادة بناء هذه الدول، وتقوم عملية إعادة بناء الدولة على أساس تقوية المؤسسات القائمة، وبناء مؤسسات جديدة فاعلة وقادرة على البقاء والإكتفاء الذاتي، وهذا يعني أنها عملية إعادة بناء مؤسسات الدولة وأجهزتها على أطر قانونية منبثقة من الواقع للقيام بالوظائف التطورية للنظام من تغلغلٍ وتكاملٍ وولاءٍ والتزامٍ ومشاركةٍ وتوزيع، وتجسير الفجوة بين الحاكم والمحكومين وصولاً إلى تحقيق الاستقرار السياسي، وبناء شرعية مؤسسات الدولة وقدرتها على تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها، مثل الأمن، والعدالة، وسيادة القانون، والتعليم والصحة. 

وحول بناء وإعادة بناء الدولة الأردنية، فقد قام الأردن ومنذ تأسيس الإمارة والإستقلال القيام بعمليات إصلاحية سياسية ودستورية وإدارية متدرجة ، لكنها كانت تصطدم بمعوقات داخلية وبطبيعة الصراع العربي – الإسرائيلي والملف الفلسطيني، كما أدخل عدة تعديلات دستورية استجابة لمطالب الربيع الأردني عام 2011، وتعديلات أخرى عام 2014وعام 2016، وصفت بأنها تراجع عن إصلاحات عام 2011، وقام الملك على أثرها بإصدار رؤيته للإصلاحات السياسية والدستورية ضمن الأوراق النقاشية التي لم يطبق منها شيء، علما بأن الشعب الأردني مثقف وواعي ويطالب بإصلاحات حقيقية تعيد بناء الدولة على أسس قانونية وصولا الى دولة المؤسسات والحقوق والواجبات . ويتطلب نجاح إعادة بناء الدولة الأردنية ما يلي:

أولا: إرادة سياسية حقيقية في الإصلاح السياسي والأقتصادي والأجتماعي ، وهذا يتطلب إرسال الأوراق النقاشية الى الجهات التشريعية المختصة لدراستها وتضمينها في تعديلات دستورية وقوانين، بدلا من عرضها على الناس .

ثانيا: إعادة هيكلة العلاقات ما بين مؤسسة الديوان الملكي ودائرة المخابرات العامة والحكومة، لتقوم على أسس واضحة وسليمة من التناغم والتعاون والتكامل بدلا من التنافس والمناكفة، لتحقيق أهداف الدولة العليا، فمؤسسة الديوان الملكي بمثابة حكومة ظل تقوم بنقل توجيهات جلالة الملك للحكومة لدراستها وتنفيذها وتحمل مسوؤليتها أمام السلطة التشريعية، ودائرة المخابرات العامة(جهاز الأمن القومي) إضافة لواجباتها الكثيرة فإن من واجباتها متابعة ومراقبة الأوضاع الداخلية وأداء أجهزة الدولة وتقديم تقارير بذلك لجلالة الملك والحكومة لتصويب أي خلل .

ثانيا: تغيير منظومة القيم السلبية مثل التمييز والواسطة والمحسوبية والشللية والجهوية، وتعزيز قيم العدل والمساواة القانونية في الحقوق والواجبات، وسيادة القانون على الجميع، وتنمية قيم الولاء والإنتماء للدولة ونظامها السياسي ومؤسساتها، ونبذ العنف والإرهاب والفساد والإعتداء على المال العام،وأيضا تعزيز قيم التعاون والعمل التطوعي، وهذا يتطلب تنمية التنشئة والثقافة السياسية لدى المواطنين.

ثالثا: القيام بإصلاحات دستورية جديدة تعيد التوازن بين السلطات الثلاث، وتمنع تغول السلطة التنفيذية وتعزز الركن النيابي في النظام السياسي وصولا الى مرحلة تشكيل الحكومات البرلمانية، وإزالة كل التشوهات التي تم إدخالها على دستور عام 1952، وكذلك تعزيز العقد الإجتماعي بين الدولة ومواطنيها والذي يجعل من المواطنة بمعناها السياسي والقانوني محور الرابطة المعنوية بين الحاكم والمحكوم، ويستند الى مبادئ وأسس إحترام حقوق الانسان وإقرار التعددية السياسية والحزبية والفكرية وتمكين مختلف القوى ومؤسسات المجتمع المدني من التعبير عن مصالحها و توصيل مطالبها من خلال قنوات مؤسسية شرعية. 

رابعا: إصلاح وهيكلة الجهاز الحكومي (الإدارة العامة)،وضبط النفقات من خلال ترشيق أجهزة الدولة ومعالجة الخلل في تضخم هذا الجهاز وجعله أكثر فاعلية، بتقوية المؤسسات الضرورية،ودمج المؤسسات المتشابهة،وإلغاء غالبية المؤسسات المستقلة،وتوحيد نظام الرواتب والحوافز والتقاعد لكل المؤسسات وفقا لنظام الخدمة المدنية ،وتعزيز أجهزة الرقابة للحفاظ على المال العام ومحاربة الفساد المالي والإداري. 

خامسا: إصلاحات إقتصادية وإجتماعية جوهرية تعالج المشكلات المزمنة: الفقر، البطالة،المديونية،العجز في الموازنة، التضخم وإرتفاع الأسعار،التهرب الضريبي والجمركي الضرائب بكافة أشكالها،تراجع مستوى معيشة المواطنين وتدني مستوى الخدمات الصحية والتعليمية ، العنف المجتمعي. 

سادسا:دعم إستقلال السلطة القضائية، والتسريع في عمليات التقاضي. 

سابعا: الشفافية وحرية تدفق المعلومات وإصلاح منظومة الإعلام للوصول الى اعلام دولة وليس حكومة، كسلطة رابعة تعزز الشفافية والرقابة على مؤسسات الدولة . 

ثامنا: إجراءات حقيقية لمكافحة الفساد المالي والإداري في القطاعين العام والخاص.

التعليقات مغلقة.