صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الضريبة والحوار الوطني حول قانونها

أحسن صنعاً الدكتور رجائي المعشر، نائب رئيس الوزراء، حينما أشار صراحة إلى أنَّ الحوار اليوم حول هيكلية الضرائب في الأردن، وليس حول قانون الضرائب؛ أي إنَّ الحديث اليوم هو حول التصحيح الهيكلي المطلوب في هيكلية الضريبة في الأردن.

وهو أمر جاء في كتاب التكليف السامي للحكومة الحالية، ليوضِّح بشكلٍ صريحٍ أنَّ المطلوب هو مراجعة متخصصة ومتأنية لهيكل الضرائب في الأردن، بما في ذلك الضرائب غير المباشرة والتي يأتي على رأسها ضريبة المبيعات، التي أرهقت الطبقة الوسطى قبل الفقيرة وذلك لعدم عدالتها وتنوع منافذها ومخارجها، والحقيقة الأولى هنا هي أنه حينما تتوقع الحكومة أن تُحصِّلَ هذا العام مبلغاً يصل إلى نحو 5.2 مليار دينار من الضرائب المختلفة، فإنَّ ذلك يعني أنَّ العبء الضريبي في البلاد، وهو مقسوم هذه الضرائب على الناتج المحلي الإجمالي المتوقع، يصل إلى نحو 20%؛ أي إنه يتجاوز المتوسط المقبول للدول المشابهة للأردن في الدخل حول العالم. والحقيقة الثانية هي أنَّ القول بأن نحو 96% من الأردنيين لا يدفعون الضريبة، مقولة تقع ضمن مفهوم ولا تقربوا الصلاة، ذلك أنَّ 100% من الأردنيين يدفعون ضرائب غير مباشرة، خاصة ضريبة المبيعات، ناهيك عن الرسوم والضرائب غير المباشرة الأخرى.

وعلى نفس النسق فإنَّ إحجام تلك النسبة عن دفع الضريبة أساسه أنَّ دخول نحو 90% منهم لا تقع ضمن شرائح الدخل، بل هي بعيدة كثيراً عن تلك الشرائح. مع الاعتراف بأنَّ بعض الشرائح من أصحاب المهن لا يؤدون ضرائب الدخل الواجب دفعها.

أمَّا ما تبقَّى فإنَّ الأرقام الرسمية تشير صراحة إلى أنَّ متوسط الدخل الخاضع للضمان في الأردن لم يصل بعد إلى 500 دينار. وعليه فإنَّ الأصلَ هو العمل على توفير المناخ التنموي والاستثماري، والنمو المناسب لتحقيق دخول أفضل للأردنيين بما يؤهلهم إلى دفع ضرائب الدخل التي يصعب التهرُّب من دفعها بالنسبة إلى الموظفين؛ وهم الشريحة الأكبر من شرائح الدخل في الأردن.

والمقصود هنا، أنه بدلاً من الاستمرار في تنزيل شرائح الإعفاء إلى الأسفل للحاق بكل من لا يدفع الضرائب، لتدني دخله لا تهرُّبه، فإنَّ الأجدى هو العمل خلال السنوات الخمس القادمة على توفير مناخ استثماري اقتصادي يؤدي إلى زيادة دخل الأفراد وارتقاء ذلك الدخل إلى الشريحة الخاضعة للضرائب، فمن المؤكد أنَّ كلَّ من هو دخله تحت شريحة الدخل الخاضع للضرائب، لا يمانع، بل ويتمنى أن يخضع للضرائب حينما يتوافر له الدخل الذي يؤهله إلى ذلك.
المحصلة ممَّا سبق، أنَّ الحكومة اليوم بدأت مسيرة سليمة نحو حوار وطني جاد للهيكل الضريبي، وأنَّ الكرة اليوم في ملعب القطاع الخاص ومؤسَّسات المجتمع المدني، وعلى رأسها الأحزاب والنقابات والجمعيات المتخصصة في إعداد دراسات، وتوفير دعم علمي منطقي للحكومة وتقديمه لها. التطبيقات المُثلى حول العالم متوافرة، وخبراء إعادة هيكلة الضرائب موجودون في الأردن، وفي المؤسَّسات الدولية، وفي كلِّ مكان، ولعلَّ الفرصة مواتية اليوم ليقوم القطاع الخاص بالبدء بإعداد دراسة شاملة حول العبء الضريبي المناسب، والآلية المناسبة لتحصيل الضرائب، وخاصة ضريبة الدخل، والنماذج العالمية الناجحة في تطبيقات الضريبة، والمتطلبات الناجعة لضريبة غير منفرة للاستثمار، وطرق الضرائب التصاعدية المناسبة لدولة مثل الأردن، بما في ذلك ضرائب قيمة مضافة “أي مبيعات” تصاعدية، والإطار الزمني المناسب لتدريج إدخال الضرائب المقترحة، والأثر الاقتصادي والاجتماعي لكل ذلك.

القطاع الخاص حينما يقوم بذلك، إنما يستثمر في مستقبل نموه وعمله، ومؤسَّسات المجتمع المدني حينما تقوم بذلك، إنما تستثمر في مهنيتها وفي مستقبل المستفيدين منها ومن خدماتها. آن الأوان أن يكون الحوار مع الحكومة عبر وسائل علمية منطقية ومدروسة. آن الأوان أن نستثمر في المستقبل عبر سياسات علمية تقوم على أفضل التطبيقات في العالم. علينا أن نتعلَّم من تجارب الآخرين، وأن نستثمر في خبراء محليين ودوليين يقدمون المشورة ويساعدون الحكومة والقطاع الخاص على العمل سويًّا لخدمة الاقتصاد الوطني وخدمة مستقبل البلاد.

بقي القول بأنَّ على القطاع الخاص أن يبدأ بمبادرة مشتركة تقودها أحد مكوناته، لتوحيد الجهود وتقديم مبادرة موحدة وكلمة واحدة عبر دراسة تموَّل من قِبَل تلك المبادرة، ويتم التوافق عليها بين مكونات القطاع الخاص، والهدف أن تجد الحكومة نفسها أمام جهة متكاملة تعمل للمصلحة العامة، وليس خطابات مشتتة هنا وهناك.

[email protected]
8/7/2018

التعليقات مغلقة.