صحيفة الكترونية اردنية شاملة

معالجة البطالة: الطريق غير المطروق

أرقام مفزعة تلك التي تظهر حول حجم التدفقات إلى سوق العمل من القادمين الجدد؛ فالزميل سلامة الدرعاوي في مقال حديث أشار إلى أنَّ هناك ما يقرب من 158 ألف قادم جديد إلى سوق العمل في الأردن، منهم نحو النصف، أو 75 ألف ممَّن لم يحالفهم الحظ في الثانوية العامة، ومنهم نحو 56 ألف من خريجي الجامعات، وما يقرب من 12 ألف من خريجي التدريب المهني والتقني. المعضلة الكبرى أنَّالجهاز الحكومي الرسمي لم يعد يستوعب أكثر من 10 آلاف شاغر سنويًّا؛ أي نحو 6% فقط من الخريجين، ولعلَّمعظم ما يمكن أن يستوعب الجهاز الحكومي هم من حملة الشهادة الجامعية، وما تبقى هم فائض متاح أمام القطاع الخاص القائم، والذي لن يستوعب في أحسن فرصه اليوم، وفي ظل معدلات نمو لا تتجاوز 2%، أكثر من ضعف ما تستوعبه الحكومة؛ أي نحو 12% أو أكثر بقليل من ذلك. أي إننا نتحدَّث عن سوق قائم لا يكاد يتعدى استيعابه 20% من حجم القادمين الجدد إلى سوق العمل. والسؤال: أين سيذهب ما تبقَّى؟ وكيف يمكن استيعابهم اليوم بشكل سليم ، ومحاولة فتح آفاق جديدة للسوق لاستيعاب المزيد بل والتوسُّع بشكل أكبر؟ وبداية علينا أن نعترف أنَّ المعضلة الكبرى هي أنَّ كلا الجهازين؛ العام والخاص سيستوعب، بشكل أساس أفضل الخريجين، مع تحييد عملية الوساطة والمحسوبية، وبالتالي فإنَّ كثيراً ممَّن تبقَّى هم من حملة الشهادات، وليسوا من مكتسبي المؤهلات أو المهارات المطلوبة لسوق العمل، وهناك فرق كبير بين مَن يحمل شهادة، مهما كان مستواه التعليمي، ومن يحمل مُؤَهِّلاً أو مهارة. ومن ناحية أخرى، فإنَّ معدلات النمو المتدنية لا تسمح باستيعاب عمالة مهارة أو غير مهارة، وبالتالي هي أكبر المعيقات أمام استيعاب القوى العاملة المتوافرة. ومن ناحية ثالثة فإنَّ الاقتصاد الأردني ما زال غيرَ مشجعٍ على المشروعات الصغيرة والمتوسطة بسبب ضعف ما يُسمَّى بسوق التعهيد القائم على قيام شركات صغيرة ومتوسطة ببعض الأعمال نيابة عن مؤسَّسات القطاع الخاص والقطاع العام تحت مسمى “التعهيد” Outsourcing. وللخروج ممَّا نحن فيه، فإنَّ التجارب المُثلى في العالم وضعت للمعضلة الأولى؛ أي الشهادات بدون المؤهلات أو المهارات، حلَّين اثنين؛ الأول طويل المدى يتعلَّق بتحسين التعليم بما يكفل أن يتخرَّج الطالب ومعه ثلاثة مؤهلات أو مهارات، إضافة إلى الشهادة مثل مهارة لغة إضافية، ومهارة البرمجة وإتقان الحاسوب، ومهارة حسن التواصل والاتصال؛ أي إنَّ خريجي المدارس أولاً، ثمَّ الجامعات سيواكبون ما يتطلبه سوق العمل من مهارات مساندة ومكملة للعلوم التي يحصلون عليها. والحل الثاني آني يتعلَّق بفتح مراكز التعليم والتدريب المهني مجانا، لإكساب الخريجين الحاليين المهارات التي تنقصهم في سوق العمل من ناحية،أو المهارات التي يمكن أن تساعدهم على بدء أعمالهم الخاصة من ناحية ثانية. وهنا جاءت دورات مهارات الاتصال مهارت اللغة، ومهارات متعلقة بإتقان بعض المهن المطلوبة لسوق العمل، مع فرض رخص لتلك المهن وفرض مستويات تصنيف ومنع العمل في أي مهنة خارجة التصنيف أو التأهيل، وتحت طائلة المسؤولية على من يستخدم عمالة غير مرخصة وغير مؤهلة. المسار الثاني الذي يتطلبه الوضع الآني في الأردن هو مسار الجدية في تحسين مستوى الاستثمارات والبيئة الاستثمارية، ولعلَّالحكومة الحالية تحاول ذلك عبر قناتين اثنتين؛ الأولى البدء فوراً بتشكيل لجنة مشتركة من القطاع الخاص وهيئة الاستثمار وبعض المختصين، للوقوف على معضلات موقع الأردن في تقارير التنافسية وبدء الأعمال، والبدء فوراً بكسر كافة حواجز الخطوط الحمراء الموضوعة دون داعٍ في الكثير من الإجراءات، وهذا موضوع لن يستغرق أكثر من شهرين من العمل والإنجاز، وهو أمر لن يحسِّنَ موقع الأردن في مؤشرات التنافسية فحسب، بل سيؤدي إلى تحقيق توسعة في الاستثمارات القائمة وجذب للاستثمارات الخارجية. أما القناة الثانية فهي البدء فوراً بتشغيل الصندوق السيادي الوطني الذي تمَّ الاعلان عنه منذ نحو عامين أو أكثر، والبدء فوراً بتشكيل إدارته من مختصين وأصحاب فكر تجاري وفكر في مجال تنمية الأعمال، والبدء بإحالة مشاريع حقيقية ضمن أعمال الصندوق مع توسيع نشاطه ليشمل مشروعات خدمية وزراعية وصناعية، ويمكن هنا استخدام الجزء الأكبر من المنح الخليجية الآخيرة لغايات ومشاريع هذا الصندوق. والمسار الثالث والأهم على الإطلاق هو في ضرورة إطلاق صندوق سيادي وطني كبير لغايات دعم وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وخاصة في المحافظات خارج العاصمة. صندوق بحجمٍ لا يقلُّ عن نصف مليار دينار، مهمته تأهيل الشباب نحو تقديم كافة الخدمات والسلع المساندة لعمل القطاع العام والخاص في كافة المحافظات، ومن ذلك الخدمات اللوجستية، بما فيها نقل البريد، ونقل الأفراد، وخدمات الصيانة، وخدمات إدارة العقارات والمباني، وخدمات التغليف، والطباعة، والتوريد. يضاف إلى ذلك تشجيع بناء شبكات متكاملة في الثروة الحيوانية، عبر شركات صغيرة للتربية، وأخرى لاستغلال المنتجات، وثالثة للتخزين والتبريد والحفظ الآمن، ورابعة للتوزيع. شبكات من سلسلة الإنتاج والعرض والتوزيع Supply Chain . وهناك مجالات أكبر من ذلك لقطاع الصناعة لمساندة الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومن يُرِدْ أمثلةً على ذلك، فما عليه إلا أن يدرس مستوى اعتماد كبرى المصانع الأوروبية، بما فيها مصانع السيارات الكبرى، على الشركات الصغيرة والمتوسطة في الكثير من المنتجات والخدمات الفارهة التي نشاهدها ونلمسها اليوم في أفضل ماركات وأنواع السيارات العالمية. البطالة عند معدل 18.5% معضلة كبرى اليوم، ولكن تركها وتفاقمها مصيبة تدق جرس الخطر في المستقبل، الحلول موجودة والبدء بها اليوم خيرٌ من ترحيل الأزمات إلى زمن يصبح فيه الحلُّ معجزةً قد يصعب تحقيقها

[email protected]

التعليقات مغلقة.