صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الأجندة الاقتصادية فرص برغم التحديات

بات من المؤكد اليوم أنَّ الأجندة الاقتصادية تطغى على كلِّ أولوية أخرى في البلاد، بيد أنَّ تحقيق هذه الأولوية يحتِّم أولاً الوقوف على واقع الحال على مستوى الأرقام الكلية من جهة، وعلى مؤشرات وموقع الاقتصاد الأردني في المنظومة العالمية من جهة أخرى. فتحليل الوضع القائم يشير إلى أنَّ الحكومة تنطلق من مجموعة من التحديات على رأسها معدل بطالة يفوق 18.5%، يُغذيه قادمون جدد إلى سوق العمل يتجاوز عددهم 158 ألف شخص الكثير منهم غيرُ مؤهلين لدخول سوق العمل، حتى حملة الشهادات منهم، بفعل أنهم حملة شهادات وليسوا حملة مؤهلات ومهارات لدخول سوق العمل، ويضاف إلى ذلك تحدي مديونيةٍ تتجاوز نسبتها 95% من الناتج المحلي الإجمالي، والمُخيف فيها ليس النسبة فقط بل هيكلها ومصادرها؛ فهيكلها ديون جارية ومصادر جلُّها مؤسَّسات بنوك تجارية بكلف عالية، ويضاف إلى ذلك كله تحديات النمو المتواضع الذي يقل عن مستوى النمو السكاني منذ العام 2012، أي إنه نموٌّ يضيف إلى تراجع الدخل الفردي؛ ولا يؤدي إلى تحسُّن مستوى المعيشة في البلاد. وأخيراً، وضعٌ إقليميٌّ فاقم من أزمة التجارة الخارجية وأسهم في صعوبة الوصول إلى الأسواق التقليدية في المنطقة وخارجها. أمَّا على صعيد المؤشرات العالمية فإنَّ منظومة مؤشرات تقارير التنافسية وسهولة بدء الأعمال والشفافية تشير إلى وضع حرج وإلى تراجع في معظم مؤشرات تلك المنظومة أو استقرار عند مستوى متدنٍّ، أمَّا التصنيف الائتماني للملكة فيشير إلى أنَّ هناك استقراراً عند مستوى تصنيف B+ وهو تصنيف يعدُّ بحد ذاته غير مشجعٍ على جذب الاستثمار. الشاهد ممَّا سبق كله ليس في رسم صورة قاتمة أمام الحكومة الحالية، بل هو ما يمكن تسميته تحليل واقع الحال للانطلاق نحو صياغة استراتيجية حقيقية للخروج من الأزمة، والتقدم إلى الامام. والجميل أنه بالرغم من قتامة الصورة المرسومة إلا أنَّ الفرص التي ستتولد عن كافة التحديات السابقة كبيرة وكبيرة للغاية. فمؤشرات الاقتصاد في أسوأ حالاتها، والجدية في التعامل معها سيولد نتائج إيجابية للغاية ستحسب للحكومة بالرقم والإنجاز. وفي رأيي أنَّ الحكومة الحالية، على الرغم من كل التحديات القائمة إلا أنها جادة في صناعة الفرق وفي إنجاز العديد من المتطلبات. والجميل أيضاً أنَّ الكثير من تلك المؤشرات يمكن أن نلمس تغيرها باتباع مجموعة من السياسات والإجراءات الآنية التي ستولد شعوراً حقيقيّاً بأننا في الطريق السليم. وهنا يمكن القول: إن هناك العديد من الخطط والبرامج القائمة التي يمكن الاستناد إليها لتحقيق نتائج حقيقية على أرض الواقع. فمشاريع خطة الأردن 2025 موجودة، ومشاريع خطة التحفيز أيضاً متاحة، والأهم وفوق كل ذلك هناك المشروع النهضوي التنموي الذي طالب به كتاب التكليف السامي، والذي يمكن أن تكون انطلاقته فورية بالإعلان عنه كمشروع اقتصادي تنموي وتكليف جهة مختصة أو فريق خاص ضمن الرئاسة لصياغة متطلباته ضمن صندوق وطني لدعم وتمويل وتعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وهناك صندوق موجود فعلاً لتمويل تلك المشاريع في المؤسَّسة الأردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية ولكنه بحاجة إلى تفعيل حقيقي وذلك عبر ضمه إلى هذا المشروع النهضوي الوطني. وعلى صعيد المشاريع والمبادرات أيضاً هناك مجموعات من المبادرين والخبراء وأصحاب الاختصاص ممن انبروا إلى مبادرات وطنية مثل مجموعة إنعاش الاقتصاد الوطني، وهي مجموعة فاعلة عقدت عدة اجتماعات وطرحت عدة مبادرات في قطاعات عدة، ولديها العديد من المشاريع التي يمكن دراسة وتبني الكثير منها وإحداث فرق، ليس فقط في قطاع أو منطقة معينة، بل في العديد من القطاعات والمحافظات التي لم تأخذ حقها الطبيعي من التنمية. 

أمَّا التحديات التي تفرضها اليوم مؤشرات الاقتصاد الوطني على المستوى العالمي، فإنَّ هيئة ووزارة الاستثمار قادرين على إحداث فرق حقيقي إذا ما أعطيا الفرصة لتصويب العديد من القصور في مؤشرات التنافسية ومؤشرات بدء الأعمال ومؤشرات الشفافية. كل ما يتطلبه الأمر هو أن نقارن ما هو موجود مع ما هي أفضل التطبيقات، ونُصرُّ على السير في تعديلها. وختاماً، باعتقادي أنَّ أمام الحكومة الحالية فرصة كبيرة لإحداث الفرق في زمنٍ قياسي، وباعتقادي أنَّ الحكومة قادرة على إحداث ذلك الفرق بل وساعية إليه، فجميع الإشارات توضِّح ذلك وتؤكِّد جدية الحكومة ورئيسيها في تحقيق نتائج ميدانية ملموسة. بقي القول: إنَّه يجب على الجميع المساعدة على تحقيق ذلك، ويجب على الحكومة أن تضع آلية محددة لتحقيق ما تتمناه عبر وحدة متخصصة تتبع رئيس الحكومة، وهي وحدة موجودة في العديد من الدول المتقدمة تحت مسمى وحدة الإنجاز Delivery Unit بيد أنَّ من المهم أن يتم تسليحها بالخبرة والمعلومة، بحيث تقدم تقريراً أسبوعيّاً لرئيس الوزراء حول الإنجاز أو معيقات الإنجاز أوتحديات الوضع. ومن ناحية أخرى، علينا أن نعطي الحكومة فرصة للعمل بعيداً عن الضوضاء أو الانشغال بقضايا خارج نسق الإنجاز الاقتصادي. ولندع الأجهزة المختلفة تقوم بواجبها في منظومة الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد وغيرها من القضايا الوطنية التي لا أقلل من أهميتها، ولكن أخشى أن نطلب من الحكومة الانشغال بها أكثر من الأجندة الأهم؛ أي الأجندة الاقتصادية.

[email protected]

التعليقات مغلقة.