صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أين غابت التقاليد والقيم الأردنية مع طائرة أحلام ؟

الفنانة الإماراتية أحلام، حظيت عند وصولها إلى مطار الملكة علياء الدولي قبل أيام، باستقبال شعبي مهيب لا يحظى به زوار رسميون مهمون. فقد كان في استقبالها مع الجمهور المغرم بالفن، إحدى سيدات المجتمع ذات المكانة الرمزية. وعندما ترجلت الفنانة من سيارة الليموزين، داهمتها تلك السيدة بالعناق الطويل بينما فرقة الغناء الشعبية تعزف ألحانها، مصحوبة بالغناء والزغاريد، وكأن حاملة البركة قد حطت رحالها على الأرض الأردنية. ولكن الضيفة الجليلة كانت في تلك اللحظة مشغولة بتسجيل فيديو استقبالها، دون أن تعير اهتماما كبيرا لمن أمطرتها بالقبلات والعناق.

على كل حال هذا جانب شعبي ليس لنا مأخذ كبير عليه، ولكن أن تكون في استقبالها على مدخل فندق إقامتها وزيرة السياحة والآثار لينا عناب، وأن تُنقل الفنانة أحلام إلى البتراء بطائرة عسكرية، يحف بها المسؤولون ورجال الأمن من الجوانب، فهذا أمر مستهجن وغير مألوف في بلادنا منذ تأسيس الدولة. وبهذه المناسبة أحب أن أذكّر القراء الكرام بالقصص الواقعية التالية :

1. في إحدى المناسبات قبل ثلاثة عقود استخدم رئيس وزراء سابق، طائرة عسكرية عمودية في زيارة لإحدى مناطق المملكة. وفي وقت لاحق تلقى لوما من مرجع أعلى لهذا العمل وطلب منه أن لا يكرره في المستقبل، علما بأنه وزير دفاع ترتبط به القوات المسلحة بفروعها الثلاثة. 

2. في عام 2000 انقلبت سيارة على الطريق الصحراوي، كان يستقلها المرحوم محمد ابن الفريق مشهور حديثة الجازي رئيس هيئة الأركان الأسبق، فنقل المصاب إلى مستشفى الكرك بحالة خطرة. وتبين هناك أنه بحاجة لإخلاء سريع بالطائرة إلى مستشفى تخصصي، نظرا لصعوبة نقله بسيارة الإسعاف. ولكن لم تتم الاستجابة للطلب إلا بعد أن وقع ذووه على شيك بأجرة الطائرة قبل أن تقلع بلغ مقداره 15000 دينار. 

3. قبل ذلك الحادث بأسبوع، كانت سائحة بريطانية قد تعرضت لحادث سقوط بسيط في البتراء، فتم إخلاءها إلى المدينة الطبية جوا بمرافقة طاقم طبي كامل، وعلى نفقة القوات المسلحة. وعند الفحص من قبل الطبيب تبين علما أن الحادث كان عبارة عن ( فكشة رجل ) فقط.

4. في عام 2014 تعرض الرقيب عودة الحواتمه من مرتب القوات المسلحة، إلى لدغة أفعى في محمية الموجب / لواء ذيبان بينما كان برفقة أخيه. ولعدم تمكنه من التقاط شارة الاتصال الهاتفي لإبلاغ الدفاع المدني وأهله بما حدث ارتقى إلى مكان مرتفع. وعندما استجاب الدفاع المدني للطلب ووصل إلى أقرب مكان للموقع، لم تتمكن سيارة الإسعاف من الوصول إلى الملدوغ بسبب وعورة المنطقة ذات الطبيعة الجبلية. أما المناشدات المتواصلة للجهات الرسمية في إرسال طائرة عمودية لإنقاذ حياة الرقيب عوده فلم تثمر عن نتيجة. 

أخيرا تمكنت كوادر الدفاع المدني والأهالي، من نقل الملدوغ على ظهر حمار، وإيصاله إلى سيارة الإسعاف وهو في حالة غيبوبة، وتم نقله إلى مستشفى الأميرة سلمى في ذيبان. فتبين أن المستشفى غير مجهز للتعامل مع هذه الحالة، وجرى نقله إلى المدينة الطبية بسيارة الإسعاف رغم طول المسافة. ولكن الأطباء لم يستطيعوا إنقاذ حياته، بعد أن استشرى السم في جميع أعضاء جسمه فتوفاه الله. ( رحم الله المتوفين جميعا ).

وهذا الحال يطرح التساؤلات التالية : ما الذي يحدث في بلدنا العزيز من تغييب للقيم والتقاليد الأردنية العريقة ؟ لماذا يجري استقبال فنانة بالأهازيج والزغاريد في مطار الملكة علياء الدولي، ومن ثم استقبالها من قبل وزيرة السياحة على مدخل الفندق؟ ألم يكن بالإمكان إرسال مندوب من هيئة مهرجان جرش أو من الوزارة إلى الضيفة المكرّمة، والترحيب بها باسم الحكومة إذا كانت مهمة لهذه الدرجة ؟ ولماذا تتم استضافتها من قبل ذوي الشأن ( على الغدوات والعشوات )، وأخيرا دعوتها لزيارة مؤسسة نهر الأردن الرسمية ؟ 

من الذي أمر بنقل الفنانة إلى البتراء بطائرة عسكرية، حتى وإن كانت مقابل الثمن منها أو من غيرها ؟ وهل هذا الإجراء سيصبح تقليدا أردنيا، لاستقبال الفنانات والفنانين مستقبلا ؟ لاسيما وأنهم قادرون على دفع أجرة الطائرات العسكرية بسهولة إذا لم يجرِ التبرع لهم بالطائرة من أصحاب الشأن ؟ فهل أصبحت طائراتنا العسكرية هذا اليوم وسيلة نقل عمومية، تؤجر لمن يدفع الثمن كما هو حال شركات التاكسي : أوبر وكريم ؟ 

وأخيرا أرغب أن أختم مقالي بالاقتراح التالي : طالما أن الدولة ترفع شعار ” الإنسان أغلى ما نملك ” أرى من الأجدى أن يتم تخصص طائرة إخلاء طبي مع طاقمها، ترتبط بمرجعية معينة لإخلاء الحالات الإنسانية، التي يصعب نقلها بسيارة الإسعاف، إلى المستشفيات المطلوبة دون مقابل. وإذا كان العائق ماديا، فأقترح الاستغناء عن عدد من المؤسسات الخاصة، التي تكلف الدولة مبالغ طائلة دون مردود نافع، وتحويل مخصصاتها المالية لهذا المشروع الإنساني العظيم، تيمنا بطائرة الفنانة أحلام وتحقق أحلامنا التي نتمناها . . ولا يضيع الله أجر من أحسن عملا.

التعليقات مغلقة.