صحيفة الكترونية اردنية شاملة

استهداف قطاعات اقتصادية واعدة

في عصر ما بعد الحداثة، وبعيداً عن “الأصولية الاقتصادية” التي تميل المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية الى ممارستها، أصبح من المسلّم في حقل السياسة والتطبيقات الاقتصادية الحديثة أنه لا توجد استراتيجيات أو سياسات اقتصادية مطلقة تنطبق على كل بلد وكل عهد. ففرضية “نهاية التاريخ” أو تفوق “الليبرالية الجديدة” هي مجرد تعصب دوغمائي بعد الأزمة المالية والاقتصادية العالمية المعاصرة، دون تجاهل -بالطبع- انهيار الأيديولوجية الأشتراكية والاتحاد السوفييتي سابقاً.

وبالتالي، يندر أن تجد ما يُسمى ب”الممارسات الدولية الفضلى” في التفاصيل. فالتوصية الاقتصادية “الجيدة” ترتبط بصورة كبيرة بظروفها الزمانية والمكانية وبخصوصية محيطها وسياقها الخاص. والاستراتيجية الاقتصادية الملائمة يصعب استنساخها ولا يمكن الا أن تكون في سياق محدد Contextualized. هذا مبدأ هام في بناء الدول، بما فيها بناء الدولة التنموية، كما أشرت في مقال سابق.

اختيار أنشطة وصناعات واعدة وحفزها ضريبياً وائتمانياً وفنياً وتسهيل نموها رقابياً وتنظيمياً، أو ما يعرف فنياً بسياسة الاستهداف الصناعي Industrial Targeting تعرضت عالمياً الى التضييق من قبل البنك وصندوق النقد الدوليين، والى شبه التحريم من قبل منظمة التجارة العالمية كذلك، باعتبارها تسيء الى تخصيص الموارد وتشوه الحوافز وتقيد التجارة الحرة!. 

وأذكر جيداً حيثيات ورقة بحثية قمت باعدادها في عام 2004 حول “تقييم التنافسية الدولية لقطاع الصناعات التحويلية في الاردن” ضمن مؤتمر دولي حول الاقتصاد الاردني في مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة الاردنية، وتم وقتئذ تقييم الورقة من قبل خبير أجنبي في صندوق النقد الدولي. باختصار، تعرضت الورقة للقبول والمديح الا في توصية الاستهداف الصناعي لعدد من الصناعات التحويلية التي اعترض عليها الخبير الدولي صراحة. بالطبع، لم أقتنع بجدل الخبير وقتئذ وقمت بنقد هذا الجدل، لكن ما قاله قد ساد -ولا يزال- على دعائم السياسة الصناعية والتنموية الأردنية.

لكن، ومع التطورات النظرية في حقل السياسات الصناعية، والتطورات التقنية في قطاعات بعينها، والمستجدات الحمائية في البيئة التجارية العالمية، وأوضاع المالية العامة حول العالم، أصبحت مثل هذه الاعتراضات على الاستهداف الصناعي متقادمة، بل “غير وثيقة الصلة” بالواقع وبالعلم في آن واحد.

ففي ظل القيود التي يفرضها عجز الموازنة الأردنية، لا بديل عن انتقاء قطاعات وأنشطة ومشاريع واعدة وذات أولوية، بما فيها المشاريع الصغيرة والمتوسطة. هذا يسهل تعبئة الموارد المحلية والدولية (مثال: المنحة القطرية حالياً) وتركيزها على تلك القطاعات والأنشطة ضمن اطار زمني محدد.

وكما أشرت في مقال سابق (كيف نحفز النمو الاقتصادي في الاردن-2)، تخلو كل من خطة تحفيز النمو الاقتصادي الاردني 2018-2022 والسياسة الصناعية الوطنية الجديدة 2017-2022 من اية استهداف صريح لأنشطة وصناعات واعدة وذات أولوية، سواء في القطاعات السلعية أو الخدمية، وكأنه لا توجد قيود جوهرية على التنفيذ والتمويل في اقتصادنا الوطني.

تحديد هذه القطاعات والأنشطة والاستثمارات هي مسؤولية وزارة الصناعة والتجارة فيما يخص قطاعي الصناعة والتجارة. اما القطاعات الخدمية، فلست أرى الا وزارة التخطيط الغائبة مؤخراً عن التخطيط والتوجيه والنهج الاقتصادي الجديد.

التعليقات مغلقة.