صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أمن الخليج العربي بين الأهداف الأمريكية والإيرانية

تقوم الإستراتيجية الأمريكية في الخليج والشرق الأوسط على عدة مرتكزات :
– الحفاظ على أمن اسرائيل .
– حماية منابع النفط والممرات المائية.
– إستخدام موقـع المنطقة الاستراتيجي لتقويـض واحتواء أي خطر روسي
محتمل .
– دعم وتوثيـق العلاقات الثنائية بين الولايات المتحـدة والأقطار العربيـة
الصديقة (إتفاقيات أمنية وعسكرية وتجارية ، قواعد عسكرية ، مبيعات أسلحة ).
– تعزيـز فرص السلام والإستقرار في المنطقة حماية للمصالح الأمريكيـة
العليا.

وقد بدأت السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط تأخذ ملامحها الواضحة مع ظهور( مبدأ ترومان) الذي أوعز بتقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية لدول المنطقة لاحتواء الخطر الشيوعي، كما ركزت الاستراتيجية الأمريكية تجاه أمن الخليج العربي منذ الانسحاب البريطاني من المنطقة بداية سبعينات القرن الماضي، على مبدأ مؤداه الحيلولة دون ظهور قوة إقليمية تمثل تهديداً للمصالح الأمريكية والغربية عموماً حتى لو تطلب الأمر التدخل عسكرياً.
ومرت مراحل ضمان الأمن في الخليج بالآتي:-
– مرحلة السبعينات : عمدت الاستراتيجية الأمريكية في عهد الرئيس نيكسون إلى اتباع سياسة الاعتماد على القوى المحلية في تأمين المصالح الأمريكية ، هذه السياسة والتي عرفت ب (مبدأ نيكسون) منحت إيران الإمبراطورية، بالتنيق مع تركيا وإسرائيل، مهمة الدفاع عن المصالح الغربية في الخليج العربي مع إفساح المجال لها لشراء أحدث الأسلحة الأمريكية لتحقيق هذا الهدف .
– مرحلة الثمانينات: بعد انتصار الثورة الاسلامية الايرانية عام 1979وسعي ايران لتصدير ثورتها الى دول الجوار الخليجي، وإندلاع الحرب العراقية- الايرانية عام 1980، أصبحت إيران والعرق قوتان تهددان أمن الخليج من وجهة نظر الولايات المتحدة، واتبعت الولايات المتحدة سياسة الاحتواء المزدوج ضد ايران والعراق معا ،ودعمت دول الخليج العربي بتأسيس مجلس التعاون عام 1981 لمواجهة خطري إيران والعراق .
وقد حكم الاستراتيجية الامريكية في الخليج منذ بداية الثمانينات (مبدأ كارتر)، الذي أصدره الرئيس كارتر بتاريخ 23 / 1/1980، وهو المبدأ المعتمد حتى الآن للحفاظ على أمن الخليج، وينص هذا المبدأ على أن أميركا «سوف تعتبر أي محاولة من قبل أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج إعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة ، وسيتم صد مثل هذا الاعتداء بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية»، وبذلك تم ربط أمن الخليج العربي بسياسة الولايات المتحدة الدفاعية، وأصبحت لأول مرة مهمة الدفاع عن منابع النفط العربية مهمة أمريكية خالصة .
– مرحلة التسعينات : بعد انتهاء الحرب العراقية – الايرانية (1988) وبروز العراق قوة عسكرية قوية وإحتلاله للكويت عام 1990، تدخلت الولايات المتحدة عسكريا وأخرجت العراق من الكويت وتولت حفظ أمن الخليج بشكل مباشر( اتفاقيات أمنية وعسكرية مع دول الخليج، قواعد عسكرية )، ثم تطورت الاستراتيجية الامريكية بإحتلال العراق عام 2003.
– بعد خروج الولايات المتحدة من العراق عام 2011 إختل توازن القوى في الخليج لصالح ايران بسيطرة ايران على جميع مفاصل الدولة العراقية، وأصبح النفوذ الايراني في العراق يفوق النفوذ الامريكي، كما زاد نفوذها وتدخلها في سوريا واليمن والبحرين ولبنان وفلسطين، كما ان ايران خلال هذه الفترة سرعت من برنامجها النووي ، ودخلت في مفاوصات مع الدول الكبرى، مستغلة رغبة الادارة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما بايجاد حل سلمي للملف النووي يحفظ حقوق ايران ويرفع عنها العقوبات، وقد تم التوصل لاتفاق مع دول 5+1بتاريخ 14/7/2015 ، ولم يعالج الاتفاق النووي الإيراني الأنشطة الإقليمية لإيران التي تزعزع الاستقرار الإقليمي وبرنامجها للصواريخ الباليستية وكذلك دعم إيران للإرهاب.
وإنصب الإهتمام الامريكي في المنطقة على محاربة الارهاب الاسلامي السني المتطرف في العراق وسوريا ،وتعاونت إيران مع أمريكيا في هذا الجانب وعززت نفوذها في العراق وسوريا واليمن دون إعتراض من الولايات المتحدة، مما شكل تهديدا للدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية، وكانت إستراتيجية إدارة الرئيس أوباما تقوم على إمكانية التعايش مع إيران، وأن الإعتراف بها كقوة إقليمية وإدماجها في منظومة الأمن الإقليمي الخليجي يمكنه حماية المصالح الأمريكية في المنطقة، وقد أضرت سياسة اوباما تجاه إيران بالمصالح الخليجية (وخاصة السعودية) والإسرائيلية .
ومنذ تولي إدارة الرئيس دونالد ترامب، تبنت الموقف الإسرائيلي من إيران وألغت الإتفاق النووي معها ، وفرضت عقوبات جديدة على إيران أخطرها منع بيع النفط الايراني الذي سيبدأ في شهر نوفمبر القادم، كما تدرس تشكيل تحالف أمني وسياسي جديد مع دول الخليج ومصر والأردن بهدف التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة (ناتو عربي) ، وعلى الرغم من التصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة وإيران ، أعلن الرئيس الأمريكي إستعداده للقاء القادة الإيرانيين للتفاوض حول كل القضايا مثار الخلاف ، ويعتقد بأن الإجراءات الأمريكية ضد إيران تهدف لإجبار إيران على التفاوض من جديد وتقديم تنازلات جوهرية بخصوص ملفها النووي والصاروخي وقضايا أخرى تهدد إسرائيل .
وهناك ملاحظات يجب على دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية آخذها بالإعتبار بالتعامل مع الملف الإيراني :
– الولايات المتحدة دولة عظمى يحكم علاقاتها مع الدول الأخرى مصالحها بالدرجة الاولى، وأنه في العلاقات الدولية لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم ، وإنما مصالح.
– للولايات المتحدة مصالح حيوية في منطقة الخليج، ولا تستطيع ان تعتمد على دول الخليج العربي في موازنة إيران، والاهتمام الأمريكي الإستراتيجي حاليا اتجه نحو آسيا لمواجهة التهديدات الصينية، وهذا يتطلب تعزيز وجودها العسكري هناك ، وفي المقابل تقليص وجودها في الخليج، وبالتالي تحقيق أمن الخليج سيكون ربما بالعودة الى مبدأ نيكسون في السبعينات الذي اعتمد على تأمين المصالح الامريكية في الخليج بالإعتماد على القوى الإقليمية في المنطقة ، من خلال صياغة نظام أمن إقليمي جديد لا يستثني احدا، برعاية امريكية، يحقق التوازان بين القوى الإقليمية في الخليج والشرق الأوسط:- ايران، دول الخليج ، العراق ،تركيا، وإسرائيل .
– حجم التبادل التجاري بين إيران ودول الخليج العربية وغالبيته مع الامارات حوالي (12) مليار دولار سنويا ، وهذا يضعف تأثير العقوبات على إيران .
– حجم الدور الإيراني الإقليمي سيكون محكوم بما تسمح به الولايات المتحدة، ولن تسمح أمريكيا لإيران بالإنفراد بأمن المنطقة.
– تلعب الولايات المتحدة على خطين متوازيين، تخويف دول الخليج من إيران وفي نفس الوقت تسعى لخطب ود إيران ومحاولة فتح حوار ومفاوضات معها ، وربما تنجح واشنطن بعقد صفقة معينة مع إيران على حساب دول الخليج ، يعالج الخلل في الإتفاق النووي وإضافة موضوع البرنامج الصاروخي للإتفاق، وكذلك معالجة التدخلات الإيرانية في المنطقة بما يحقق المصالح الأمريكية والإسرائيلية فقط، مع الإشارة الى أن إيران دولة براغماتية تعرف كيف تحقق مصالحها القومية ولديها إستعداد لتقديم تنازلات للوصول الى حلول وسط.

وعلى ضوء الواقع الخليجي بعدم القدرة على مواجهة النفوذ الايراني في المنطقة بسبب :- الإنقسام داخل دول مجلس التعاون على خلفية الأزمة مع قطر ، عدم توفر إرادة سياسية خليجية لتطوير شكل مجلس التعاون الخليجي الى اتحاد فعال،عدم وجود موقف خليجي موحد من التهديد الايراني،عدم وجود نظام إقليمي عربي فعال يوازن النفوذ الايراني (خروج العراق من المعادلة لصالح ايران، كذلك انشغال مصر بمشاكلها الداخلية)، نقترح على المملكة العربية السعودية ، التي نتمنى لها الأمن والآمان ، لما تمثله من قوة عربية وإسلامية وخادمة للحرمين الشريفين ، مراجعة سياساتها ، لتعزيز مكانتها الإقليمية والاسلامية والدولية ،نقترح القيام بما يلي :
– أن تعود المملكة العربية السعودية الى سياستها السابقة التي إتسمت بالحكمة والتسامح والصبر والتأني والبعيدة عن الإنفعال والعصبية ، وكذلك الإبتعاد عن المعادلات الصفرية في علاقاتها الاقليمية والدولية والتي أضرت بمكانة وسمعة السعودية وإستنزفت مواردها المالية .
– إعادة ترتيب البيت الداخلي الخليجي أولا بإنهاء الأزمة الخليجية مع قطر، من خلال تكليف الكويت بإغلاق هذا الملف .
– إعادة بناءمجلس التعاون الخليجي على أسس جديدة ، تزيل هواجس الدول الصغيرة وخوفها مما يعتقدون بهيمنة الشقيقة الكبرى (السعودية) عليهم ،وضرورة إعطاء هذه الدول هامش حرية في علاقاتها الخارجية الإقليمية والدولية بما ينسجم مع الثوابت الخليجية ،على أن يتم الإستفادة من تجربة علاقات الدول الكبرى(المانيا وفرنسا) مع الدول الصغيرة في الإتحاد الأوروبي ، كما يتطلب تشكيل هيئة داخل مجلس التعاون للنظر بأي نزاعات قد تحدث في الإطار الخليجي .
– ضرورة إنهاء الحرب في اليمن بالسرعة الممكنة وفقا للمبادرة الخليجية والقرارات الدولية ، لإستحالة تحقيق نصر حاسم ، ولما تشكله من إستنزاف مالي وعسكري سعودي وإماراتي ، وإساءة لسمعة السعودية في العالم ، وهناك أطراف إقليمية ودولية تريد إستمرار الحرب في اليمن لإشغال السعودية وتشغيل مصانع الأسلحة ،ويتطلب ذلك تسليم هذا الملف لسلطنة عمان للتفاوض مع الحوثيين والتوصل الى مصالحة وطنية وإشراكهم في العملية السياسية لإنهاء هذا الملف .
– مراقبة الإتصالات الامريكية – الإيرانية ودراسة إمكانية فتح قنوات إتصال مباشرة مع إيران لضمان المصالح الخليجية وعدم الإعتماد على الولايات المتحدة التي تسعى لتحقيق مصالحها ومصالح إسرائيل فقط ،على أن يكون حوار خليجي جماعي مع إيران حتى لا تستفرد إيران بكل دولة خليجية على حدا ، وتلعب على التناقضات، وسيساعد ذلك في تسوية الملف اليمني .
– تمسك السعودية بشرعيتها الدينية وثوابتها السياسية وخاصة تجاه القضية الفلسطينية والمبادرة العربية التي قدمتها السعودية لحل الصراع العربي – الإسرائيلي ،ومراعاة مصالح الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية (فلسطين والأردن ومصر)،وأن لا تتدخل كطرف مفاوض ومنافس لهم في هذ الملف الحساس، وقد أساءت التسريبات الإسرائيلية والأمريكية حول صفقة القرن للسعودية ، مع الإشارة الى أن مصر لن تسمح لأي دولة عربية أن تنافسها على الدور الإقليمي .
– إعادة توثيق العلاقات مع تركيا لموازنة النفوذ الإيراني في المنطقة .
– قيام دول الخليج بتمتين الجبهات الداخلية وتعزيز الوحدة الوطنية من خلال اجراء اصلاحات سياسية داخلية متدرجة تشرك كل مكونات المجتمع بالعملية السياسية والتنموية وعدم اقصاء اي مكون، لتعزيز مفهوم المواطنة القانونية والولاء للدولة وليس الطائفة ، وذلك لسحب البساط من ايران التي تتدخل في شؤون دول الخليج باللعب على وتر مظالم الأقلية الشيعية في الخليج .

التعليقات مغلقة.